|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اقامة ابن ارملة نايين كانت تظن ان امرها مكتوم وحالها مخفي عمن لم يشاهدها. لكن كان هناك شخص معها والموت يسلب حياة ابنها. وكان ذلك الشخص يتتبع خطوات المشيعين، يتتبعهم ويلتقيهم قبل ان يضعوا الميت في المقبرة، ويواروه التراب. حقا ان الله بعيد عنا في اوقاتنا الصعبة، فهو القائل: “انا معكم كل الايام” من يستطيع ان يصف كم الاحزان التي تحيط بالانسان؟ ذلك الانسان مولود المرأة قليل الايام والشبعان تعبا، وتلك الخليقة التي تئن وتتمخض، أليس في الضحك يكتئب القلب وعاقبة الفرح حزن. انه قادر ان يرثي لحالنا، بل انه في كل ضيقهم تضايق، و حزنه بلغ اشد الاحزان، حتى قال: “نفسي حزينة جدا حتى الموت” “اما اليكم يا جميع عابري الطريق: تطلعوا وانظروا ان كان حزن مثلي حزني”. اسباب الحزن كثيرة: فقر ، مرض، فراق الاحباء، خسارة، فشل. اذا امن الانسان الفقر داهمه المرض، واذا كان سليما هجمت عليه الخطية، واذا كان تقيا اشهر الفراق عليه سلاحه، واذا اجتمع بمحبيه وفد الموت ليشتت الشمل، لكن كل هذه البلايا لا توازي الموت، والذي قيل عنه انه “اخر عدو يبطل”(1كو15). ما الذي جعل اهل القرية يخرجون كلهم خلف تابوت هذا الشاب؟ أليس تأثرهم برؤية تلك المرأة المكلومة،وهي تنتحب على وحيدها؟ وتذرف الدموع حسرة وحرقة على فقدانها وحيدها؟ ولكن حزن امه كان الاشد لأنه وحيدها، “ينوحون عليه كنائح على وحيد له”(زك13). لقد سبقت تلك الام الارملة وتألمت حين فقدت زوجها ، ولكنها تعزت فيما بعد لأن ابنها كان يملأ الفراغ الذي تركه والده. وهي لم تتزوج اكتفاءا بابنها الذي ربته حتى صار شابا، لقد ادت له ثياب العرس راجية تزويجه عن قريب. لكن كل امالها تبخرت، فالدنيا لاتدع احدا مرتاحا. ولعل لسان حالها يقول: “ايها الموت اشفق على قلب الام واشفق على فلذة كبدي. خذني عوضا عنه ، اتركه يعمر بيت ابيه. تأملت تلك الارملة المسكينة ابنها اياما وهو يضعف ويفقد قواه، ثم اصبح جثة هامدة سريعا، لذا فقد انقطع حبل رجائها. ان الامهات اكثر حنانا وعطفا من الاباء، وهن اكثر تعلقا باولادهن ، وكم من امهات لم يطقن فراق ابناءهن، حتى فارقن الحياة حسرة وكمدا، ورحلن عن الدنيا وهن يصرخن : “ولدي.. ولدي..” ان احدا لم يستطع ان يواسي تلك الام و يعزيها، اويعدها برد ابنها اليها، كلما قدر عليه المشيعون هو اصعاد الانّات، واطلاق الزفرات وسكب العبرات. لقد تصورت تلك الام حالتها التعسة: انها لا ترى ابنها امامها بصورته البهية، وهي لا تسمع صوته العذب باذنيها. لقد اضحى جسدا مسجي فوق نعش، وعما قليل يواريه التراب، وترجعهي الى بيتها. فكيف تقضى حياتها بدونه ؟ وبينما هي كذلك اتى واهب الحياة والوجود لكل المخلوقات، ابصر بكاءها ودموعها تنحدر كسيل لا ينتهي. نظر وتأثر . ابصر ورثى. رأى وتحنن. انه ليس مثل البشر، فهو وحده القادر ان يعزي. تقدم الى النعش وطلب الا يبكي المشيعين. ربت على كتفها وقال: ايتها الام “لا تبكي” قالت المرأة : “العلك لا تعرف مدى علاقتي به، ومقدار حبي له؟ انه فلذة كبدي وهو وحيدي” تقدم السيد الى النعش فتوقف الحاملون، دون حتى ان يأمرهم بالوقوف. في كل خطوة كان يخطوها كان الموت يبتعد خطوات، كل قدم يرفعها عن الارض يوقع في قلب الموت اهوال. هو وحده القادر ان يذل الموت ويرد سلبه. |
|