|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الامومة امتياز كله ألم. وقد نالت مريم العذراء الناصرية إمتيازاً فريداً بأمومتها لابن الله. إلا أن كل أم في كل مكان تعلم آلام وأفراح أمومة العذراء مريم. فقد كانت مريم وحيدة عند مولد يسوع، كما شاهدت موته أيضاً. وقد أبصرته ابناً رضيعاً لها كما رأته وهو يموت مخلصاً لها. رغم أن ما كتب أو ذكر عنها في الاناجيل كان محددا في حادثة الميلاد وبعض المواقف الصغيرة ثم الصليب والقيامة والصعود بعد ذلك، وتكلمت عنها نبوات العهد القديم، الا أن العذراء مريم شخصية فريدة مثيرة للاهتمام جدا شخصية لم ولن تتكرر أبداً!... تنبأ عنها أشعياء النبي قبل ميلادها بآلاف السنين و تهيأت السماء لإخبارها بأعظم خبر في البشرية وهو ميلاد يسوع المسيح المخلص عن طريقها بدون زرع بشر، والذي سيحمل خطية العالم ويخلصه من الهلاك... انها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا العذراء دائمة البتولية المملوءة نعمة. وقد كانت حياتها تسير بأفضل ما يمكن أن تتمناه حتى جاءتها زيارة جبرائيل غير المتوقعة. فقد خُطبت مؤخراً إلى نجار يدعى يوسف، وكان المنتظر أن تتزوجه فيما بعد. إلا أن حياة مريم كانت على وشك التغيير وإلى الأبد. "وفي شهرها السادس أُرسِلَ جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم". (لو27,26:1). عادة لا يقوم الملائكة بتدبير موعد مع من يزورونه قبل زيارته. وقد لقيت مريم من الملاك تهنئة كمن فازت في مسابقة لم تدخلها، فوجدت تحية الملاك محيرة كما وجدت حضوره مرعباً. ولكن ما سمعته بعد ذلك هو خير خبر كانت تتمنى كل امرأة من بني إسرائيل أن تسمعه، وهو أن ابنها هو المسيح المخلص الموعود به من الله. فلماذا العذراء مريم؟؟.. لقد رأت نعمة الرب أن هذه الانسانة المنعم عليها والمباركة في النساء هي الاناء المناسب والشخصية المناسبة لحمل هذه الدعوة الفريدة... "فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله". (لو30:1 )... ولأنها وجدت نعمة عند الله ولا شك أن اختيار الرب لها هو اختيار يستحق التفكير والتساؤل ولكن الاجابة تجدها في سلوك هذه الانسانة فيما بعد. فهي عندما تلقت الدعوة، لم تشك ابدا في الرسالة أو ترتَبْ فيها، لكنها بالحري سألت كيف يمكن أن يتم الحمل، فأخبرها جبرائيل أن الطفل هو ابن العليّ. فكان ردها هو الرد الذي طالما انتظر الله سماعه من أناس آخرين كثيرين لكن بلا جدوى. أجابت مريم الملاك قائلة: "ها أنا عبدة الرب، ليكن لي كما تقول". (لو 1: 38). فلقد تجملت بالفضائل الكثيرة التي أهلتها لذلك ولاشك ان الطاعة والخضوع هي من اهم تلك الفضائل. تلك الطاعة وذلك الخضوع الذي جعلها تتحمل كل ظروف حياتها بتسليم ووداعة. فنراها في صغرها تتحمل حياة اليتم والوحدة والفقر.. وبعدها احتملت المجد العظيم الذي أحاط بها، فحينما اختارها الله ودعاها لم تتكبر بل قالت "هوذا أنا أمّة الرب"، محتملة بذلك كرامة ومجد التجسد الإلهى منها وحلول الروح القدس فيها وميلاد الرب منها ومجد جميع الأجيال التي تطوبها دون أن تتعبها أفكار العظمة... وعندما ولدت ابنها الوحيد تحملت كل ما ترتب على ذلك من امور، فعندما لم يكن لها موضع في البيت، أضجعته في مذود (لو2: 7)، واحتملت السفر الشاق إلى مصر ذهابًا وإيابًا للحفاظ عليه، واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلى أخرى، واحتملت الغربة... وبعدها وبالرغم من انها هي من بُشِرَتْ بخبر حملها المعجزي من الملاك، وهي من إِمتُدِحَتْ من فم العلي وأُختِيَرتْ للرسالة السماوية غير العادية، وهي من حملت المسيح تسعة أشهر في بطنها، مما يعني انها هي المسئولة عنه تماماً في الحمل والرضاعة والتنشئة وكان بالأولى لها أن تفعل أي شيء في مصلحة الرضيع المُخَلِّص "فهي أم المُخَلِّص" فمن يشابهها في هذا الأمر الفائق لادراكنا؟!! مع ذلك كله نراها تتجاوب مع الامور التي كُلِّفَ بها زوجها يوسف بارشاد من الله وباعتبارها من اختصاصه بكل ايجابية وخضوع، احتراماً لرجلها ولأن الرجل هو رأس المرأة وموجه كل الجسد، كان من الممكن أن تجادل وتناقش وتعدل في الخطة... كان من الممكن أن تمتنع أو تمسك هي الدفة ولها الحق فهي من كَلَّمها الله سراً وأعلن لها أعظم اعلان في التاريخ وكلفها بأعظم تكليف في البشرية، كان ممكن أن تسأله أين نحن ذاهبون؟ وأن تقول رأيها وتجادل. لكن مُحَصِّلَة الأمر كله هي خضوع بلا حدود. وبعدها... وبعد أيام من ولادة يسوع أُخذ إلى الهيكل ليُكرّس لله. وهناك التقى يوسف ومريم بنبيين هما سمعان الشيخ وحنة النبية اللذين عرفا أن الطفل هو المسيح المنتظر، وسبحا الله. وأضاف سمعان بضع كلمات إلى مريم لابد أنها استرجعتها في ذهنها عدة مرات في السنوات التالية: "حتى أنت سيخترق نفسَك سيفٌ". (لو 2: 35). ولعل رؤيتها لابنها مرفوضاً ومصلوباً بأيدي من جاء يخلصهم، يشكل قسماً كبيراً من امتياز الألم لأمومتها. فحتى في الصليب على قمة الجلجثة، تجلت قمة خضوعها وتحملها، فنراها تراقب ابنها الذي حملته تسعة شهور وارضعته وتحملت مسئولية خدمته جسدياً و تربوياً حتى كبر وهو يُذل في طريق الصليب الرهيب، ساقطا على الأرض مُهاناً من البشر، هؤلاء من شفي مرضاهم وأقام موتاهم وشاركهم أفراحهم وأحزانهم وحول محنهم الي أفراح! تراقب المخلص الذي بشرها به الملاك منذ سنين طويلة يُصلب على صليب خطية الانسان؟ نعم سيف، وأي سيف يخترق نفس الأم، انه سيف من نار يجوز قلبها و يحرقه على ابنها وهي تتذكر حملها به وولادتها له وذهابها به للهيكل من أجل ختانه ورحلة حياته التي أشَعَّت بالحب لكل الناس... ها هو أمام عينيها يُهان على صليب العار... أما هي فلم تنطق بكلمة واحدة. حملت آلامها كأم وآلامها التي رأتها بروحها في عيون الآب السماوي على الابن الوحيد الذي كان موجوداً منذ البدء وهو يهان من الانسان الساقط حاملاً خطايا البشرية ليتمتع الكل بالفداء المجاني. أمر أخبرت عنه وأحست به منذ بداية هذه الرحلة... تلك الرحلة التي كانت كلها بذل وحب وخضوع فان التأمل في "خضوع العذراء مريم" على مدار حياتها يعتبر حقاً مدرسة الخضوع الحقيقي الذي يحب أن يراه الرب فينا. ذلك الخضوع وتلك الطاعة التي ادت الى خلاصنا والتي أَعادت تلك الشركة التي قُطِعَت بيننا وبين الآب بسبب عصيان وسقوط ادم وحواء. اضافة الى خضوعها وميزات كثيرة اخرى مثل، قداستها، وعفتها وبتوليتها، وخدمتها للآخرين، فقد ظهر من ترنيمة الفرح التي شدت بها لأليصابات، مدى معرفتها بالله وبكتابه المقدس، فقد كانت كل أفكارها مملوءة بكلمات العهد القديم. ويمكننا أن نتخيل أنه حتى لو عرفت مريم العذراء كل ما ستعانيه كأمٍ ليسوع فإنها كانت ستبدي نفس الاستجابة. فهل أنت مستعد ليستخدمك الله كما استخدم مريم العذراء؟ منجزاتها ونواحي القوة في شخصيتها - انها ام يسوع المسيح. - انها الانسان الوحيد الذي رافق يسوع منذ ولادته وحتى صلبه. - انها كانت مستعدة دائما لما يريده الله منها. - انها عرفت كلمة الله وطبقتها في حياتها. دروس من حياتها - افضل خدام الله هم في الغالب اشخاص عاديون تحت يده تماما: كانت مريم فتاة صغيرة وفقيرة. وهي صفات تجعلها تبدو، في نظر أهل ذلك الزمان، أنه لا يمكن أن يستخدمها الله في أي عمل جليل. إلا أن الله اختار مريم لواحد من أهم المطاليب التي كان يطلبها من أي إنسان وهو الطاعة. فقد نشعر احيانا بان ظروفنا في الحياة لا تؤهلنا لخدمة الله، لكن اختيارات الله لايمكن ان يحدّها اي شيء، وانه يمكن ان يستخدم اي انسان يثق فيه ويطيعه. - تتضمن خطط الله احداثا غير عادية وفائقة، من خلال اشخاص عاديين: فان يختار الله فتاة عادية وبسيطة جدا في مجتمعها لحدث غير عادي وفائق وهو ان يتجسد فيها وتكون ذلك الهيكل الذي يحل فيه روحه القدوس ويحمل ابنه الوحيد ليحقق خطته الرائعة التي اعدها مسبقا ليحمل عنا خطيئة آدم ويخلصنا، لهو درس مهم لنا يحفزنا باستمرار لنعد انفسنا ونطلب منه باستمرار ان يجعلها مستحقة ان يختارها لتحقيق احداث ربما تبدو غير عادية لتصب في خدمة كل خططه الصالحة لحياتنا. - تتضح شخصية الانسان من مدى استجابته لغير المتوقع: فان ما وجدناه في شخصيتها كشف لنا مدى التواضع والاحتمال والصبر الذي عكس ايجابية استجابتها لكل ما كان غير متوقعا من وجهة نظرنا كبشر. اضافة الى جوهر الايمان العميق الذي ابدته في حياتها والذي تميز بانه "ايمان بلا شك وبلاجدال وبلاخوف" فهي فلم تؤمن لأنها خافت بل آمنت وهي في كامل ثباتها وقوتها ويتضح ذلك من خلال مقارتنها بالعديد من شخصيات الكتاب والتي كانت استجاباتهم للمعجزات التي وعد الله بتحقيقها من خلالهم مختلفة، تنوعت بين الخوف والتشكيك والضحك وطلب علامات، فنراها تتجاوب مع المعجزة التي لم يسبق أن حدث مثلها في التاريخ من قبل وهي معجزة ولادة المسيح منها وهي عذراء بدون زرع بشر، والأمر الأصعب تقبله هي بكل بساطة وبدون جدال إذ كان لديها رصيد جبار من الإيمان. فمع انها سألت الملاك: "كيف يكون هذا؟!" إلا إنها حينما رد عليها: "الروح القدس يحل عليك" لم تتساءل للمرة الثانية بل آمنت وقالت:"ليكن لى كقولك". كم نحن بامس الحاجة اليوم الى خصال وايمان مثل خصالها وايمانها. - خدمة الآخرين: فالخدمة الصحيحة تبنى على المحبة والتواضع. والقديسة مريم ذهبت إلى أليصابات لتخدمها عندما علمت أنها حبلى مع إنها أم المسيح، إلا إن كرامتها لم تمنعها من ان تذهب إلى أليصابات في رحلة شاقة ومضنية عبر الجبال وتمكث عندها 3 أشهر تخدمها حتى ولدت يوحنا (لو 1: 39-56). فعلت ذلك وهي حبلى برب المجد. - إنكار الذات: فحينما كان الرب في الهيكل وهو طفل صغير وبحثت عنه العذراء ولم تجده مع الأقرباء والمعارف وكان معها يوسف النجار، وأخيراً وجدته في الهيكل جالساً وسط المعلمين (لو2: 44-49) قالت له العذراء: "هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين". فمع انها كانت تعرف ان ابنها ليس ابناً ليوسف كانت تدعوه أباً له، والأفضل من ذلك أنها كانت تقدمه على نفسها فتقول "... هوذا أبوك وأنا..." معطية له كرامة أكثر. - تقديم النفس طوعا لله دون النظر الى النتائج: فمن قصة مريم نتعلم إنه في وقتها ومجتمعها بان الفتاة غير المتزوجة إذا وجدت حبلى تواجه مصيبة كبرى. وما لم يوافق أبو الطفل أن يتزوجها تظل طول حياتها بلا زواج. وإن رفضها أبوها أو طردها فقد تضطر إلى التسول، وأحيانا إلى الانحراف، حتى تكسب قوتها. فإن مريم العذراء بروايتها عن الحبل من الروح القدس واجهت مخاطرة عظيمة. وبرغم كل الاحتمالات قبلت الأمر قائلة: "ها أنا عبدة الرب، ليكن لي كما تقول". فإنها لم تعرف سوى أن الله يطلب منها أن تخدمه، فأطاعته من كل قلبها. فهل يا ترى نحن على استعداد لتقديم انفسنا باختيارنا حتى وإن بدت النتائج خطيرة من وجهة نظرنا ومجتمعنا. - تقدير عطايا الله وقبولها بتواضع: هل كانت مريم العذراء متكبرة حين قالت: "ها إن جميع الأجيال من الآن فصاعدا سوف تطوبني؟" لا، بل كانت تعرف عطية الله لها وتقبلها. فإن أنكرت مريم وضعها المتميز، فكأنما تلقي ببركة الله إليه ثانية. ومن ذلك نتعلم بان الكبرياء هو رفض قبول عطايا الله، أما الاتضاع فهو قبولها واستخدامها في تمجيده وخدمته. فيا ليتنا لاننكر ما نلناه من عطايا جيدة من الله. بل نشكره عليها ونستخدمها لمجد اسمه. - إن بركة الله لا تجلب، بالتبعية وبصورة آلية، نجاحا أو شهرة أو نعمة فورية: فإن بركته للقديسة مريم العذراء، حيث صارت أما للسيد المسيح، سببت لها الكثير من الألم. فربما عايرها البعض أو هزأوا بها، كما أن خطيبها يوسف لما علم بأمر حبلها أراد فك الخطوبة وتركها سرا. بل وصار ابنها مرفوضا، وفي النهاية صُلِب. ولكن من خلال ابنها جاء الرجاء الوحيد للعالم. ولذلك أصبحت "جميع الأجيال تطوبها" لأنها "مباركة بين النساء". وبذلك أدى خضوعها إلى خلاصنا. فإن تسببت البركات الممنوحة لنا في بعض الآلام، فلنتذكر حينئذ مريم العذراء، وننتظر بصبر أن يتمم الله خطته لحياتنا. |
|