|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأسفار البريّة والبحريّة في زمن القدّيس بولس السفر في العالم القديم أمرٌ عرفه الكثيرون منذ عولس(1) الذي انطلق من طروادة بعد سقوطها بيد اليونان، وطالت سفرته وامرأته بنيلوبي تنتظره في جزيرة إتاكة، إلى تيزيه(2) ذلك الملك الأسطوريّ الذي انطلق من أثينة تاركًا طمأنينة البرّ، مارٌّا في برزخ كورنتوس، فقيل عنه إنه قام بأعمال تعادل نصف أعمال هرقل، إلى جازون(3) الذي صعد سفينة ومضى يبحث عن جزيرة (الصدف) الذهبيّة؛ أما بيتياس(4) فانطلق من مرسيليا في جنوب فرنسا، ومرّ في مضيق جبل طارق، وراح بجانب المحيط الأطلسي وصولاً إلى ايسلندا في شمال أوروبا حيث النهارات تطول في قسم من السنة والليالي تطول في قسم آخر. وكانت لبيتياس مغامرةٌ أخرى وصلت به إلى شواطئ بولندا وبحر البلطيق. مغامرات تدلّ على الشجاعة والعناد والمخيّلة، وتتحدّى الصعاب ولا تقف في وجهها العوائق. وكانت أسفار للدرس والاستطلاع، ونذكر بعد بيتياس هيرودوت(5) الذي انطلق لكي يتعرّف على مصر وعلى بلاد فارس. وأخيرًا كانت أسفار نستطيع أن ندعوها »السياحة الحضاريّة والثقافيّة«. من أجل هؤلاء والذين جاءوا بعدهم ، ألَّف باوسانياس(6) وصفًا مفصّلاً وشرحًا عن اليونان للأشخاص الميسورين، مثل الامبراطور أدريان(7)، الذين اهتمّوا بالحضارة اليونانيّة وثقافتها، فمضوا يزورون المواقع الرئيسيّة في هذه البلاد بانتظار أن ينطلقوا إلى آسية الصغرى وإلى مصر(8). أمّا أسفار بولس الرسول فجاءت في منظار يختلف كلّ الاختلاف عن هؤلاء المسافرين والمغامرين، ربّما بحثًا عن المعادن من ذهب وفضّة ونحاس وقصدير. فهو يسافر لكي يحمل الإنجيل على مثال البرنامج الذي وضعه الربّ للرسل: من أورشليم واليهوديّة، إلى السامرة وإلى أقاصي الأرض (أع 1: 8). أسفار بولس كانت في الاتجاهات الرئيسيّة لانتشار المسيحيّة في الأمبراطوريّة الرومانيّة؛ فهذا الرسول جسّد التجسيدَ الكامل للمسافر في الزمن القديم، لأنه امتلك المعارف النظريّة والعمليّة من أجل نجاح مهمّته: الحقوق، الطبّ، اللغات (لاتينيّة، يونانيّة بالإضافة إلى العبريّة والآراميّة)، العلاقات مع أشخاص عديدين (نقرأ اللائحة في رو 16: 1 ي)، مهنة تتيح له أن يؤمّن حياته وحياة الفريق الرسولي (أع 18: 3: صناعة الخيام مع أكيلا وبرسكلّه)، الخبرة لمجابهة الأخطار، الفهم، بُعد النظر... بفضلِ عملِ هذا الرسول، استَطاعت المسيحيّة الأولى أن تنغرس في مختلف المدن اليونانيّة من أنطاكية وصولاً إلى كورنتوس وأثينة وتسالونيكي(9)... ونحن في هذا المقال، نتعرّف إلى المدن التي مرّ فيها بولس الرسول، ونرافقه في الصعوبات التي واجهَتْه خلال رسالته، كما يقول في الرسالة الثانية إلى كورنتوس. وفي القسم الثالث والأخير، نكتشف ظروف السفر في البحر والبرّ بحيث نعرف ما قام به هذا الرسول في وقت كانت وسائل السفر مختلفة بين الفقراء والأغنياء، بين رجال الدولة والأفراد الذين لا يملكون سوى أرجلهم لكي يسيروا في البرّ، ويُحشَرون حشرًا في السفينة حين يكون السَفر في البحر، على مثال ما حصل لبولس في الرحلة إلى رومة وهو سجين المسيح. |
|