|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كاتب فرنسى يكشف عقيدة «الكتلة السوداء» (2-2):«البلاك بلوك».. قوة خفية و«كل عضو قائد نفسه» يرفضون وجود متحدث باسمهم حتى لا يفسده البريق الإعلامى للمجموعة.. وليس لهم قائد موحد غياب الرمز و القائد يفرض عليهم الحفاظ على انفسهم بانفسهم السطور التالية تعرض الجزء الثانى من كتاب «البلاك بلوك: تجسيد الحرية والمساواة»، للمؤلف الكندى «فرنسيس دوبوى ديرى»، الذى كشف فيه عقيدة «البلاك بلوك»، أو «الكتل السوداء»، وقال عنهم: «لم يستأذن أفراد (البلاك بلوك) ليقتحموا دائرة اهتمام وانتباه العالم»، مضيفاً أن «الأمن ينظر إلى أى تنظيم آخر على أنه بالضرورة مثله؛ قائد وأتباع، ولا يفهمون فكرة أن (كل واحد قائد نفسه) التى يتبعها «البلاك بلوك»، والكتل السوداء، فترى فى ذلك فرصة للرد بعنف على قوات الأمن، وترى عنفها مبرراً». ويشرح الكاتب بداية ظهور تلك المجموعات قائلا: «ظهروا فى 30 نوفمبر عام 1999 فى سياتل بأمريكا، ليكسروا الواجهات الزجاجية للبنوك، ويحطموا محلات مثل (ماكدونالدز) و(جينز ليفايز). كانت تلك العلامات التجارية ترمز من وجهة نظرهم إلى عدوهم الحقيقى فى تلك اللحظة؛ العولمة التى تلغى هوية الدول والشعوب، ولذلك عبروا عن غضبهم ضدها بأبسط طريقة يعرفونها: التكسير. ومن هنا ولد الاسم الذى سيظل فيما بعد مرتبطا بهم: (المُكسِّرون)، أو (المُحطِّمون)». غلاف كتاب البلاك بلوك ويضيف الكاتب: «اندس (البلاك بلوك) وسط مظاهرة أمريكية ضد العولمة، كان هدفهم وهدف المتظاهرين السلميين واحداً، وإن اختلفت أساليب تعبيرهم عنه. لكن الغريب أن المتظاهرين السلميين فقدوا سلميتهم أمام عنف الكتل السوداء، وشنوا هجوما عنيفا عليهم، باعتبارهم يفسدون أهداف المعارضة، ويفقدونها تعاطف الناس والرأى العام». «كان (البلاك بلوك) يشنون حربهم ضد عدو ما، لكن شركاءهم فى تلك الحرب كانوا يوجهون نيرانهم ضدهم بدلا من أن يتحالفوا معهم ضد عدو مشترك، وبشكل جعل أشرس معارضة ضد (البلاك بلوك) هى المعارضة السلمية لأنصار نفس قضيتهم. اتهمتهم المعارضة (السلمية) بالإساءة للقضية، وأن اتخاذ العنف وسيلة للإصلاح لا يمكن أن يعنى إلا مزيدا من الفوضى، وأدت تلك الاتهامات الجاهزة، التى لاقت صدى فى نفوس السياسيين ومن لا يستريحون للتعبير العنيف عن الرأى - إلى أن تكون التهمة الجاهزة ضد (البلاك بلوك) فى كل مرة يظهرون فيها هى تهمة (الفوضوية)، أو (الأناركية)، التى تهدف إلى التخريب لمجرد التخريب، دون النظر لعدالة قضيتهم». «حول كراهية (البلاك بلوك)، اتفقت الأطراف التى كانت مختلفة فى كل شىء آخر: السياسيون والمسئولون الرسميون والإعلاميون، والأهم المتحدثون الرسميون باسم المعارضة. أما (البلاك بلوك) أنفسهم، فواجهوا تلك الاتهامات التى تداولتها وسائل الإعلام ضدهم بأنهم هم من يجسدون المعنى الحقيقى للديمقراطية والمساواة، وأن من يلجأون للعنف فيهم هم أصحاب الخلفيات العسكرية والأمنية الذين يرون فى التحرك العنيف والمباشر وسيلة لفرض الحق، ولا يلجأون إليه إلا عندما تستدعى الظروف ذلك، وأنهم فى ذلك لا يختلفون كثيرا عن أجهزة الأمن التى تفرض القانون بالقوة والعنف بكل درجاته».
«على أن الجهل، جهل الناس والرأى العام بحقيقة ما وراء تلك الأقنعة والملابس السوداء، ظل هو السلاح الأقوى فى يد كل من يريد ضرب (البلاك بلوك)؛ وصفهم رئيس الوزراء البلجيكى فى قمة دول الثمانى بأنهم (يعبرون عن عنفهم ولا يعبرون عن رأيهم)، واتهمهم آخرون بأنهم مجموعة من البرابرة والفوضويين، وحتى موالين وحلفاء للإرهابيين الإسلاميين. وفتحت وسائل الإعلام الكبرى ووكالات الأنباء العالمية أبوابها وأبواقها للمعارضة السلمية المناهضة للعولمة، قال قادة المعارضة السلمية عن (البلاك بلوك): (إنهم يخربون مظاهراتنا، وهم أقرب للسرطان الذى يستشرى فى جسد المعارضة، لقد نجحنا فى أن نلفت أنظار الإعلام لعدالة قضيتنا، لكن جاءت تلك (الكتل السوداء) لتفسد كل شىء.. هم مجموعة من الأشخاص الذين ظهروا فى آخر لحظة من العدم، دون أن يشاركوا فى الإعداد لمظاهراتنا، ولم يشاركونا فى كفاحنا الطويل، وراحوا يتصرفون بأى شكل، ويفسدون كل شىء». تصريحات قادة المعارضة السلمية ضد «البلاك بلوك»، على الرغم من أنهم يشاركونهم فى نفس القضية، رسخت أولا لدى الرأى العام أن «البلاك بلوك» هم مجموعة من المخابيل الذين لا يمكن السيطرة عليهم، ولا يعترف بهم أحد حتى أنصار نفس قضيتهم. ومنحت الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لملاحقة وضرب أفراد «البلاك بلوك». «ومهما كان عنف (البلاك بلوك) وضجيجهم فى المظاهرات، ومهما كان التخريب الذى يتسببون فيه لواجهات المبانى التى ترمز لعدوهم، فإنها لا يمكن أن تقارن بالطبع بعنف الأجهزة الأمنية ضدهم. والواقع أن كم الاعتداءات القانونية والبدنية التى شنها الأمن على (البلاك بلوك) لا يمكن تفسيره إلا بالمنطق البوليسى، الذى يرى أن رجال الأمن يكونون أكثر شراسة وعنفاً لو عرفوا أنهم فى مواجهة مواطنين بلا حلفاء، ولا ظهير له وزن. والأدهى أن قادة المعارضة السلمية أنفسهم كشروا عن أنيابهم وهم يعلنون للرأى العام أنهم أول من يطالب بالضغط على الأمن لكى يتعامل بأقصى درجات الشدة والعنف مع البلاك بلوك (المحطمين الفوضويين)، بشكل أوحى لقوات الأمن أن الكل سيكون سعيدا بالتخلص من هؤلاء (الفوضويين الهامشيين المزعجين)». كان سبب هذا الموقف الذى اتخذه قادة المعارضة السلمية من عنف «البلاك بلوك»، يرجع إلى أن قادة هذه المعارضة اختاروا لأنفسهم طريقا فى الاحتجاج غير التغيير على أرضيات الشوارع، اختار قادة المعارضة السلمية أن يفصلوا أنفسهم أخلاقيا وسياسيا عن «البلاك بلوك»، ولا يعقدوا معهم تحالفا سياسيا؛ فـ«البلاك بلوك» يلجأون للتغيير باليد والقوة، بينما يلجأ قادة المعارضة السلمية إلى الحوار والتحاور، وتكييف أساليبهم وطرق مواجهتهم وفقا لما يقتضيه الموقف والظروف، وأن يلجأوا للضغط بالأساليب القانونية فى إطار احترام الحقوق والمؤسسات والنظام العام. كما أن جزءا منهم يعتمد على تمويل الأهالى لهم فى إطار القانون، ووفقا لما تحدده الدولة، لذلك شعر قادة المعارضة السلمية أنهم لكى يحافظوا على احترامهم وصورتهم فى نظر الناس والدولة، فلا بد أن يبعدوا أنفسهم قدر المستطاع عن فوضوية «البلاك بلوك». وفهم المسئولون وأصحاب السلطة هذه النقطة جيدا، وأجادوا اللعب بها والضغط على أعصاب المعارضة إلى أقصى حد؛ وقف رئيس الوزراء البلجيكى فى قمة دول الثمانى موجها حديثه إلى قادة المعارضة فى الحركات المناهضة للعولمة قائلا: «أريد أن أسمع من كل واحد منكم فى كل مكان من العالم وبكل وضوح، أنكم تبعدون أنفسكم تماما عن (البلاك بلوك)».. ووقف رئيس وزراء كندا فى مناسبة مظاهرة أخرى يوجه الشكر للمعارضة التى تظاهرت بشكل سلمى وأمنت مظاهرتها جيدا فى مواجهة المخربين من «البلاك بلوك». ورد قادة المعارضة فى هذه المظاهرة التحية بأحسن منها، وأدانوا العنف الذى قام به «البلاك بلوك»، بعيدا عن مسيرتهم السلمية، باعتبارهم لا يمثلون سوى «قلة صغيرة» مخربة. والواقع أن تعامل قادة المعارضة السلمية مع «البلاك بلوك»، وحساباتهم السياسية التى جعلتهم يفضلون الحفاظ على قنواتهم المفتوحة مع السلطة على حساب التحالف مع «البلاك بلوك» ضدها - كان يكشف عن قصر نظر واضح؛ فبدلا من أن يساندوا هؤلاء الشباب والفتيات الذين اندفعوا إلى الشوارع معتبرين أنفسهم شركاء فى الكفاح ضد الظلم، اختار قادة المعارضة أن يعزلوا أنفسهم عن حليف قوى. كان من الممكن لقادة المعارضة أن يلجأوا لحلول أخرى تحافظ على مبادئهم دون أن يخسروا قوة «البلاك بلوك»، كان من الممكن مثلا أن يعلنوا حفاظهم والتزامهم بسلمية أساليبهم فى المعارضة، لكن مع الاعتراف بأن «البلاك بلوك» يمثلون جزءا من معارضتهم، وأن تحركاتهم لها هدف سياسى،
«كان من الممكن حتى أن (يستخدم) قادة المعارضة السلمية شباب (البلاك بلوك) لكى يضغطوا بهم على المسئولين فى السلطة أثناء التفاوض معهم، ولسان حالهم يقول: (انظروا، هناك أشخاص يشتعلون غضباً فى الشوارع، ومن مصلحتكم أن تتحاوروا معنا وتصلوا لنتائج سريعاً لتهدئة الجو)، لكن خيار قادة المعارضة السلمية كان مختلفا؛ خافوا أن يضربهم الأمن من ناحية (البلاك بلوك)، فضربوا أنفسهم بأنفسهم وخسروا حليفا قويا، وظهر أنهم يخافون على (صورتهم) أكثر من حرصهم على هدف معارضتهم نفسه، ليصبح السؤال: من منهما الذى أساء للقضية أكثر؟». كان ذلك يحدث فى الوقت الذى يدرك فيه شباب «البلاك بلوك» أن هدفهم السياسى مختلف تماما عن أهداف قادة المعارضة السلمية؛ هم لا يسعون لوضع «متحدثين باسمهم» فى وسائل الإعلام وتحت أضواء الكاميرات، فالسرية عنوانهم وأمانهم، «وكثيرا ما يظهر متحدثون باسم (البلاك بلوك) ثم يكتشف الناس أنهم مجرد نصابين، لأن عضو (البلاك بلوك) الحقيقى لا يكشف عن نفسه»، بالتالى ليس لديهم «الهوس» بالحفاظ على المظهر الذى يعانى منه قادة المعارضة السلمية. هم لا يريدون الجلوس على مائدة المفاوضات مع القادة السياسيين للبلاد، ولا ينظرون إلى اللاعبين على الساحة السياسية ولا إلى رجال الأمن على أنهم شركاء يهتمون برأيهم، ولا يعتبرون القانون عنوانا للشرعية ولا للمشروعية، وفهمهم الحقيقى للديمقراطية أن كل فرد من أفراد المجموعة حر فيما يفعله، وفى اختيار الطريقة التى يعبر بها عن نفسه، وهو ما شكل نقطة ضعف رئيسية فيهم من وجهة نظر معارضيهم؛ فغياب صوت موحد لـ«البلاك بلوك» يعنى أنه لا توجد وحدة فى تحركهم، وبالتالى لن تكون لديهم رسالة واضحة ينقلونها للعالم الخارجى. وجهة نظر «البلاك بلوك» أن قوتهم الحقيقية فى هذا التنوع، وأن هذا التنوع فى الخلفيات الثقافية والاجتماعية والنفسية هو الذى يجعل الإمساك بهم صعباً، وأنه لا يمكن أن يختاروا متحدثا باسمهم، لأنه لن يستطيع مهما كان أن يعبر عن كل هذا الثراء والتنوع، كما أن فكرة «القائد» أو «الوجه» الذى يمثل المجموعة، فكرة غريبة على «البلاك بلوك»، لأنها تشغل صاحبها بالبريق الإعلامى، والوقوع فى فخ الاهتمام بالمصالح والمكاسب الشخصية لنفسه على حساب المجموعة، وهو نفس الخطأ الذى وقع فيه كثير من «مشاهير» المعارضة السلمية. لكن هذا لا يعنى أن «البلاك بلوك» يعيشون فى جنة، إن غياب الرمز أو القائد الموحد لـ«البلاك بلوك»، يفرض على كل كتلة سوداء أن تحافظ على نفسها بنفسها، وأن تحرص على التناغم بين أفرادها على كل المستويات، كما أنهم يختلفون بالفعل حول جدوى تحرك ما، أو مدى فعاليته وتأثيره، وضرورة الاستمرار فيه من عدمه. يحدث ذلك فى الوقت الذى يبدو فيه عنفهم مبرراً لأجهزة الأمن لضربهم بكل ما لديها من قوة، إن الأمن، باعتباره «مؤسسة» ضمن مؤسسات الدولة، ينظر إلى أى تنظيم آخر على أنه بالضرورة مثله؛ قائد وأتباع، ولا يفهمون فكرة أن «كل واحد قائد نفسه» التى يتبعها «البلاك بلوك». أما «الكتل السوداء» فترى فى ذلك فرصة للرد بعنف على قوات الأمن، بل وترى عنفها مبررا، فقوات الأمن فى عنفها لا تفعل أكثر من اتباع الأوامر، والضرب بكل غلظة وحدَّة دون وعى أو فهم. يضاف إلى ذلك أن السلطة الأمنية بالنسبة لفرد «البلاك بلوك» تعد تجسيدا للنظام الذى يغضب ضده، ويقول أحدهم: «إن مواجهة فرد من الأمن تعنى بالنسبة لى مواجهة الدولة وجها لوجه، لأول مرة لا أشعر أن النظام كيان أعلى منى، لكنه شخص من لحم ودم يقف أمامى فى زى رسمى». الوطن |
|