|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في يوم خراب أورشليم على يديْ بابل وقف بنو آدوم شامتين بل وقاموا بدور إيجابي ضد أورشليم بإلقاء القبض على الهاربين لتسليمهم أسرى، ودخولهم بغنائمهم للرعي في أورشليم إلخ... لهذا يصرخ المرتل قائلًا: "أذكر يا رب لبني آدوم يوم أورشليم القائلين: هُدّوا هُدّوا حتى إلى أساسها" (مز 137: 7)؛ كما يقول عوبديا النبي: "من أجل ظُلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد، يوم وقفت مقابله، يوم سَبَتِ الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضًا كواحد منهم" (عو 10: 11). يشير آدوم (تعني ترابًا ومحبًا لسفك الدماء) إلى عدو الخير إبليس لهذا يظهر المخلص كقادم من آدوم بثياب حمر في جلاله وعظمته؛ غلب العدو وداسه كما في معصرة ليهب شعبه نصرة وخلاصًا. "من ذا الآتي من آدوم بثياب حمر من بصرة؟! هذا البهي بملابسه، المتعظم بكثرة قوته؟! أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص" [1]. تطلع النبي إلى المخلص وقد ارتفع على الصليب محطمًا آدوم الحقيقي وواهبًا نصرة وبهاء لمؤمنيه، فصار يسأله: من أنت؟ من أين أنت قادم؟ ما هو حالك؟ ما هو عملك؟ وما هو هدفك؟ فمن جهة شخصه يقول: "أنا المتكلم بالبر العظيم الخلاص" [1]. كثيرون يتكلمون بالبر ويجيدون الحديث عنه، حتى بعض القادة الدينيين في ذلك الحين كانوا قادرين على التعليم بخصوص البر. أما المخلص -ربنا يسوع- فهو الوحيد القادر أن يتحدث بالبر "العظيم الخلاص"، أي البر العملي الذي يهب خلاصًا من الأعداء وتمتعًا بالأبدية. هو وحده البار الذي لم يعرف خطية (2 كو 5: 21)، حمل خطايانا في جسده ليكفر عنها بدمه المبذول، مقدمًا لنا بره برًا لنا. إنه فريد في بره، فمن جانب: هو وحده الذي بلا عيب مطلقًا، ومن الجانب الآخر قادر أن يبرر الآخرين. أنه البار الذي يُسر الآب به، يحملنا فيه لنحسب نحن أيضًا موضع سروره. يتكلم السيد المسيح عن برّ لا بفمه فقط وإنما بكل كيانه وحياته التي بذلها بإرادته المقدسة خلال حبه الإلهي لأجل تبريرنا، ليُصلح من حال طبيعتنا الفاسدة ويهبها شركة الطبيعة الإلهية (2 بط 1: 4). من جهة الموقع رآه قادمًا من "آدوم" التي تعني "ترابًا" أو "دمًا". وكأن الرب جاء إلى حيث سقطنا، إلى آدوم، حيث عدنا إلى ترابنا لكي يحول ترابنا إلى سماء. لقد قيل لنا "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19)، الآن إذ نزل مخلصنا السماوي إلى أرضنا لنتحد معه نسمع الصوت الإلهي: "لأنك سماء وإلى سماء تعود". هذا هو برّ المسيح الذي يرفعنا كما من المزبلة ليُقيمنا في سمواته. من جانب آخر فإننا إذ صرنا "أدوم" (= دم) محبين للقتال أو مبغضين للغير، فإن مسيحنا جاء إلى أرض المعركة ليغتصبنا من عدو الخير المحب لسفك الدماء لكي يتسع قلبنا بالحب والبذل! من جهة عمله يقول: "قد دستُ المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" [3]. دخل المعركة -معركة الصليب- وحده، وكما قال لتلاميذه: "وتتركونني وحدي وأنا لست وحدي لأن الآب معي" (يو 16: 32). لباسه محمر وثيابه كدائس المعصرة [2]، إذ ألبسوه ثوبًا قرمزيًا (مز 15: 17) ليسخروا به. كما تُشير إلى أن جسده كله قد أفاض دمًا من الجراحات الواهبة الشفاء (إش 53: 5). هذا البذل هو سرّ جمال فائق يدركه من اختبر الصليب كقوة الله للخلاص، لهذا قيل "البهي بملابسه" [1]. * صنع تدبيرًا رائعًا للجسد المتألم، فقد تزين بالآلام وتمجد باللاهوت، فإنه ليس أكثر من ذلك عذوبة وجمالًا. القديس غريغوريوس النزينزي |
|