|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هامَان ومقاومته للشعب إرتفع هامان فصار كرسيه فوق كراسي جميع الرؤساء الذين معه [1]... وإذ كبر في عيني نفسه حمل سمة إبليس المتعجرف إذ صار قتالاً لا يستريح إلاَّ بسفك الدم. وإذ أحكم تدبير المؤامرة للقتل والإبادة جلس يشرب ويلهو. "هامان" إسم أحد الآلهة الرئيسية في عيلام التي إستولت عليها مملكة مادي وفارس وجعلتها إحدى ولاياتها، وأقامت من عاصمتها "شوشن" أو "سوسه" عاصمة يقيم بها ملوك الفرس في الشتاء. جاء هامان الأجاجي من نسل عماليق (1 صم 15: 3، 9) الذين استهتر شاول بأمرهم ولم يحرمهم، فجاء منهم من كاد أن يُبيد الشعب كله في يوم واحد. بهذا يمثل هامان الخطية التي يستهين بها الإنسان ويستهتر في إقتلاعها فتعرض حياته كلها للخطر في الوقت المناسب. "عظم الملك أحشويروش هامان بن همداثا الأجاجي ورقاه وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه، فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان" [1-2]. كان هامان قد نال كرامة عظيمة فوق الجميع فكبر في عيني نفسه، فأراد أن يخضع الكل له ويسجدون لعبادته. كأنه يحمل روح سيده – إبليس– الذي أراد أن يقيم من نفسه إلهًا، لهذا عندما امتنع مردخاي اليهودي عن السجود له [2] "إمتلأ هامان غضبًا" [5]، "وإزدرى في عينيه أن يمد يده إلى مردخاي وحده لأنهم أخبروه عن شعب مردخاي فطلب هامان أن يهلك جميع اليهود الذين في مملكة أحشويروش شعب مردخاي" [6]. حقًا لقد اعتاد اليهود أن يسجدوا أمام ملوكهم للتكريم (2 صم 14: 4؛ 18: 26؛ 1 مل 1: 16)، لكن الفارسيين كانوا يقدمون العبادة لملوكهم لهذا رفض المؤمنون الإشتراك معهم في هذا العمل[16]. ولمل سُئلّ مردخاي عن عدم سجوده "أخبرهم بأنه يهودي" [4] لا يجوز له الإشتراك معهم في هذا العمل. ليس عجيبًا أن يطلب هامان ابادة كل الشعب، فإنه إذ يمثل إبليس بينما يرمز مردخاي للسيد المسيح، فإن عدو الخير لا يطيق شعب المسيح، بكونه مملكة الله. هنا نقف قليلاً لنرى مردخاي كرمز للسيد المسيح، الذي بسببه أراد هامان (إبليس) إبادة كل شعبه. يقول الأب أفراهات[17] بأنه كما كان مردخاي يضطهده هامان الشرير، هكذا كان الشعب الشرير يضطهد السيد المسيح. وكما صلى مردخاي من أجل شعبه ليخلصهم من هامان، يشفع السيد المسيح عن شعبه (بدمه) ليخلصهم من إبليس. وكما خلص مردخاي من مضطهده لم يستطيع المضطهدون أن ينتصروا على السيد المسيح. وكما جلس مردخاي في المسوح وأنقذ شعبه، هكذا نزل كلمة الله وحمل جسدنا كما في المسوح وفي إتضاع خلصنا. بمردخاي صارت أستير مرضية لدى الملك عوض وشتى، وبالمسيح يسوع صارت كنيسة العهد الجديد موضع رضى الآب عوض المجمع اليهودي. وكما حث مردخاي أستير على الصوم مع فتياتها هكذا يحث السيد المسيح كنيسته بكل أولادها على الصوم. أخيرًا نال مردخي مجد هامان، ونودى قدامه: "هكذا يُصنع بالرجل الذي يُسر الملك بأنه يكرمه" (6: 11) وأما يسوع المسيح فتمجد بالمجد الذي له منذ الأزل وقد شهد له الحراس: "حقًا كان هذا إبن الله" (مت 27: 54). اكتشف هامان أن ما يفعله مردخاي لا يقوم على عداوة شخصية وإنما على أساس روحي تقوى لهذا ظن أنه لا علاج لهذه المشكلة إلاَّ بإبادة الشعب كله. يرى القديس جيروم أن كلمة "هامان" تعني (ظلمًا)؛ الآن إذ اشتعلت نيران الظلم غضبًا فإنها إنما تحرق ذاتها، إذ يقول: [هامان الذي يعني (ظلمًا) احترق بالنار التي أشعلها بنفسه[18]]. هنا يليق بنا أن نؤكد أن ما فعله مردخاي من عدم سجود لهامان لم يكن عن كراهية أو عداوة في داخل قلبه ولا عن كبرياء، وإنما كما قال في صلاته الواردة في تتمة أستير: "إنك تعرف كل شيء وتعلم أنيّ لا تكبرًا ولا إحتقارًا ولا رغبة في شيء من الكرامة فعلت هذا أنيّ لم أسجد لهامان العاتي، فإني مستعد أن أقبل حتى آثار قدميه عن طيب نفس لأجل نجاة إسرائيل، ولكن خفت أن أحول كرامة إلهي إلى إنسان وأعبد أحدًا سوى إلهي" (13: 12-14). إنه لا يستنكف أن يقبل آثار قدمي هامان لأجل خلاص إخوته، هكذا يتسع قلبه حبًا ويمتلئ إتضاعًا، لكنه لا يقبل أن يعبد غير الله! |
|