|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اتهام أيوب بالبرّ الذاتي "فَأَجَابَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ: أَلَعَلَّ الْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ، وَيَمْلأ بَطْنَهُ مِنْ رِيحٍ شَرْقِيَّة، فَيَحْتَجَّ بِكَلاَمٍ لاَ يُفِيدُ، وَبِأَحَادِيثَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا؟" [1-3] يبدأ أليفاز الدورة الثانية باتهام أيوب أنه كان مخادعا، فقد نال شهرة عظيمة كرجل حكيم. حمل هذا اللقب، لكنه لم يحمل الحكمة الحقيقية، معرفته باطلة جوفاء، وعلمه كاذب، يملأ الهواء كلاما لا نفع له، بل يملأه بكلام مدمر. يقصد هنا بالبطن أعماقه الداخلية، وقلبه، وفكره. وكما جاء في سفر الأمثال: " كلام النمام مثل لقم حلوة، وهو ينزل إلى مخادع البطن" (أم 18: 8). يتهمه بأنه يتظاهر بالحكمة، لكن أعماقه مملوءة بريح شرقية، وهي ريح يعرفها سكان شرقي البحر الأبيض المتوسط أنها ريح مملوءة بالعواصف والزوابع جافة وحارة تدمر الحقول (إش 27: 8). وهي مثل الريح التي يدعوها اليونانيون" أوروكليدون".(أع 27: 14) يليق بالإنسان كلما ظنه الناس حكيمًا، أن يتحفظ بالأكثر، لئلا يصَّدق مديح الناس فيه. عليه أن يصمت، ليتمتع بحكمة روح الله الساكن فيه، لا روح العالم أو ريحه الفارغة، خاصة الرياح الشرقية العنيفة والتي لا نفع لها. هكذا يرى أليفاز وزميلاه في أيوب البار إنسانًا مدمرا للحقول. هذا ليس بالأمر الغريب فإن الهراطقة لن يكفوا عن توجيه الاتهامات ضد كنيسة المسيح أنها تحمل ريحا شرقية مدمرة، وأن تعاليمها لا نفع فيها. * كثيرًا ما قلنا إن الطوباوي أيوب يحمل رمزًا للكنيسة الجامعة المقدسة، وأن أصدقاءه يحملون شبهًا للهراطقة، الذين يبدون كمن يدافعون عن الرب، فيجدون الفرصة للنطق بأقوالٍ غبية. إنهم يطلقون كلمات السب ضد الصالحين، وبالنسبة لهم كل ما يفكر فيه المؤمنون يثير استياءهم، ويحسبونه ككلامٍ في الريح. البابا غريغوريوس (الكبير) القديس يوحنا الذهبي الفم القديس إيريناؤس لنصرخ إلى إلهنا فيهبنا نور المعرفة الإلهية، تشرق على أعماقنا، فتنير داخلنا بالنور السماوي ويصير سلوكنا شاهدًا حيًا لكلماتنا، وتكون أفكارنا متناغمة مع كلماتنا وتصرفاتنا. حقًا إذ يهب الروح القدس الساكن فينا علينا، لا تقدر رياح العدو الشرير الجافة والمدمرة للحقول أن تتجه إلينا. يهب روح الله، فيحول بريتنا إلى جنةٍ مفرحةٍ، ولا يكون للعدو ما يدمره فينا، لأنه ثمر الروح! "أَمَّا أَنْتَ فَتُنَافِي الْمَخَافَةَ، وَتُنَاقِضُ التَّقْوَى لَدَى اللهِ" [4]. يرى بعض علماء اليهود أن أليفاز هنا يعني: "إن كان الله قد خلق المُضل، فإنه قد أوجد التوارة التي بها يستطيع الإنسان أن يُخضع المضل. بعد أن هاجمه كإنسان ظهر أمام الكثيرين أنه حكيم، مع أن في أعماقه ريح مدمره لحقول الرب، مهلكة للنفوس الآن يهاجمه أيضًا كشخص متدين يتعبد لله. فإن عبادته -في رأي أليفاز وصاحبيه- عبادة باطلة، لأنها تخلو من التقوى أو مخافة الرب. يا له من اتهام خطير! لا يحمل مخافة الرب، وليس له تقوى صادقة في عيني الله، أي عبادته غير مقبولة. إن كانت رأس الحكمة مخافة الرب، فمن هو بلا مخافة يكون جاهلًا غبيًا، ولا تقبل عبادته مهما حملت من شكليات جذابة. * خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس. * إذًا ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطر عظيمة في وقت الشتاء. الأب دوروثيؤس إذ يرى الشيطان الحارس العلوي العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة. إذًا، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهي، لأن حلاوة حب الله أشهي من العسل. حقًا أن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجامع، لم يتذوقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتمًا خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يحابي الوجوه. فَمَن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، وينقي قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويقدم لله أصوامًا ودموعًا ليلًا ونهارًا بلا هوادة كصلوات نقية، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة. اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة وُيسر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، ويهبكم كل ما تطلبونه . القديس الأنبا أنطونيوس الكبير "لأَنَّ فَمَكَ يُذِيعُ إِثْمَكَ، وَتَخْتَارُ لِسَانَ الْمُحْتَالِين" [5]. حسب أليفاز دفاع أيوب عن نفسه إثمًا لا يستطيع أن يبرره. * هذا هو السبب أنه يعلن بأنه "أثيم بالكلمات" بسبب وقاحته أمام الله - ولكن ليس من أجل الحق يفتري أليفاز عليه بهذه الكيفية، ولا يتكلم في غيرة من أجل الله، إنما من أجل نفسه ومن أجل أصدقائه، إذ رأوا أنفسهم يُؤنبون علانية. الأب هيسيخيوس الأورشليمي البابا غريغوريوس (الكبير) "إِنَّ فَمَكَ يَسْتَذْنِبُكَ لاَ أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ" [6]. كأن أليفاز يقول له: لست أحكم عليك من تصرفاتك قبل التجارب، لكن هوذا فمك بعد حلول التجارب هو نفسه شاهد على إثمك، وشفتاك تنطقان بالحكم عليك، ولست أنا. لقد أثاره الأصدقاء الثلاثة، وإذ انفعل لم يفكروا في إثارتهم له وسط محنته، وحسبوا انفعاله حسبما يفسرونه شهادة عليه. "أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ النَّاسِ، أَمْ أُبْدِئْتَ قَبْلَ التِّلاَلِ!" [7] يوبخه بسؤال: "أصورت أول الناس؟" كأنه يقول له: هل أنت أول إنسان قد خُلق، فصرت أقدر من غيرك على فهم أحكام الله؟ هل عشت في أيام الخليقة، وكنزت في داخلك حكمة العصور الماضية، حتى أنك تتحدث باعتزاز وافتخار وفي ثقة يقين؟ هل صُورت قبل آدم؟ آدم اخطأ، ومع هذا لم يعانِ مما تعاني أنت منه، ومع هذا ألا تريد أن تعترف بخطاياك؟ "أم أبدئت قبل التلال؟" إن كانت الحكمة نفسها مثل الجبال المرتفعة (أم 8: 23 الخ؛ مز 36: 6)، فهل أنت أعظم من الحكمة نفسها؟ أما يليق بك أن تنحني أمامها، لتغرف منها عوض التشامخ بحكمتك الذاتية؟ تقول الحكمة: " من قيل أن تقررت الحبال، قبل التلال أبدئت" (أم 8: 25). وكأن أليفاز في تهكم يسأل أيوب: ألعلك أنت هو الحكمة بعينها التي بدأت قبل التلال، وقد تشخصنت أو صرت شخصا؟ * لم يقل أيوب هذا أية كلمة يدعي بها المجد لنفسه، لم يقل أنه مخلوق قبل كل البشرية... إنما في عبارة واحدة تحدث عما حدث مع البشرية في البداية (13: 26)، فوضع نفسه موضع الكل. لكن أليفاز أراد أن يتهم أيوب أنه حمل أفكارًا عالية خاصة بالله؛ أنصتوا إلى ما أضافه: "هل سمعت أحكام الله؟ أو قصرت الحكمة على نفسك؟" [8) الأب هيسيخيوس الأورشليمي هَلْ أَصْغَيتَ فِي مَجْلِسِ اللهِ؟ أَوْ قَصَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ!" [8] كان ينظر إلى الله أنه في محبته للبشرية يقيم كما لو كان له مجلس سماوي، ويجتمع مع أتقيائه، كأحباء له. فيقول المرتل: "مادام الملك في مجلسه، أفاح نارديني رائحته" (نش 1: 12). "لأنه من وقف في مجلس الرب، ورأى وسمع كلمته، من أصغى لكلمته وسمع؟" (ار 23: 18) "ولو وقفوا في مجلسي، لأخبروا شعبي بكلامي، وردوهم عن طريقهم الرديء، وعن شر أعمالهم" (إر 23: 22). "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي" (مز 82: 1). "سرّ الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم" (مز 25: 14). في تهكم يقول له: أتظن أنك القائم بأعمال الله في مجلسه؟ هل تدعى أنك كاتم أسرار السماء؟ أو أنك أقدر من غيرك على معرفة معاملات الله؟ كأنك فريد على الأرض في معرفتك لما يدور في السماء، وما يخططه إله السماء؟ أتعرف الله ونحن لا نعرفه؟ "هل قصرت الحكمة على نفسك؟" ألا يوجد حكيم غيرك؟ هل أنت محتكر الحكمة دون سواك؟ * كأنه في كلماتٍ واضحة يقول: "يا من تتكلم عن الأزلي لتذكر أنك مخلوق في زمنٍ، يا من تحاجج بخصوص الحكمة تذكر أنك لا تعرف مشورته". البابا غريغوريوس (الكبير) القديس أغسطينوس "مَاذَا تَعْرِفُهُ، وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ؟ وَمَاذَا تَفْهَمُ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا؟ [9] يتطلعون إليه ليجيبوا على قوله: "ما تعرفونه، أعرفه أنا أيضًا" (أي 13: 2)، بقولهم: "ماذا تعرفه، ولا نعرفه نحن؟" ربما يبدو أن كلمات أليفاز منطقية، فإنه يجيب على أيوب بما سبق فأجابه أيوب عليهم. لكن شتان ما بين فكر أيوب وفكر أليفاز؛ أيوب دافع عن نفسه، لأنهم كيَلوا له الاتهامات الكثيرة، وحسبوه غبيًا بلا حكمة ولا معرفة، فأكد لهم أن ما ينطقون به يعرفه كل إنسان بالطبيعة، ليس فيه شيء جديد. لم يقل اليفاز هذا إلا دفاعًا عن نفسه، وفي نفس الوقت يسَّفه من شخصية أيوب ومعرفته وحكمته. "عِنْدَنَا الشَّيْخُ وَالأَشْيَبُ أَكْبَرُ أَيَّامًا مِنْ أَبِيكَ" [10]. ظنوا أنه متشامخ بسبب شيخوخته وخبرته، فيفتخروا عليه بأنه في جانبهم من هم أكثر شيبه منه ومن أبيه، وهم متفقون معنا فيما نقوله لك. ولعل أحد هؤلاء الأصدقاء كان أكبر سنًا من أيوب. يرى البابا غريغوريوس (الكبير)أن الهراطقة خرجوا من الكنيسة، فهي تمثل الشيخ الحكيم، أما هم فبلا حكمة سماوية حقيقية. مع هذا يدّعي الهراطقة أنهم الكنيسة صاحبة الخبرة والحكمة، وكأن الكنيسة هي الدخيلة، وهم الشيوخ أصحاب المعرفة. * يشهد يوحنا أن كل الهراطقة خرجوا من الكنيسة المقدسة الجامعة، عندما قال: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا" (1 يو 2: 19). البابا غريغوريوس (الكبير) وَالْكَلاَمُ مَعَكَ بِالرِّفْقِ!" [11] حسب أليفاز أن رفض أيوب لمشورتهم إنما هو رفض لتعزيات الله نفسه، وأن ما نطقوا به بالرغم مما فيه من قسوة وتوبيخ مُرْ، إنما يُحسب ترفقًا، لأنه يستحق ما هو أكثر. تترجم أحيانا عبارة "والكلام معك بالرفق" "هل لديك أي شيء سري؟" بمعنى هل في قلبك خطية سرية تعطل تمتعك بتعزيات الله؟ فإنه لا ينتفع بتعزيات الله الذين يخفون شهواتهم داخلهم. "لِمَاذَا يَأْخُذُكَ قَلْبُك، وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ؟ [12] لماذا يسحبك قلبك إلى مقاومة نفسه، ومقاومة من يكشف لك عن أسرار معاملات الله؟ لِمَ تختلج عيناك؟ أي تفخر بعينيك، وكأنك تهزأ بمشورتنا ولا تبالي بما نحدثك عنه. حقا يليق بالمؤمن أن يتسربل بالتواضع، لأن القلب المتشامخ عدو نفسه. أما المتواضع فينتفع من الكثيرين، ويتحدث معه الله خلال مرشديه. يرى الله متجليًا في الكنيسة، وينحني بأعماقه للتعلم المستمر في الرب. *لكوني كنت جاهلًا بهذه الأمور، فقد هزأت بأبنائك وخدَّامك القدِّيسين، ولكن لم أربح من وراء هذا سوى ازدرائك بي. القديس أغسطينوس قال: من أطاعكم فقد أطاعني، ومن خالفكم قد خالفني. ومن خالفني فقد خالف الذي أرسلني (لو 10: 16). الدسقوليَّة * يليق بكم أن تطيعوا أسقفكم بدون رياء، تكريمًا لله الذي يريد منَّا أن نفعل هكذا. فمن لا يفعل هذا لا يخدع بالحقيقة الأسقف المنظور بل يسخر بالله غير المنظور. فهذا العمل لا يخص إنسان بل الله العالم بكل الأسرار. القدِّيس أغناطيوس الثيؤفوروس "حَتَّى تَرُدَّ عَلَى اللهِ، وَتُخْرِجَ مِنْ فَمِكَ أَقْوَالًا؟" [13] "حتى ترد على الله"، أي حتى تهيج نفسك على الله، فإن ثورته عليهم حسبوها ثورة ضد الله نفسه. وحسبوا شهوة الموت عنده مقاومة للتدبير الإلهي، وتمردًا داخليًا على أحكامه، فدخل في عداوة مع الله. وكأنه قد انحرف إلى صف إبليس الدائم التمرد على الله. يقول البابا غريغوريوس (الكبير) أن أصدقاء أيوب حكموا عليه كمقاوم لله، مقتبسين بعض العبارات التي نطق بها دون أن يراعوا ما في قلبه. من الصعب الحكم على إنسان بكلمات ينطق بها، دون معرفة ما في قلبه. فما قاله بطرس الرسول عن السيد المسيح: " أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت 16: 16) هي ذات الكلمات التي ننطق بها الشيطان وجنوده في أكثر من موضع حيث قالوا: " نحن نعرفك.. أنت قدوس الله" (مر 1: 24). الأول طوبه السيد المسيح، والآخرون انتهرهم وطردهم. كان يليق بأصدقاء أيوب ان يطلبوا منه أن يوضح ويفسر ما يقوله، لا أن يقدموا فهما لكلماته حسبما اشتهت قلوبهم الحاسدة، والتي تبذل كل الجهد لتتلقط له أخطاء! * "لماذا ينتفخ قلبك على الله؟ فتسمح بمثل هذه الكلمات تخرج من فمك؟" غالبًا إذ يُصاب الأبرار بويلات كثيرة، يلتزمون بالاعتراف بأعمالهم، وذلك كما فعل أيوب. هذا الذي بعد أن عاش حياة بارة سقط تحت ضغطات ضربات العصا. وإذ يسمع الأشرار أقوالهم يظنون إنهم إنما يتكلمون باعتداد بذواتهم وليس بالحق. فإنهم يزِنون كلمات الأبرار حسب مشاعرهم الخاصة، ولا يظنون أنه يمكن أن يُنطق بكلمات صالحة بروحٍ متواضعٍ. فكما أنه يُحسب خطية عظمى أن ينسب إنسان لنفسه ما هو ليس له، هكذا فإنه ليس بخطية عليه نهائيًا إن تحدث في تواضع عن أمور صالحة فعلها. لهذا كثيرًا ما توجد كلماتٍ مشتركة ينطق بها الأبرار والأشرار، لكن القلب يكون دومًا مختلفًا تمامًا! هكذا عندما دخل الفريسي الهيكل قال: "أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه" (لو 18: 12)، لكن العشار خرج مبررًا أكثر منه. حزقيا الملك أيضًا عندما أُصيب بمرضٍ في جسمه وجاء إلى آخر لحظات عمره، صلى بقلبٍ مجروحٍ: "آه يا رب، أذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلبٍ سليم" (إش 28: 3). لم يتغاضَ الرب عن هذا الاعتراف بالكمال، ولا رفضه، بل في الحال استجاب لصلواته. أنتم ترون أن الفريسي برر نفسه بالعمل، وحزقيا أكد أنه بار في الفكر أيضًا، وبذات العمل أحدهما صار أثيمًا والآخر استرضى الله. لماذا هذا إلاَّ لأن الله القدير قدَّر كلمات كل منهما حسب فكره الداخلي، وكانت هذه الكلمات ليست متشامخة في أذني الله لأنها قيلت بقلبٍ متواضع... لقد اعتاد الهراطقة أن يمزجوا بعض النقاط الصادقة بعبارات تحمل إقناعات خاطئة. انخدع أصحاب الطوباوي أيوب جميعًا بإتنهارهم لأيوب، وإن نطقوا بأمورٍ صادقة تعلموها خلال اتصالهم بأيوب. مثل هذه الكلمات كانت كلها متناقضة. وإلاَّ ما كان الرسول بولس يقول: "الآخذ الحكماء بمكرهم" (1 كو 3: 19)... البابا غريغوريوس (الكبير) |
|