|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصلاة في أي مكان وزمان _ يوحنا ذهبي الفم
كيف لإنسانٍ في العالم، مُرتبط بعمله في المحكمة، أن يُصلّي ثلاث مرات في اليوم قاصداً الكنيسة؟ أقول لك، إن هذا الأمر جائز وبسيط للغاية، ولكن حتى لو كان التوجة للكنيسة غير قابل للتدبير، فمن الممكن لرجلٍ مرتبط بعمله في المحكمة، أن يقف ليُصليّ هناك في ردهتها. فلا حاجة بعد ذلك إلى الكلمات أو رفع اليدين أو الوقوف، بقدر الحاجة إلى الأفكار والنفس المُنضبطة والوقار، حيث لم يُسمَع لحنَّة ذاتها صوتٌ، وهي تصرخ بصوت عالٍ وواضح، ولكن صرختها العالية كانت في قلبها، أُنظروا قول الكتاب: "كانت تتكلم في قلبها، ولكن الرب ذكرها" (1 صم 1: 13، 19). هكذا يفعل الكثيرون أيضاً في حالات عديدة، على الرغم من صياح موظف الدولة من الداخل، مُهدِّداً وصارخاً بغضبٍ مُعبِّراً عن سخطه، بينما هم يقفون في الرواق، راسمين علامة الصليب وقائلين بعض الصلوات في أذاهنهم، وِمن ثمَّ يدخلون عليه مُحوِّلين ومُهدِّئين إيَّاه، فيتحوَّل غيظه إلى لطفٍ. فلم يمنعهم من الصلاة هكذا، لا المكان أو التوقيت أو غياب الكلمات. افعلوا هكذا أنتم أيضاً، مُتضرِّعين في أذهانكم، بأنَّاتٍ عميقة، شاخصين نحو السماء، مُتذكِّرين خطاياكم، قائلين: "ارحمني يا لله"، وهكذا تكونون قد أكملتم صلاتكم. فهذا الشخص الذي تضرَّع قائلاً: "ارحمني"، قد أعطى دليلاً على اعترافه بخطاياه، حيث طلب الرحمة يعود إلى الخطاة. كذلك بقوله: "ارحمني"، قد نال الغفران عن ذنوبه، حيث لا يُعاقَب مَن نال الرحمة. كذلك بقوله: "ارحمني"، قد بلغ ملكوت السموات، حيث لا يتحرَّر من الخطية فقط، مَن أسبغ الله عليه رحمته، بل يستحق أيضاً خيرات الدهر الآتي. بناءً على ذلك، دعونا لا نختلق أعذاراً، زاعمين بُعد المسافة عن الكنيسة، فنعمة الروح القدس ستجعلنا، شخصياً، هياكل لله، إذا كان لدينا الرغبة الصادقة، وهو ما يُريحنا من كل جهة. فعبادتنا ليست كسابقتها التي كانت سائدة وسط اليهود، والتي كانت طويلة في ظاهرها ولكنها قصيرة في حقيقتها. ففي العبادة اليهودية، كنتم ترون حاجة المُتعبِّد أن يصعد إلى الهيكل، ويبتاع حمام، ويحصل على خشب المحرقة، ويأخذ في يده سكيناً، ويَمثُل أمام المذبح، ويُجري بعض المُتطلِّبات الأخرى. أمَّا عبادتنا من الناحية الأخرى، فهي ليست كذلك، فلديكم أينما كنتم المذبح والشكين والذبيحة، وأنتم أنفسكم الكاهن والمذبح والذبيحة. بعبارة أخرى، يُمكنكم أينما كنتم أن تُقيموا المذبح، مع البرهان فقط على إرادةٍ يقظة، حيث لا يُشكِّل عندئذ المكان عقبة، ولا الزمان عائق، وحتى لو لم تخرُّوا ساجدين، أو تقرعوا صدوركم، أو ترفعوا أياديكم نحو السماء، بل تُظهرون فقط رغبة مُتَّقِدة، تكونون قد أتممتم الصلاة كاملةً. فيجوز لإمرأةٍ تحمل عصل المغزل في يدها وتعمل على النول، أن تشخص نحو السماء بفكرها وتتضرَّع بحرارة إلى الرب. كما يجوز لرجلٍ يتجوَّل وحده في ساحة السوق أن يُصلِّي بانتباهٍ، أو لآخر جالساً على طاولة العمل لخياطة الجلود، أن يتجه بروحه نحو الرب. كما يجوز لخادمٍ يقوم ببعض المشتريات، راكضاً هنا وهناك، أو واقفاً في المطبخ، مع عدم إمكانية الذهاب إلى الكنيسة، أن يُصلي بيقظة وحرارة. فالمكان ليس شيئاً يستحي منه الله، لأنه يتطلَّع نحو شيء واحدٍ فقط: ذهن مُتَّقدٍ وروحٍ يقظة. فلكم أن تعلموا أنه لا حاجة، إظلاقاً، إلى مظهر خارجي أو أماكن أو أوقاتٍ، بل لرغبة قوية مُتَّقِدة. لم يكن بولس واقفاً بل مُستلقياً على ظهره في السجن - حيث كانت أرجله مضبوطةٍ في المقطرة - حينما تزلزل السجن، بينكا كان يُصلّي بحماسةٍ وهو مُلقَّى على الأرض، فتزعزعت الأساسات، وارتعب حافظ السجن، الذي قاده بولس بعد ذلك إلى مُستهَلِّ الطقوس المُقدَّسة. هكذا أيضاً حزقيا لم يكن واقفاً أو ساجداً على ركبتيه، بل كان مُستلقياً في الفراش على ظهره بسب مرضه، مُوجِّهاً وجهه إلى الحائط، حينما صلَّى إلى الله بحماسةٍ وروحٍ يقظة، مُشيراً إلى الحكم الذي صدجر عليه، فنال عطفاً جزيلاً واستعاد صحته الجيدة كما في السابق. سوف تجدون أن هذا يحدث أيضاً، ليس فقط مع القديسين، ولكن أيضاً مع الأشرار، فاللص لم يكن واقفاً في بيت الصلاة ولا كان ساجداً على ركبتيه، بل كان مُمدَّداً على الصليب حينما فاز بملكوت السموات ببضع كلمات. رجلٌ آخر كان في جب عميق، وآخر في جب الوحوش المفترسة، وآخر راقداً في بطن وحش البحر، حينما كانوا يُصلُّون إلى الله، تبدَّدَت كل المشاكل التي كانت تحيق بهم، ونالوا عطفاً من العلاء. أوصيكم بلا انقطاع، بحديثي هذا، أن تستمروا في عادة زيارة الكنائس، والصلاة بسكونٍ في البيت، حينما يسمح الوقت، ساجدين على ركبكم ورافعين أياديكم. ومع ذلك، دعونا لا نتخلَّ عن الصلاة، إذا أحاط بنا، بسبب الزمان والمكان، جمعٌ من الناس، بل على نفس المنوال الذي ذكرته لكم، صلُّوا وتضرَّعوا إلى الله، مؤمنين مع ذلك، أنه سيستمع إلى تضرُّعكم في هذه الصلاة. لقد أفضت في حديثي، لا لكي تستحسنوه أو تعجبوا به، بل لتختبروه بأنفسكم ليلاً ونهاراً مُزيِّنين وقت العمل بالصلوات والتضرّعات. فإن تدبَّرنا شؤوننا بهذه الطريقة، سنقضي حياتنا في اطمئنانٍ، وننال ملكوت السموات. |
|