|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحنين والتوجه إلى الله«كسنونة مزقزقة هكذا أصيح. أهدر كحمامة. قد ضعفت عيناي ناظرة إلى العلاء. يا رب قد تضايقت. كن لي ضامنًا» (إش38: 14). هذه بعض من كلمات حزقيا الملك بمناسبة شفائه من مرضه، والتي كُتبت تحت عنوان «كتابة لحزقيا ملك يهوذا إذ مرض وشُفيَ من مرضه» (إش38: 9). فلقد تعرض حزقيا لمحنة شديدة، عندما جاء إليه إشعياء النبي قائلاً له: «هكذا يقول الرب. أوصِ بيتك لأنك تموت ولا تعيش» (إش38: 1). وكم كانت هذه الكلمات قاسية على نفس حزقيا*. فها قد انتهت حياته وتلاشت أيامه، وعليه الآن أن يواجه الموت برعبه ورهبته. إلا أن حزقيا تضرع إلى الله بالصلاة والدموع كي يُطيل أيامه، والرب استمع له واستجاب التماسه. غير أنه بعد أن نال حزقيا بغيته، وهدأت نفسه، نجده يُسجل لنا اختباره هذا في أنشودة رائعة شجية، وما كنا نتوقع أن يخرج مثل هذا اللحن الرخيم من الملك حزقيا، فما كنا نعرفه كرجل صلاة أو رجل العمق والتدريبات الروحية، بل إننا لا نقرأ في كل حياته كلمات رائعة كالتي نسمعها منه هنا، معبرة عن اختبار حقيقي واقعي عاش فيه واختبره. إننا نجد تطلعًا وشوقًا وحنينًا متزايدًا إلى الله، ومن هنا نستطيع أن نقول أن مدرسة الألم تُخرج لنا أناسًا أكثر ارتباطًا والتصاقًا بالرب. لأن الموت مبكرًا كان في نظر أي يهودي نوعًا من القصاص أو القضاء، ذلك لأن طول العمر كان علامة على رضى الرب. إن الضيق الذي أصاب حزقيا أنشأ فيه نضوجًا روحيًا، فإن كنا في البداية نراه مشغولاً بحاجته، مصليًا لأجل نفسه، إلا أننا بعد ذلك نراه يتحول نحو هذا الإله المجيد واجدًا فيه كل مبتغاه وكل أمانيه. فنستمع إلى هديره الحلو الهادئ، والذي يُعبِّر عن نفسٍ متعطشة لباريها، وروحٍ جائعة لإلهها. وإننا نجد ذات الاختبار يتكرر كثيرًا على صفحات الوحي. فإذ نقترب إلى داود وهو مطارد من شاول، عندما كان في برية يهوذا، ونستمع إلى أنَّات قلبه وهديره الحزين، لا نستمع إلى كلمات تطلب خلاصًا من يد شاول، أو استعجالاً للجلوس على العرش، أو قليلاً من الراحة بعد كثرة العناء والمشقة من ملاحقة شاول المستمرة له. لا لم يكن هذا هو هدير داود من جرَّاء الضيق الذي يجتاز فيه, بل إن ما أنشأه هذا الضيق في داود هو مزيد من الحنين والأشواق للرب، وليس لخلاصه؟! من أجل ذلك نستمع إلى لحنه الراقي الصافي قائلاً: «يا الله إلهي أنت.إليك أبكّر. عطشت إليك نفسي. يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء» (مز63: 1). وعندما نقترب من بني قورح، ونستمع إلى قصيدتهم التي أنشدوها في السبي، وقد تشتتوا بعيدًا عن أرض ميراثهم. لا نستمع إلى ألحان تُعبِّر عن طلب الخلاص والعتق من سطوة العدو، إنما يعلو اللحن شجيًا قويًا يُعبِّر عن أشواق متزايدة للرب نفسه: «كما يشتاق الإيَّل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله» (مز42: 1، 2). حقًا ما أروع هذا الهدير، وما أسماه وأرقاه. ليتنا جميعًا تتوافق أنغام قلوبنا مع أنَّات شفاهنا في لحن واحد فريد، يشق السماء، مُعبرًا عن لهفة قلوبنا وشوق نفوسنا إليه وحده. 2- التطلع إلى خلاص مفقود «نزأر كلنا كدبة، وكحمام هدرًا نهدر. ننتظر عدلاً وليس هو، وخلاصًا فيبتعد عنَّا. لأن معاصينا كثرت أمامك، وخطايانا تشهد علينا. لأن معاصينا معنا، وآثامنا نعرفها» (إش59: 11، 12). ما أعجب ما آل إليه شعب الرب هنا، فهم ليسوا فقط يواجهون ضغوطًا عصيبة، وأهوالاً متلاحقة، وأحداثًا معاكسة، بل إنهم يهدرون بشدة .. «هدرًا نهدر»، تتصاعد تأوهاتهم طلبًا للخلاص والنجاة دون جدوى؟! إذ لسان حالهم: "ننتظر عدلاً وليس هو، وخلاصًا فيبتعد عنا"!! رغم أن كلمات الرب لهم في بداية هذا الأصحاح تُعبِّر عن مقدرته في أن يُخلص، واستعداده لأن يسمع «ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلّص، ولم تثقل أذنه عن أن تسمع». أليس هو الذي تغنى له داود قائلاً: «يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر» (مز65: 2). فلماذا هنا رغم استماعه لهديرهم المليء بالألم والحزن لا يُحرك ساكنًا؟! الإجابة واضحة وصريحة. نفهمها من كلمات الرب لهم، وأيضًا من اعتراف الشعب نفسه. إذ يستكمل الرب حديثه لهم في بداية الأصحاح قائلاً: «بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع». بل إن الشعب نفسه كما ذكرنا لم يُنكر ما ذكره الرب عنهم، «لأن معاصينا كثرت أمامك، وخطايانا تشهد علينا. لأن معاصينا معنا، وآثامنا نعرفها». يا له من هدير يختلف تمامًا عن هدير حزقيا، والذي كان يُعبِّر عن مزيد من الأشواق والتعلق بالرب. إننا هنا أمام لحن مختلفٍ، لا يُظهر لنا سوى حالة الفشل الذي وصل إليها الشعب. صحيح أن إلهنا محب ورقيق، مليء بالنعمة والحنان، لكنه أيضًا قدوس وبار، لا يتغاضى عن الشر، بل يعرف أن يُظهر غضبه وعدم رضاه حينما ينغمس شعبه في الشر. وهذا ما بيَّنه الرب لشعبه في ذات السفر، في قوله لهم: «فحين تبسطون أيديكم أستر عينيّ عنكم. وان كثَّرتم الصلاة لا اسمع. أيديكم ملآنة دمًا. اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينيَّ. كفوا عن فعل الشر» (إش1: 15، 16). وهذا ما أدركه المرنم فقال: «إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب» (مز66: 18). إن قول يونان حق: «للرب الخلاص». غير أن إلهنا لا يشفي على عثم، كهؤلاء الأطباء الباطلون الذي أشار إليهم إرميا في نبوته مرتين قائلاً عنهم: «ويشفون كسر بنت شعبي على عثم. قائلين سلام سلام، ولا سلام» (إر6: 14و8: 11). وكم هو شعور مر ورهيب أن تطلب الرب، وخلاصه، ولا يُسمع لك. لقد اجتازت العروس بصورة ما في هذا الاختبار (نش5: 6)، واجتاز فيه الشعب جزئيًا في سفر القضاة (قض10: 10-16). وستجتاز فيه المسيحية الاسمية بصورة أكبر وأرهب في المستقبل (لو13: 25). غير أن ما يعزينا ويشجعنا في حالة الشعب هنا، أنه عندما أظهر الشعب كل فشل، وعندما أقروا بذلك مبررين الله على ما أوقعه عليهم من قضاء، وعلى عدم استجابته لهم. تحرَّك الرب، تبارك اسمه، بصورة رائعة ومجيدة لخلاصهم. من أجل ذلك نستمع إلى كلمات الرب المشجعة والمفرحة «فرأى أنه ليس إنسان وتحيّر من أنه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده» (إش59: 16). فما أمجد هذا. عندما لا نعرف سوى أن نهدر حزنًا وألمًا. عندما تخرج تأوهاتنا تعلن عما فينا من شر وفشل. عندئذ يتدخل الرب ليغير المشهد تمامًا. وبذلك نشدو مع المرنم قائلين له: «حوَّلت نوحي إلى رقص لي. حللت مسحي ومنطقتني فرحًا» (مز30: 11). |
|