أحمد الصاوي يكتب: بخصوص الخصوص
يكفى أن تكون مسيحيا فى مصر حتى تتعلم أنك لا تملك رفاهية الخطأ، وإذا ساقك قدرك إلى الخطأ لا تملك حق أن تُعاقب وحدك، وأن تحمل وزرك على كتفيك وحدك دون أن تشاركك أسرتك وطائفتك والعابرون بالمصادفة من طريقك فى سداد فاتورة الخطأ.
يكفى أن تكون مسيحيا فى مصر، لتكون عيناك فى منتصف رأسك، لا تزوغ يمينا أو يسارا حتى لا تجرح أحدا ربما يتأذى إذا نظر له «نصرانى»، وأن تكون أعصابك فى ثلاجة، فليس من حقك أن تتشاجر فى أتوبيس مع شخص لا تعرف اسمه ولا هويته ولا دينه ومذهبه، داس على حذائك أو دفعك فى زحام، ليس من حقك أن تقود سيارتك وتسب ذلك الذى كاد يصطدم بك مثلك مثل أى مواطن مصرى «طبيعى وصالح».
يكفى أن تكون مسيحيا فى مصر، فلا تعترض على بائع الخضار فى السوق، حتى لو باعك ما لديه بضعف الثمن، الاعتراض سيتطلب شجارا وسبابا، وربما تحدث إصابات ووقتها لن تكون القضية أن مواطنا تشاجر مع مواطن، وهناك جهات مسئوليتها أن تفصل بين الاثنين بالقانون، لكنك ربما تدفع ثمن تهورك أنت وأسرتك وكل من يدينون بملتك، فيحترق منزلك أو يحترق منزل جارك الذى لا تشاجر ولا كان حاضرا، ولا يعرف شيئا عن أصل مشاجرتك، لكنه فقط مسيحى مثلك.
يكفى أن تكون بقالا فى الدقهلية، تتشاجر مع جارك على زجاجة مياه غذائية، وينتهى الشجار بضرب أفضى إلى موت، أو مكوجيا فى دهشور تتشاجر على قميص، أو شاب مراهق فى بنى سويف أو أسيوط تحرش بفتاة، حتى تجلب على أهلك وكل المسيحيين فى قريتك اللعنة، أنت المتهم وأنت القاتل وأنت المخطئ، لكن خطأك لا تدفع ثمنه وحدك، لأنك مسيحى لا بد أن يُعاقب أهلك، وجيرانك وكل من يدين بدينك فى منطقتك.
الدولة غائبة، وتتعمد تغييب القانون، كانت غائبة قبل الثورة، وغابت فى المرحلة الانتقالية، ومازالت غائبة بمزيد من الضعف والهشاشة فى عهد الرئيس المنتخب الذى أقسم على رعاية الشعب كل الشعب.
لكن المشكلة ليست كلها فى الدولة، الحقيقة التى تتجاهلها أنك تعيش فى مجتمع معبأ بالاحتقان والتمييز، لا يجد حرجا فى أن يقتل على الهوية، ولا يجد لديه وهو الذى يحمل كتابا يقول: «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، أن يمارس العقاب الجماعى ضد الآخرين لأنهم آخرون ومغايرون فى الدين وليس لأنهم كلهم مخطئون.
ومع تصاعد المد الدينى فى السلطة لم تحاول نخبة الحكم الجديدة فك هذا الاحتقان على الأقل تجميلا لصورتها محليا ودوليا، لكنها غذته فى معاركها الانتخابية، وفى أحاديث رموزها عن المسيحيين الذين يتظاهرون هنا وهناك وكأنه ليس من حقهم التظاهر.
هذا اختبار جديد لمجتمع واجبه أن يكفل للمسيحى حق الخطأ حتى يبدأ استعادة مواطنته الكاملة بالتحرر من عقدة الأقلية، وأن يكفل للمخطئ أن يُعاقب وحده بعدل، وأن يحاسب بردع من نهب وسرق وحرق وقتل أبرياء تحت ستار زائف ومضلل وكاذب اسمه الانتصار للعقيدة.