|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إليك يارجل الله ، البابا كيرلس السادس وقد رحلت عنا إلى عالم البقاء والخلود ، تحية إعزاز وإجلال وإكبار تليق بأبوتك الكريمة وشخصيتك القوية القويمة . فبقدر ماكنت راهبا يؤثر الصمت على الكلام ، لكنك نجحت حقاً فى أن تجعل صمتك ناطقاً بصفات بارزات . ولعل من أبرز صفاتك أنك رجل تميز بالصبر الجميل وبطول الأناة. كانت أعباء منصبك الجليل ثقيلة جداً ، وكانت أحمالك كرئيس أعلى للكنيسة ، باهظة ، ولكنك حملتها جميعاً على كتفيك وعلى رأسك، وأنت صابر ، لاتصيح ولاتئن . ولم تكن تكتفى بكبريات الأمور ، لكنك أضفت إلى هذه كلها حرصك على أن تدرس كل أمر من شئون البطريركية ، وتنظر فى كل مسألة وتفصل فى كل قضية . ولم يكن ذلك مطلوبا منك كرئيس أعلى ، ولكنك كنت مضطراً إليه حتى لاتدع لأحد أن يتصرف فى أمر بغير علمك أو بغير إذنك مما قد يسئ إلى البطريركية أو إلى سمعـة الكرسى الرسولى . ولقد نجحت فى ذلك نجاحا كاملا حتى لم يعـد أحد يقول أن شيئا ما يحدث فى البطريركية من غير علم البابا أو من غير إذنه أو أمره ، كان هذا عبئا فوق طاقة كل رئيس من بنى البشر، لكنك آثرت أن تضيفه إلى أعبائك الكبرى ، على الرغم مما حمـله كل ذلك عليك من متاعب روحية ونفسية وذهنية ، أثقلت كاهلك وأرهقت أعصابك ، وأضرت صحتك . والغريب أنك لم تكن تشكو أو تتبرم أو تئن ، كان المرض يهد صحتك ، ولايسمع منك أحد كلاما ، إلا أن تشكر الله وتحمد له فضله ، وتبتسم إبتسامة الرضى ، بهدوء الملائكة وقناعة القديسين . ومن بين فضائلك بل وصفاتك القيادية ، إنك كنت تعرف متى تقول نعم ومتى تقول لا ، وإذا قلت نعم فلا تقل لا ، وإذا قلت لا فلا تقل نعم، كنت رجلا صلب الإرادة ، حازماً ، قوى الشكيمة ، لم يستطع أحد أن يلين لك قناة أو ثنى عزمك على أمر كان لك فيه رأى واضح . ولابد أن سر إرادتك الحديدية كامن فى طهارة حياتك وصرامتك على نفسك . وعندما كان يشكل عليك أمر ، أو تستعصى عليك مسألة لاترى فيها موقفك بوضوح كنت ترجئها إلى حين ، وتعكف عن المقابلات إلى الصلاة والانفراد فى مخدع الصلاة أو فى دير مارمينا بمريوط . وهناك فى الهدوء الملهم وفى الصمت والسكون تسمع همس الإلهام وتشرق الرؤيا بوضوح ، فتعرف طريقك ، وتتخذ قرارك الذى لن تعدل بعد ذلك عنه ، لأنك ترى فيه صوت الله شريعة ملزمة .. وهنا تبرز صفة أخرى من بين صفاتك الحلوة التى تميزت بها ، وهى أنه كان لك القلب البصير الذى يرى أحيانا مالايراه العاديون من الناس ، وكم من موقف كان يراك الناس فيه ملوما وكانوا يتبينون بعد حين أنك كنت مصيبا واضح الرؤية ، على غير ماينظرون بالمقاييس العادية وكم من شخص يروى عنك أنك كنت تفهمه من أول لقاء ، وتحدثه عن نفسه وعن مشكلته الخاصة قبل أن يكلمك فيها ، وكم من إنسان يحكى أنك كنت تنبئه عن أمور جرت أو ستجرى فى حياته أو فى بيته وأنت بعيد عنه بالجسد حتى دخلت بروحك إلى حياة الكثيرين ، واندمجت معهم فى مجريات أمورهم الشخصية ، وصاروا يرونك فى أحلامهم ملهماً أو مرشداً ، وأصبحوا يتلقفون من فمك كلمة يمتصونها هدى ونوراً لسلوكهم ، وهذا هو سر الوداع المؤثر الذى ودعك به شعبك الوفى يوم أن نعى الناعى خبر رحيلك من عالم الضلال والباطل والزيف إلى عالم الحق والنور والحياة الدائمة. ولقد أكرمك الله فى حياتك ويوم مماتك ، ففى حياتك تمت منجزات بل معجزات ، منجزات روحية وعلمية وعمرانية ، مصحوبة كلها ببركات سمائية ، كما تمت أيضا معجزات إلهية ، أهمها معجزة تجلى العذراء مريم فى الزيتون لعلها أهم معجزة فى القرن العشرين ، بل والقرون الأخيرة . وأكرمك الله فى وفاتك بهذا الوداع النادر المثال الذى تجلى فيه كل الوفاء ، وكل الحب ، وكل الإجلال ، لسيرتك العطرة وحياتك الطاهرة، سواء من جانب الدولة والحكومة ، أو من جانب الشعب ، كل الشعب مسيحيين ومسلمين ، أو من جانب الأجانب فى العقيدة أو الجنس أو اللون . فإلى أحضان القديسين فى فردوس النعيم مع زملائك البطاركة السابقين ، نستودع روحك الأمينة المقدسة ، أيها البابا الجليل ، راعى الرعاة ورئيس الرؤساء وأب الآباء وثالث عشر رسل المسيح، سائلين منك صلواتك من أجل الكنيسة فى مصر، وفى أثيوبيا، وفى كل أنحاء الكرازة المرقسية فى أفريقيا ، والشرق ، والمهجر . |
|