|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر الكهنوت جوهر وفاعلية سر الكهنوت: سر الكهنوت هو فعل مقدس، الذي من خلال صلوات ”وضع الأيادي“ على رأس الأسقف أو الكاهن المختار، تحل على هذا الشخص النعمة الإلهية التي تُقدِّسه، وتقسمه أي تُخصِّصه لرتبة ما في خدمة الكنيسة، وتعمل معه في تتميم متطلبات الخدمة التي ائتمنه عليها الروح القدس. ويتضح هذا من صلوات ”وضع الأيادي“ أو ”الشرطونية“ (وهي كلمة يونانية مستعربة تتكون من مقطعين: شيرو: أي يد؛ طونيا: أي وضع): [النعمة الإلهية الشافية للأمراض، المُكمِّلة النواقص، الجامعة المتفرِّقين، المعتنية بكنائسها المقدسة، اعتنت أن نتبصَّر ونعرف ”فلان“... ليكون (قساً أو أسقفاً أو رئيس أساقفة)... على مدينة (أو على مذبح كنيسة)... المُحبة للمسيح... فصلُّوا، إذن، معنا بعزيمة يا كافة الحاضرين إلى الرب، لكي تحلَّ عليه نعمة الروح الكلِّي قدسه، ولنقُل جميعاً: يا رب ارحم]. ثم يقول الأسقف (أو كبير الأساقفة): [اجتمعوا يا أساقفة معاً، وصلُّوا معاً، ومدُّوا أيديكم]. ويضعون أيديهم (أو يضع يديه) على رأس المتقدِّم المختار. ثم يُكملون صلوات تكريس كل خادم حسب درجته المحددة. ومن هذا يتضح أن أقوى ما يتوشح به الكاهن (قساً كان أو أسقفاً) هو ”الروح القدس“ الذي أكمل به الرب مهامه ومسْحته بالروح القدس تجاه كنيسته، والذي سكبه على رُسله القديسين الذين أسَّسوا الكنائس في كل موضع. والروح القدس يعمل من خلال الرسامة بوضع الأيدي، بموجب وعد الرب أنه سيكون مع كنيسته وفي كنيسته، يقودها ويرشدها: «ها أنا معكم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر» (مت 28: 20)، «المعزِّي (الروح القدس)... أُرسله إليكم. ومتى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (يو 16: 13،7). الكهنوت هو ”كهنوت المسيح“، والكاهن هو ”خادم كهنوت المسيح“ و”خادم الأسرار الإلهية“: لقد تأسَّست خدمة كهنوت المسيح أو خدمة الأسرار الإلهية، مساء الخميس الكبير أو خميس العهد، عهد الله مع شعبه بدم ذبيحة الحَمَل الذي بلا عيب، الرب يسوع المسيح له المجد، الذي قدَّم ذاته بإرادته وسلطانه وحده ذبيحة مقدَّسة لله أبيه، وأطعم تلاميذه القديسين ورُسله الأطهار من هذه الذبيحة، جسده ودمه الأقدسين، في شكل الخبز والخمر، كما أوضحت الأناجيل المقدسة هذا: 1. (إنجيل متى 26: 20-30). 2. (إنجيل مرقس 14: 17-26). 3. (إنجيل لوقا 22: 14-23). 4. (إنجيل يوحنا 13: 1-35). أصل الوظيفة الكهنوتية للكهنة في العهد الجديد: إن سرَّ الإفخارستيا هو مركز ومحور العبادة المسيحية في العهد الجديد. وحسب إيمان الكنيسة الأرثوذكسية، فقد تأسَّس هذا السرُّ يوم الخميس الكبير أو خميس العهد في العشاء الرباني (أو العشاء السرِّي mystical) للرب مع تلاميذه. هذا العشاء كان طقساً من طقوس وليمة عشاء ذي صبغة دينية يمارسه أفراد البيت اليهودي أيام المسيح في بعض المناسبات. وبالرغم من أنه لم يكن له أية صفة ذبائحية، أي لم يكن يُذبح فيه خروف فصح، بل كان طعاماً عادياً، إلاَّ أن المسيح - له المجد - أعطاه معنىً جديداً تماماً في هذه الليلة. فقد رأى الرب يوم خميس العهد، وهو جالس على مائدة العشاء هذا، رأى بعين النبوَّة أن موته الكفَّاري سيتم غداً الجمعة، وهو الموت الذبائحي الذي أتى من أجل إتمامه عن حياة العالم، أي أنه سيموت ذبيحةً جديدةً، كافية وكاملة، مُقدَّمة عن خلاص وحياة كل العالم، أي أنه سيُصبح غداً (الجمعة) هو حَمَل الفصح الحقيقي (وليس الرمزي)، وليس مثل الخروف الذي تعوَّد اليهود أن يذبحوه في كل عيد للفصح كذكرى لعبور الموت عنهم أُمسية خروجهم من مصر. وعيد الفصح في هذه السنة كان هو يوم الجمعة غداة وليمة العشاء. لذلك جلس المسيح مع تلاميذه في مساء الخميس ليُقدِّم نفسه (بالإرادة وبالنية) باعتباره حَمَل الفصح الجديد والحقيقي الذي سيعبر به الموت عن كل واحد. ولأن المسيح تقدَّم إلى الصليب بإرادته وسلطانه وحده، لذلك اعتُبِرَ موته على الصليب في اليوم التالي ذبيحة إرادية. ومن أجل أن يُعلن المسيح هذه السِّمة الإرادية في ذبيحته، سبق وقدَّمها بسرِّ الخبز والخمر يوم الخميس بقوله لتلاميذه، وهو يشير إلى الخبز والخمر الموضوعَيْن على مائدة العشاء: «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري... هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي (سـ) يُسفك عنكم... اشربوا منها كلُّكم» (لو 22: 19-20؛ مت 26: 27). فهذان المقطعان اللذان نطق بهما المسيح، ارتبطت فيهما وليمة العشاء اليهودي القديم بموت المسيح كذبيحة من أجل حياة العالم. كما أن هذا العشاء دخل في هذه اللحظات المقدسة إلى المجال الذي لابد أن يكون فيه مُقدِّم الذبيحة (وهو المسيح له المجد) كاهناً. وهذه هي الصفة الثانية(1) التي في المسيح والتي استُعلِنَت لتلاميذه ولنا لأول مرة في العهد الجديد، صفة كهنوت المسيح، وهو يُقدِّم نفسه ذبيحة، جسداً ودماً، يُبذلان كفَّارة من أجل حياة العالم. فصار بهذا هو الذبيحة، وهو مُقدِّم الذبيحة، بآنٍ واحد. وكما كان مُقدِّم ذبيحة الفصح في العهد القديم هو وحده رئيس الكهنة وليس غيره، كذلك فالمسيح يُطلَق عليه لقب ”رئيس الكهنة“ (آرشي إيريفس) أو الكاهن الأعظم، بسبب تقديمه ذبيحة نفسه كفَّارة عن خطايا العالم أجمع. ومنذ ذلك اليوم المبارك، وتنفيذاً لأمر الرب: «اصنعوا هذا لذكري» (لو 22: 19)، أصبح كلُّ مَن يرأس الاحتفال الإفخارستي (أي القداس الإلهي) ويُقدِّم الخبز والخمر في الكنائس المسيحية، إنما يتركَّز عمله في أن يُحقِّق ويُعلِن مجدَّداً حضور ”رئيس الكهنة الأعظم“ الرب يسوع المسيح، ويُفسِح له المجال والكرامة أن يكهن لشعبه ويُقدِّم لهم جسده ودمه الأقدسين في شكل الخبز والخمر الموضوعين على المذبح المقدس. فكهنوت المسيح فريد ووحيد، كون المسيح صار هو وحده الكاهن الأعظم، بدلاً من الكهنة ورؤساء الكهنة الكثيرين في العهد القديم، وذبيحته واحدة وحيدة لكنها حيَّة إلى الأبد. لذلك لم ولن تتكرر مثلما كانت ذبائح العهد القديم تتكرر آلاف المرات على أيدي آلاف الكهنة (اقرأ في هذا الرسالة إلى العبرانيين الأصحاحات من 7-10). ومن هذا الوقت أصبح هذا الكهنوت الجديد الذي للمسيح ينضح على جسده الذي هو الكنيسة، دون أن يُحسَب كهنة العهد الجديد كثرة في العدد، بل هم كلهم محتوون في كهنوت وشخص الكاهن الأعظم الواحد الأوحد، الرب يسوع المسيح، وهم يُمثِّلونه، أي يعلنون حضوره مجدَّداً كاهناً أعظم وحيداً، يُقدِّم الذبيحة الواحدة الوحيدة لجسده ودمه كل حين عن حياة العالم، والتي قُدِّمت مرة واحدة وعن الكل، عن كل واحد، يوم خميس العهد. ويُوصف عملهم أنهم خُدَّام كهنوت المسيح(2)، وخُدَّام أسرار المسيح الإلهية(3). وهذا هو الفرق الجوهري بين كهنة العهد الجديد وبين كهنة العهد القديم. الشرطونية (أو وَضْع الأيادي) في الكنيسة الأولى: حينما كان الرسل يتصرَّفون في كل شيء بحسب تعليم المسيح وإلهام الروح القدس، وجدوا أنه من الضروري إقامة شمامسة في الكنيسة ليخدموا ”الموائد“ (سواء موائد جمع المال أو موائد الرب أي ”المذبح“) حتى يتفرغ الرسل لخدمة الصلاة وخدمة كلمة الله. لذلك فقد أعطوا لجمهور التلاميذ (أي المؤمنين) أن يختاروا من بينهم سبعة رجال مختبرين ممتلئين من الروح القدس والحكمة. وحينما تم اختيارهم وقُدِّموا للرسل، «صلُّوا ووضعوا عليهم الأيادي» (اقرأ القصة بأكملها في سفر أعمال الرسل 6: 1-6). وهنا نلاحظ عمليتين اثنتين متميِّزتين بعضهما عن البعض: الاختيار (أو الإقامة)، ثم وضع الأيادي (أي الشرطونية، التي هي الرسامة). والاختيار أو إقامة الخُدَّام هي عملية يقوم بها المؤمنون بأنفسهم: «فانتَخِبوا، أيها الإخوة، سبعة رجال منكم...» (عدد 3). وهي عملية لها شروط ومتطلبات لكل درجة من درجات خدمة الكهنوت يجب أن تتوفر في المختار للرسامة. بينما الرسامة، أي وضع الأيادي، هي عمل مقدَّس أي عمل النعمة الإلهية. + وفي نفس سفر أعمال الرسل، نجد إشارة عن ”وضع الأيادي“ في الكنيسة الأولى كعمل مقدس به رُسم ”قسوس“(4)أو ”شيوخ“ أو بالاسم اليوناني الكنسي ”بريزفيتيروس“؛ فبينما كان بولس وبرنابا يُبشِّران في مدن آسيا الصغرى (دربة ولسترة وإيقونية) وأنطاكية، وازداد عدد المسيحيين، إذا بسفر أعمال الرسل يفيدنا بأنهما: «انتخبا (”رسما“ هي الترجمة الصحيحة للشيروطونيا) لهم قسوساً في كل كنيسة، ثم صلَّيا بأصوامٍ، واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به» (أع 14: 23). هذا العمل ( ”رسما“ - شيروطونيا - ”وضعا الأيـادي عليهم“) هـو عمـل مقدَّس، وقـد اختار القديس لوقا الاسم الكنسي له: ceiroton»santej ليُبيِّن تميُّزه عن ”انتخبا“ (في الترجمة البيروتية)، وعن ”عيَّنا“ (في الترجمة العربية الحديثة)، وعلى الأخص أن الذي قام بهذا العمل المقدس رسولان هما بولس وبرنابا. والرسامة ليست مجرد طقس ولا شكل، بل هي توصيل موهبة إلهية خاصة. وهذه الموهبة يشهد لها ويؤكِّد عليها القديس بولس في خطابه الوداعي مع قسوس (شيوخ - مُقدَّمي) كنيسة أفسس: «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة (أي ”مفتقدين“)، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20: 28). فكلمة ”أقامكم“ هنا هي بالروح عن طريق ”وضع الأيادي“ أو ”الشرطونية“ أي ”الرسامة“. + وفي الرسالتين اللتين أرسلهما القديس بولس الرسول إلى تيموثاوس، نجد إشارة واضحة ومباشرة للرسامة كعمل مقدس، لإعطاء موهبة للأساقفة المختارين. ففي الرسالة الأولى - أصحاح 4: 14، يكتب لتيموثاوس الذي كان أسقفاً على كنيسة أفسس: «لا تُهْمِل الموهبة التي فيك، المُعطاة لك بالنبوَّة مع وَضْع الأيدي (”للقسوسية“ - ترجمة دقيقة أفضل وأوضح من كلمة ”المشيخة“)»، وفي الرسالة الثانية يكتب له: «فلهذا السبب أُذكِّرك أن تُضرِم (أي تزيدها حرارة) أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ» (2تي 1: 6). وبمقارنة الآيتين من الرسالتين (إلى تيموثاوس) بعضهما مع البعض، نرى أن تيموثاوس رُسِمَ أولاً للقسوسية، ثم مع مجمع القسوس برئاسة بولس الرسول رُسِمَ أسقفاً وصار له سلطان رسامة القسوس (1تي 5: 22) والإشراف على مجمع القسوس الذين في أفسس (1تي 5: 19،17)؛ ملقِّباً إيَّاه كمَن يبني ويُدبِّر «بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحق، عمود الحق وقاعدته» (1تي 3: 15). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس أنبا مقار الكبير، أخذ نصيحة من صبي راعي بقر |
سر المعمودية - دير القديس العظيم أنبا مقار |
منظر من الجو لدير القديس أنبا مقار |
دير القديس العظيم أنبا مقار |
لاسالة لك من القديس أنبا مقار |