|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الشرير وسِماته: ربما يشير الشرير هنا إلى ضد المسيح Antichrist، أو إلى الذين يحملون روحه ويسلكون حسب مشورته. ويصور لنا المرتل هنا ما يتسم به الشرير من سمات، أو قل إنه يقدم صحيفة اتهام ضده بنودها الآتي: أ. متكبر متعاظم ومتغطرس: في كبرياء يحاول الأشرار أن يحرقوا المساكين بنار شرهم، فإذا بهم يؤُخذون بخطاياهم؛ يقول المرتل: "عندما يستكبر المنافق يحترق المسكين. يُصادون بالمشورة (بالمؤامرة) التي أشاروا بها" [2-3]. أمر طبيعي ألا يكف المتكبر عن مضايقة المسكين بلا سبب حتى يحرقه، لكن الكأس التي ملأتها بابل المضطهد لكنيسة المسيح تشرب هي منها (رؤ 17: 6؛ 18: 6)؛ والكلاب التي لحست دم نابوت اليزرعيلي لحسِت دم مضطهده آخاب الملك (1 مل 21: 19)؛ والخشبة التي أعدها هامان لمردخاي صُلب هو عليها (إش 7: 9). * يوخذون بأفكارهم التي بها يفكرون" [2]، بمعنى أنه تصير أفكارهم الشريرة قيودًا تكبلهم... والسنة المتملقين تربط النفوس بالخطية. القديس أغسطينوس "لأن الخاطي يمتدح بشهوات نفسه والظالم يبارك (نفسه)" [3]. يمتدح الشرير شهوات قلبه الشرير، حاسبًا نفسه سعيدًا جدًا بسلوكه الطريق الواسعة! يمجد نفسه في خزيه! يتفاقم كبرياؤه الفارغ طويلًا! إنه لأمر خطير أن يبارك إنسان الأشرار ويحسدهم لما هم عليه من ترف زائل وقتي، فيبدل الحلو بالمُرّ والنور بالظلمة. وكأنه لا يكتفي الأشرار بأنهم في خزي وعار يصنعون الشر، وإنما في كبريائهم يفتخرون بالشر ويتباهون بشهواتهم الدنيئة. أما ما هو أشر فهو تحويل الشر إلى صورة خير، فيُظهرون الرذائل كأنها فضائل. إن غضبوا وثاروا حسبوا هذا شجاعة وصراحة وتمسكًا بالحق؛ وإن سقطوا في الشهوات الجسدية حسبوا هذا نضوجًا وخبرة حياة وانفتاح فكر. وكما يقول النبي: "ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المُرّ حلوًا والحلو مرًا" (إش 5: 20). * "لأن الخاطي يمتدح بشهوات نفسه والظالم يُباَرك" [3]. يُدعى الإنسان المنحل سعيدًا، والطماع مقتصدًا في ادخار ماله. الأب قيصريوس أسقف آرل تلد الكبرياء الرغبة في إشباع الشهوات الشريرة مع الظلم أو الطمع... إذ هناك علاقة وثيقة بين الثلاثة: الكبرياء، الزنا، والعنف. في كثير من حالات السقوط في الزنا والنجاسات الجسدية يحتاج الإنسان أن يفحص أعماقه، ليرى أن السبب أحيانًا بل وغالبًا السقوط في الكبرياء. فالشاب الذي يصوم ويقرأ في الكتاب المقدس ويُسبِّح أو يُرنّم لكنه عنيف في معاملاته مع والديه أو ناقدًا لاذعًا لزملائه غالبًا ما تغلبه شهوات جسده ولو خفية، ويسقط في عادات شريرة. "لأنه قال في قلبه: إني لا أزول؛ من جيل إلى جيل بغير سوء" [6]. يسيء الشرير - في رفاهيته - استغلال طول أناة الله، وعوض أن تقوده إلى التوبة يقسي قلبه في إثمه، حاسبًا أنه لن يُحاسب على شروره قط. يظن أنه فوق أن يحاسب! الشرير في عجرفته يقول في قلبه أنه لن يتزعزع أو لن يزول، وها هي الأجيال تعبر والأشرار باقون بلا سوء. إنه يُسقط الله من حساباته. ما أخطر الكبرياء؛ إنها خطايا تحيل كل البركات إلى لعنات، وتجعل البشر بلا حياء! يوجد العديد من خطايا الكبرياء (أم 16: 18؛ 29: 23). فقد يفتخر الإنسان بميلاده الشريف وآخر بمنشأه المتواضع؛ واحد يفتخر بملبسه الفاخر وآخر بثيابه الرثة البالية؛ واحد بفضائله وآخر برزائله. ب. ملحد: "أغاظ الخاطي الرب ولم يفحص عن كثرة رجزه. لأن ليس الله أمامه" [4]. يرى القديس أغسطينوس أن وراء كل إلحاد شهوة. فإنه وإن اعتقد بعقله ومنطقه بوجود الله، لكن لإراحة ضميره وتحقيق شهوات قلبه الشريرة وملذات الجسد أو ممارسته للظلم يُخرج الله من حساباته. بينما يلهج قلب المحب باسم الله مرددًا اسمه القدوس مع كل نسمة من نسمات حياته، إذا بالشرير يتجاهل النعمة الإلهية، حاسبًا الله بعيدًا كل البعد عن العالم، وأنه لا يبالي بأعمال البشر أو حياتهم ولا يدينهم! إذ هو يتمتع بنوع من الرفاهية، يحلم معتقدًا أن الله لا يطاوله، ومن ثم يتصور الأحكام الإلهية بعيدة تمامًا عنه؛ وإذا قاومه أحد، يثق أنه يقدر أن يطرحه على الفور أرضًا أو يمزقه إربًا بنفخة أو نسمة أنفه. بمعنى آخر، تجرد الخطية الله من سلطانه وعرشه بل تلغي وجوده واهب النعم تمامًا من القلب، أي من عرشه الملوكي. وقدر ما تستطيع تتصرف كي تجعل الشرير يفكر ويتصرف كما لو كان الله غير موجود. يسيء الشرير فهم أناة الله وصبره بسبب عماه الروحي، إذ يقول المرتل أن الله ليس أمامه أو حسب النص العبري "ليس أمام عينيه". الله موجود في كل مكان، لكن بسبب عمى الشرير يظنه غير موجود، أو على الأقل أنه لا يرى أفعاله، وإن رآها لا تشغله. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن العنف أو الظلم أو الغضب عِلَّة الإلحاد، إذ يقول: [الغضب ظلمة، يقول الكتاب المقدس: "قال الجاهل في قلبه: ليس إله موجود" (مز 14: 1). ربما يناسب هذا القول الغضوب أيضًا، إذ قال الغضوب أيضًا: ليس إله. وكما يقول الكتاب: "حسب تشامخ أنفه (شدة غضبه) لا يطلب الله"[257]]. إن كان الغضب يعكر العينين أي يفسد البصيرة الداخلية، فإنه يحرم الإنسان من التمتع بالرؤيا الإلهية. لا نعجب إن لاحظنا أن المجتمعات الإلحادية تحمل سِمتين رئيسيتين، الانحلال الأخلاقي الخاص بشهوات الجسد، وتأليه الإنسان. الساقط في شهوات جسدية يطلب ألا يوجد من يحاسبه فيحرمه من التسيُّب، وأيضًا من يؤلّه ذاته لا يقدر أن يقبل وجود إله يتدخل في حياته. سيأتي ضد المسيح ليبث هذه الفكريين: انحلال وتألُّه! ج. طرقه نجسة: "طرقه نجسة في كل حين. أباد أحكامك عن وجهه، ويسود على جميع أعدائه" [5]. إن كان الله هو القدوس، ومؤمنوه الحقيقيون قديسين يحملون سمات أبيهم؛ فإن عدو الخير هو "الدنس" أو النجس"، واتباعه يحملون سماته فيهم، ألا وهي النجاسة. كما أن القداسة هي حياة داخلية، شركة مع الله، يُعبَّر عنها خلال الفكر والكلمات والعمل؛ هكذا النجاسة موت داخلي يحل بالأعماق فيحطم كل ما بالإنسان؛ هذه النجاسة هي ثمرة اتحاد مع العدو الشرير، تتحول إلى طريق دائم لا يقدر الإنسان أن يَخِلُص منه إلا بالنعمة الإلهية. في هذه العبارة [5] يكشف عن علاقة الشرير بنفسه (نجاسة داخلية!)؛ ومع الله (رفض تام لأحكامه) ومع الغير (حب السيطرة والسلطة!). وكأن النجاسة الداخلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإلحاد العملي والعنف. د. غاش ومحيك مؤامرات: "فمه مملوء لعنة ومرارة وغشًا. تحت لسانه عناء ووجع. جلس في الكمين مع الأغنياء ليقتل البريء في خفية. وعيناه إلى البائس تنظران" [7-8]. إذ يحمل الشرير روح إبليس أبيه يمتلئ فمه لعنة ومرارة وغشًا. فإن كان السيد المسيح قد دُعي بالمبارك مصدر البركة، يُقيم من مؤمنيه جماعة مباركة، فإن إبليس الساقط تحت اللعنة يبث اللعنة خلال فم أتبعه. ليس من تضاد في العالم أكثر مما بين البركة واللعنة. لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: "من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة؛ لا يصلح يا اخوتي أن تكون هذه الأمور هكذا. ألعل ينبوعًا ينبع من نفس عين واحدة: العذب والمُرّ؟!" (يع 3: 10-11). أن مسيحنا كله عذوبة يُضفي على النفس عذوبة داخلية، فإن عدو الخير يحمل مرارة يُضفي على نفوس الأشرار مرارة قاسية. مسيحنا هو الحق يبعث في مؤمنيه الصدق، أما عدو الخير فيبث في أتباعه روح الغش والخداع. * "تحت لسانه عناء ووجع" [7]... تحت لسانه وليس على لسانه، إذ يحيك هذه الأمور في صمت، ويتحدث إلى الناس بعكس ما يُبطن، فيبدو صالحًا وبارًا، وابنًا لله. القديس أغسطينوس * "تحت لسانه عناء ووجع" [7]... يستمد الشرير poneros اسمه من كلمة ponen التي تعني "يعاني تعبًَا". بالحق يدعوه الكتاب المقدس الشر "عناءً". القديس يوحنا الذهبي الفم في غشه يلتقي مع الأغنياء ليخطط في الخفاء من أجل قتل البريء... ولعله هنا يشير إلى ما فعله عدو الخير، باذلًا كل طاقاته ليقتل رب المجد الذي افتقر لأجلنا. استخدم الأغنياء والعظماء من ولاة وقواد وقيادات دينية للخلاص منه! في غشه مع عنفه يترقب المسكين، عيناه تنظران إليه لكي تقتنص الفرصة لقتله! شتَّان ما بين عيني الله وعيني الشرير؛ عينا الله تتطلعان إلى المسكين لتبعثا فيه روح الرجاء والثقة بل والحياة أما عينا الشرير فمملوءتان حسدًا وشرًا! يرى البعض أن ما يخفيه الشرير تحت لسانه من عناء ووجع هو الهرطقات والبدع. يتكلم خلال الهراطقة بالناعمات، بكلمات معسولة جذابة، ليخفي سم البدع وراءها. إنه يستخدم أسلوب الإخفاء ليس خجلًا مما يفعله، إنما خشية أن تنكشف مؤامراته. ولعله لهذا السبب يفسر الأسقف أنثيموس قول المرتل: "جلس في الكمين مع الأغنياء"، قائلًا: [يختار الشيطان أناسًا يُظن أنهم أغنياء بالكلام الكاذب، ويجلس فيهم كما في كمين مختفيًا]. يستخدم أحيانًا فلاسفة وحكماء هذا الدهر ليخفي شره خلال أفكار فلسفية تبدو في ظاهرها مٌقنعة ومنطقية. ه. عنيف: "يكمن مختفيًا مثل الأسد في عرينه يرتصد ليخطف المسكين" [9]. إذ يقبل الهراطقة وأصحاب البدع أيضًا الأشرار أن يكونوا عرينًا للأسد، يختفي الأخير فيهم في دهاءِ. يختفي في أفكارهم ونياتهم ومشاعرهم وفلسفاتهم ومواهبهم وسلوكهم، ليستخدم كل طاقاتهم لحسابه. يمكن كلص في مخابئه وأوكاره، وكالخاطف الذي يختفي وراء مؤامراته، وكأسد في عرينه، يتربص في الخفاء حتى يقفز فجأة على فريسته البريئة ليفتك بها! يتظاهر كمن هو غير مكترث، فيخدع فريسته التي تحسبه ساهٍ عنها، لكنه لا يلبث أن ينشب مخالبه في جسمها لينهشها ويمزقها ويقطعها إربًا! إنك لا تجد بين مقاومي الكنيسة من يتصف بالأمانة أو اللطف أو العطف أو العذوبة أو الرقة إنما بالشراسة مع الدهاء! * "يكمن مختفيًا مثل الأسد في عرينه" [9]. يقصد بالأسد في عرينه أنه يجمع بين العنف والخداع. فإن الاضطهاد الأول للكنيسة كان بالعنف من مصادرة ممتلكات واحتمال عذابات وقتل؛ هذا ما كان يلتزم المسيحيون أن يحتملوه كذبيحة. أما الاضطهاد الثاني ضدها فبالخبث، من صُنع الهراطقة من كل نوع والاخوة الكذبة. يبقى اضطهاد آخر سيمارسه ضد المسيح، لا يشبهه شيء ما في ضراوته، إذ يكون عنيفًا ومخادعًا. عنيف حيث يصدر عن إمبراطورية (ذات سلطان) ومخادع بعمل عجائب. في لفظ "أسد" يشير إلى العنف، وفي قوله "في عرينه" يشير إلى الخبث. القديس أغسطينوس إنه مخادع كما سبق فخدعت الحية حواء؛ وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هذه هي الحية، الارتداد العظيم، الهاوية ذاتها بجوف مفتوح، الطاغية بقوات الظلمة الذي يجرف إلى الموت، وما غير ذلك مما أوحى عنه ليخبرننا به ]. و. يرى بعض المفسرين البروتستانتأن الشرير عنا يُقصد به بابا روما الذي يعمل مع كرادلته ضد المؤمنين الحقيقين، معتمدين في هذا على القول: "جلس في الكمين مع الأغنياء ليقتل البريء في خفية" [8]. غير أن أغلب آباء الكنيسة الأولى يرون في الشرير هنا إشارة إلى إنسان الخطية أو ضد المسيح "ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو ومعبودًا حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله" (2 تس 2: 4). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 52 - من سمات الشرير |
مزمور 52 - الإنسان الشرير |
مزمور 36 - سقوط الشرير تحت اللعنة |
مزمور 36 - سمات الشرير |
مزمور 12 -اللسان الشرير |