St. Hilary Bishop of Arles بطولة هونوراتُس في اجتذابه للحياة الدينية:
كان هيلاري (401-449 م.) أسقفًا ولاهوتيًا، وُلد في شمال بلاد الغال. كان من أسرة شريفة أرستقراطية، ويمت بصلة قرابة للقديس هونوراتُس Honoratus الذي أسس دير لرين (Lerinum) Lerins وصار أول رئيس عليه. إذ نال قسطًا وافرًا وممتازًا من العلم كان من الممكن أن يكون له مستقبل عظيم وناجح في العالم بسبب قدراته المتميزة. تظهر هنا بطولة القديس هونوراتُس الذي أحب هيلاري وآمن بأنه إنما قد دعي لخدمة الرب. وبالفعل لفترة قصيرة ترك هونوراتُس الجزيرة التي كان متوحدًا بها ليبحث عن قريبه الشاب ويدفعه للحياة الدينية. بالرغم من ذلك وقف هيلاري جامدًا أمام توسلاته، فقال له هونوراتُس بإيمان وهو يودّعه: "سوف أنال من اللَّه ما لم تتنازل أنت عنه!" وبالفعل بسرعة استجيبت صلوات هذا البطل في حبه وإيمانه، فبعد يومين أو ثلاثة وجد هيلاري نفسه في صراعٍ شديدٍ، وقد كتب فيما بعد قائلًا: "لقد كنت ممزقًا، جانب مني يشعر بأن اللَّه يناديني، بينما يوجد جانب آخر أشعر فيه أن إغراءات العالم تشدني إلى الوراء، وكانت إرادتي تتمايل بين القبول والرفض، ولكن أخيرًا انتصر المسيح في داخلي". رهبنته:
في اللحظة التي قرر فيها طريقه لم ينظر أبدًا إلى الوراء مرة أخرى، فوزع كل ميراثه على الفقراء والمحتاجين، وذهب لكي يرافق القديس هونوراتُس في دير لرين. ولقد ترك لنا وصفًا عن الحياة المقدسة السعيدة التي عاشها مع الرهبان هناك والتي لم يكن له نصيب أن يستمر فيها طويلًا. سيامته أسقفًا:
في سنة 426 م. اختير هونوراتُس ليكون أسقفًا لمدينة آرل، ولكونه رجلًا مسنًا كان في حاجة لمساعدة قريبه الشاب. كان من الصعب على هيلاري أن يترك دير لرين، ولكن هونوراتُس ذهب بنفسه لكي يحضره إليه، وبقيا مع بعضهما حتى وفاة الأسقف. ومع أن هيلاري كان حزينًا جدًا على فقد أبيه الروحي إلا أنه فرح لعودته إلى الدير. ولكن في طريق عودته أرسل إليه أهل آرل رسلًا يطلبون منه أن يكون أسقفًا لهم، وتحت إلحاحهم اضطر أن يوافق، ورُسِم أسقفًا وهو في التاسعة والعشرين من عمره. عمله الرعوي وحياته الروحية:
في مسئوليته الجديدة كان يهتم برعيته، وفى الوقت نفسه وهو يقضي كل واجباته الرعوية بكل طاقته سمح لنفسه في نسكه فقط بالحصول على ضروريات الحياة. وكان يلبس نفس العباءة صيفًا وشتاءً، ويسافر إلى كل مكان على قدميه. وبجانب حرصه الشديد على مواعيد الصلاة الجماعية حدد لنفسه أوقاتًا لعمله اليدوي الذي كان يبيعه ويتصدق به على الفقراء. كان شغوفًا جدًا على إعادة المأسورين حتى باع آنية الكنيسة لكي يحصل على المال لذلك الغرض، واكتفى بكأسٍ وصينية من الزجاج. كان القديس هيلاري واعظًا قديرًا يعرف كيف يطوع كلماته حتى تصل إلى كل الناس بمن فيهم من البسطاء غير المتعلمين. بجانب اهتمامه ببناء الأديرة كان يهتم بزيارة هذه الأديرة باستمرار ويسعى دائمًا أن يحافظ على النظام والانضباط بين أولاده. صراعات فكرية:
كأسقف نال القديس هيلاري شهرة ككارزٍ موهوبٍ في الحوارات اللاهوتية المثيرة في كنيسة بلاد الغال حول الأوغسطينية Augistinianism. فمع حبه الشديد لتعليم القديس أغسطينوس كان متحفظًا في لآرائه بخصوص النعمة التي لا تقاوم. ففي مقاومة القديس أغسطينوس للبيلاجية التي تتجاهل النعمة وتركز على الإرادة البشرية والجهاد البشري دافع القديس أغسطينوس عن النعمة، فتجاهل أحيانًا حرية الإرادة البشرية. نزاعه مع البابا لاون:
عيَّن مجموعة من المستشارين الكنسيين لمساعدته في الخدمة، إلا أن غيرته الشديدة واستقلاله في الرأي جعلاه في بعض الأحيان يتصرف بطريقة سببت له مشاكل عدة مع لاون Leo بابا روما الذي كان يعمل بكل قوة من أجل فكرة الباباوية والسيطرة على الأسقفيات. يظن البعض أنه قد تصالح مع البابا لاون قبل نياحته، إذ كتب الأخير إلي خليفة هيلاري في آرل مشيرًا إليه أنه "هيلاري ذو الذكرى المقدسة"، وإن كان البعض يشك في إتمام أية مصالحة بينهما. لسنا نعرف الكثير عن سنوات القديس هيلاري الأخيرة، إلا أنه استمر في عمله في الأسقفية بنفس الحماس والغيرة، إلى أن تنيّح في سنة 449 م. وهو في التاسعة والأربعين من عمره.
تُوَجَّه تجارب الشيطان بالأكثر ضد الذين تقدسوا، لأنه يشتاق بالأكثر أن ينال نصرة على الأبرار(1).