في إحدى المسرحيّات الكوميديّة الفلسفيّة، تردّدت عبارة كهذه باللهجة العاميّة المصريّة: "هل نفتح أم نقفل الشبّاك؟!".
كانت الفكرة ساخرة وهزليّة، لكنّها مُمتلئة مرارةً وإحباطاً ويأساً
من المُمثّل الذي عبّر عن قضيّة فحواها، أننا لن نُرضي أنْفُسنا ولن نُرضي الذين حولنا بأيّة طريقة نتصرّف بها!.
لا أعلم لماذا تذكّرت هذه المسرحيّة القديمة وأنا أُطالِع خبرَ حُكم إحدى المحاكم المصريّة، بحظر المواقع الإباحيّة عبّر شبكة المعلومات الدّوليّة. وقد نشرت هيئةّ الإذاعة البريطانيّة الخبر، على أنّ حُكماً كهذا قد صدر بناءً على قضيّة مرفوعة من أحد المُحامين المصرييّن!.
وأنا هُنا لا أتعرّض ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ للحُكم، إنّما جالت بذهني أسئلة أودُّ أن أُشاركك بها صديقي القارىء،
• المواقع الإباحيّة و لماذا يُقبِل الشّباب عليها؟
يُقبِل الشّباب على مثل هذه المواقع الإباحيّة، كنوعٍ من ردِّ الفِعل للكَبت الجنسي الموجود بداخلهم، و بغرض مُحاولة إشباع الغرائز وإطلاق العَنان للشّهوات المكبوتة، والتي لا يكون بمقدورهم التّعبير أو التّنفيس عنها بطريقة صحيحة وسليمة. كما أنّهم يحاولون أن يجدوا في مثل هذه المواقع الإباحيّة نوعاً من التّعويض، تجاه ما يُعانون منه من تعب وإحباط نتيجة الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة التي تمرّ بها دول العالم، تلك التي أدّت لزيادة مُعدّلات التّضخُّم بنِسَب غير مسبوقة، وأثّرت تأثيراً مُباشراً على الشّباب من جهة إيجاد فُرص العمل و مستويات الدّخل وتأخُّر سِنّ الزّواج و...إلخ. إلّا أنّ هذا التّعويض الذي يحصلون عليه له الكثير من الأضرار المعروفة، خاصّة لأولئك الشّباب الغير مُلتزمين والذين يُدمنون الدّخول على هذه المواقع، وعلى كافّة المُستوَيات!.
• ما هي الحيثيّات أو الدّوافع التي تجعل المُجتمع يتبنّى مطلب حظر المواقع الإباحيّة؟
من الواضح إذاً أنّ توجُّه المجتمع أو بعض أفراده نحو رفض ومُقاومة مثل هذه المواقع، والمُطالبة بحجبها، إنّما هو أمر منطقي له أهميّته من جهة حماية المُجتمعات والأفراد من تلك الأخلاقيّات المُنحرفة، التي ترفضها كلّ الدّيانات بل والأعراف ومبادىء القِيَم والأخلاق.
ونحن في هذا الصّدد نقول إنّ الكثيرين يتبنُّون في هذه الأيّام، ليس فقط مبدأ الدّعوة لرفض مثل هذه المواقع، بل رفض وحجب الكثير أيضاً من اللقطات والمشاهد المُثيرة للغرائز، عبر وسائل الإعلام المُختلفة مسموعة كانت أم مرئيّة، من راديو وتلفزيون وسينما وجرائد ومجلّات.
• أين هي المُشكلة الحقيقيّة؟
الواقع أنّ المُشكلة الحقيقيّة إنّما هي في داخل الإنسان لا في خارجه!. إنّها تتمثّل في ذلك الكائن النّابض بالحياة في شرايينه، لكنّه بطريقة ما يضخُّ أيضاً فساداً وشهوات رديّة!. قال الرّب يسوع المسيح في إنجيل متّى 15: 10 20 .
• هل قرار الحجب أو المنع عمليّاً؟ وهل هو سيُحقّق بحقّ الغرض المأمول منه؟
إنّنا نوافق على هذا القرار مبدئيّاً، ولكن يجب أن نعلم أنّه ليس الحل الجذري للمشكلة. نعم، ربّما يُقلّل بشكل أو بآخَر من حجم المُشكلة إحصائيّاً أو ظاهريّاً، لكنّه بالطّبع لن يحلّ المُشكلة تماماً لأنّه لن يقضي عليها من أُصولها وجذورها! كذلك، وكَون القاعدة تقول إنّ كلّ ممنوع مرغوب، فإنّه يُخشى أن يلجأ الشّباب لطُرُق أُخرى رُبّما تكون أصعب وأقسى، يعملون بها على التّنفيس عمّا بداخلهم من طاقات ورغبات، ممّا لن يكون له الأثر المرجو على وجه العموم ومن كافّة الوجوه!.
• كيف يُمكن للإنسان أن يعيش نقيّاً؟
كما قُلنا إنّ المُشكلة داخليّة وليست خارجيّة، وقُلنا أيضاً إنّ المُشكلة إنّما هي تتمثّل في القلب، قلب الإنسان الخادع الذي يقوده للخطيّة ولعمل الشّرّ. إنّ هذا القلب يحتاج لتغيير واستبدال، فمُحاولات الإنسان للإصلاح وللتغلُّب على شهواته باءت كلّها بالفشل الذّريع!!. يقول الرّسول بُولس عن صراع الإنسان مع ضعفاته وشهواته في رسالة رومية 7: 14 - 25 .
إذاً، يحتاج الإنسان إلى قلب جديد وإلى خليقة جديدة رائعة حسب فكر الله وقُدرته، بدون منع أو حجب، ولا الحاجة سواء لإغلاق النّافذة أو لفتحها!.
نعم، يحتاج الإنسان لأن يتعرّف على الله ويُملّكه سيّداً حقيقيّاً على حياته، عندئذ لن يحتاج لهذا كلّه، بل سيحيا الحياة الحقيقيّة السّعيدة وسيخرج من فمه كلّ شيء صالح، لأنّه سيكون خارجاً من قلبه الصّالح.