غالي والطلب رخيص
يُقال في العامية المصرية، عندما يطلب شخص طلبًا من آخر، فإذا أراد الآخر أن يعبِّر عن قيمة الطالب عنده قاله له ليعلن له أن قيمته كشخص أغلى بكثير من أي تكلفة أو تعب في طلبه. البعض يقولها مجاملةً، أو قُل نفاقًا، بغية نوال شيء في المقابل أو في المستقبل. والبعض قد يقولونها ولا يعونها، كعادة اعتادها مجتمع. أما البعض الآخر فيقولها صادقًا واعيًا للمحبوب؛ قد تقولها أم لابنها، أو زوج لزوجته، أو صديق لصديقه المقرَّب.
ولستُ عن النوعين الأوَلين أتكلم، لكني أقصد النوع الأخير. وفي ذهني أكثر واحد يستحق أن تُقال له ويُعمل بها تجاهه. ذاك الذي منه الحياة، وبموته كانت لنا الحياة، الذي أعطى وما زال يعطي بلا حدود، والذي فاقت أفضاله عن أن تُعد عددًا وفاقت أي حصر إن قيست زمنًا. هل مثله يستحقها وقد أحبني وأسلم نفسه لأجلي؟ إن كل مؤمن حقيقي نال الخلاص به لا بد وأن يشاركني الرأي أن سيدي وإلهي المسيح هو أعظم من يستحقها. وأنَّ أمام حبه لنا، كل شيء يُقدَّم له يُعتبر رخيص؛ إذ شخصه هو الغالي.
قديمًا إبراهيم قدَّم اسحاق مع أنه محبوبه الغالي؛ لكن أمام حبه لإلهه كان كأنه يقول له “غالي والطلب رخيص”. قال المسيح يومًا «مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (متى١٠: ٣٧)، أما إبراهيم فأحب الرب أكثر من الكل.
وقالتها أرملة يومًا حين أعطت فلسين كانا كل ما تملك للرب؛ فقدَّرهما الرب أيَّما تقدير (متى١٢: ٤١-٤٤).
والأمثلة كثيرة بما لا تسمح المساحة، لكن لا يفوتني أن أذكر قصة ثلاثة أبطال كانوا حول داود (وهو صورة جميلة للرب يسوع) سمعوه يتمنى بصوت خفيض كأس ماء من مدينته بيت لحم؛ فلأنه غالٍ اعتبروا الطلب رخيص، رغم أنهم اضطروا للمغامرة بحياتهم ليحققوا هذه الأمنية.
فماذا سيكون ردك إذا طلب الرب منك اليوم شيئًا؟ ماذا إن طلب قلبك؟ وقتك؟ أو جهدك؟ أو أن تتخلى عن شيء ما؟ أو تذهب إلى مكان ما؟ أن تتألم من أجله؟ أن تحمل صليبك وتتبعه؟
هل هو الغالي الذي يرخص الكل أمامه؟
اسمع كيف عبَّر عنها بولس: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا... وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (٢كورنثوس٥: ١٤-١٦).