كان أيوب حزينًا بسبب خيبة أمله من جهة موقف أصحابه، هؤلاء الذين حاولوا الإيحاء له بأن الله قد صار عدوًا له. هذا هو ما أثر في نفسه جدًا، وسبب له ارتباكًا، إذ يرى أن الله الذي أحبه وعبده قد جلب عليه كل تلك المتاعب، ووضعه تحت علامات غضبه هذه، مما بعث فيه الرغبة في أن يحل به الموت الذي كان يشتاق إليه.
كانت فحوى كلمات أليفاز أنه يجب على أيوب أن يعترف بخطيئته الخفية، ويطلب مغفرتها؛ هذا أنشأ في نفس أيوب نفورًا، عبر عنه بالكلمات الآتية: "حق المحزون معروف من صاحبه، وإن ترك خشية القدير" (أي 14:6).
ولهذه الكلمات تفسيران الأول إن الترك يشير إلى أصحابه الذين بامتناعهم عن مشاركتهم مشاعره يتركون القدير. والثاني إن أيوب أيضًا يشعر بأنه قد زل عن طريق الله، فإظهار شيء من العواطف اللطيفة نحوه يقوي ثقته بالله.
هذا المعنى هو الأرجح. يليق بنا وجوب الامتناع عن الغلظة والمجافاة حتى مع الذين يسيئون التصرف، لئلا يُساقوا إلى عدم الإيمان.