|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تَرْكُ التَّرْكِ: رفضُ الشّاب لمطلب المسيح إنّ ما فعله هذا الشّاب يدعو إلى التّعجُّب والتّساؤل حقًّا: لماذا لم يترك هذا الشّاب كلّ شيء تلبيةً لنداء يسوع، أعظم معلّمي البشر بأسرهم؟ ولِمَ نلمح رغبته الملحّة في استبقاء أملاكه، التي يفسدها السُّوس والصَّدأ (متى 6/ 20)؟ بل وكيف لم ينصاع لنصائح مَن نصح البشر في كلّ العصور والأماكن، وكان أفضل مَن أسدى بنصائح لهم؟ ولماذا مضى حزينًا وكان في صحبته أملاكه وثروته؟ لا يمكن أن نجد أجوبة لهذه التّساؤلات كلّها إلّا بالدخول في أعماق وخبايا هذا الشّاب! وكيف يتسنَّى لنا هذا، أي كيف نتمكَّن مِن الدّخول والتَّجوُّل في أعماقه؟ «فمَن مِنَ النَّاسِ يَعرِفُ ما في الإِنسانِ غَيرُ روحِ الإِنسانِ الَّذي فيه؟» (1 قور 2/ 11)! ولذلك فإنّنا سنحاول أنْ نتخيَّل موقفه فحسب: إنّنا نتخيَّل حاله عندما فتح يسوع فمه وأسدى له بنصائحه. فيا له مِن مسكين حقًّا! لقد كان ممزَّقًا بين رغبتين، وما هو الصّراع إلَّا هذا النّزاع المرير بين رغبتين؟ الرّغبة الأولى هي أن يحتفظ بأملاكه، وأن يظلّ مالكًا للمال والثّراء؛ والثّانية– وما أجملها رغبة مشتهاة!– بأن يصير كاملًا، وهي تكمن في تَرْك الرّغبة الأولى وتحمُّل ما ينجم عنها مِن ألم وعذب. ولكنّه لم يرغب في أن يستمرّ هذا الصّراع وقتًا طويلًا، فقرَّر قرارًا ربّما ندم عليه طوال حياته: لقد قرَّر أن "يترك هذا التَّرْك" الذي طلبه يسوع منه. فلم يترك "أملاكه" كما نصحه يسوع، وإنّما– بإرادته وحرّيّته– "تَرَكَ التَّرْك". وبكلمات أخرى، كان يعرف هذا الشّاب جيّدًا الحكمة العظيمة القائلة: «إذا أردتَ أنْ تغلبَ العالمَ، فاغلبْ ذاتكَ» ("فيدور دوستويفسكي")؛ ولكنّه لم يرض بأن يترك أملاكه، بل قرَّر أن يترك يسوع ونصائحه. إنّه حقًّا تخلَّى وتَرْك بحرّيّة كاملة لا ما طلبه منه يسوع، أي "الأملاك"، وإنّما يسوع وما قاله له، أي أنّه "تَرَكَ التَّرْك". إنّه مسكين للغاية هذا الشّاب! فقد أضاع جدّيّته وصدقه في البحث عن الحقيقة برفضه الحقّ الذى أعلنه له يسوع، الذي هو "الحَقُّ" عينه (يو 14/ 6)؛ وكانت النّتيجة هي أنّه «اِنصَرَفَ حزينًا» (مت 19/ 22). فماذا تُجدي الأحلام والطّموحات الورديّة دون خطوات عمليّة تجسّدها؟ وهل تنفع الرّغبات الصّالحة والأمنيّات الجميلة دون عمل مضحٍّ ينسلخ فيه الإنسان عن ذاته؟ ثمَّة مَثَلٌ إِيطَالِيُّ مُعبِّر يقول: «إنَّ نَبتة "أنا أريد" لا تنمو ولا حتّى في حديقة الملك»! |
|