منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 13 - 07 - 2016, 05:02 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس


تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس
أوّلاً: ملحوظات عامّة[1]
• الملحوظة الأولى
لا بدّ من القول إنّ القدّيس سلوان نفسه لم يُحَبِّذ المعرفة النظريّة المجرّدة أي المعرفة كمعلومات. فمن خلال نصوصه، يمكننا أن نستشفّ المبدأ الّذي نَشأَتْ عنهُ العقائد الكنسيّة. وليس هذا المبدأ ثمرة تأمّل نظريّ بحت، أو خلاصة استنباطات فلسفيّة معقّدة، إنّما هو معرفة إختباريّة بالدّرجة الأولى. فقدّيسنا لا ينفكّ يشدّد على أنّ معرفة الله تأتي بوساطة الرّوح القدُس: “لا يمكننا أن نعرف الله إلاّ بالرّوح القدس. أمّا الإنسان المتكبّر الّذي يبغي أن يعرف خالقَه بعقلِه، فأعمى وقليل الفهم”. “لنا أن نتعلّم عن أمور الأرض بعقلنا، أمّا معرفة الله، والأمور السّماويّة، فتصير بالرّوح القدُس وحدَه، ولا يمكن تعلّمها بالعقل.”
لعَمري يمكننا أن نسمّي القدّيس سلوان “خمسينيًّا”، بالمعنى الأرثوذكسيّ للكلمة: أعني أنّه تحدَّثَ عن حضور الرّوح القدس حضورًا ملموسًا في الإنسان بكامله, حيث إنّه يعرف الله بملء كيانه. إذ ذاك يملأ الله روح الإنسان، وفكره، وجسده:
“الرّب يُعرَف بالرّوح القدس، والرّوح القدس يَنفُذُ في الإنسان بجملته: روحًا، ونفسًا، وجسدًا”.
رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

بهذا يلخّص القدّيس سلوان تيّارًا خاصًّا بالفكر الدّينيّ الروسيّ، يبعد كُلَّ البُعد عن المفهوم الغربيّ للمعرفة. فهذا لمفهوم الغربيّ يُعزى، في معظمِه، إلى الاستنباطات المنطقيّة عند الفيلسوف هيغِل (Hegel)، حيث المعرفة تحليلٌ موضوعيّ منطقيّ يستند إلى البراهين العلميّة، ويعتمد التّصنيف والتّفنيد. فكلّما اتّسعت المسافة بين الدّارس والمدروس، ازداد بَحثُ الإنسان موضوعيّةً، واتّخذت مقاربتُه له مَنحًى عِلميًّا أفضل. أمّا القدّيس سلوان، فيأتينا بمبدأ معاكسٍ وهو المعرفة كشَرِكة ومُشارَكَة، تتمّ في الأساس بالمحبّة. فهو يكتُب قائلاً: كلّما اكتَمَلَ الحبُّ، اكتملَتْ معَه معرفةُ الله“. لذلك يَنْبَعُ لاهوتُ الرّوح القدس كلُّه عند القدّيس سلوان من خبرته الشّخصيّة للمحبّة الّتي توافق مَنطِق الله. وعندما كتب الأب بولس إنكليزاكيس (Englezakis Fr Paul) المغبوط الذّكر طروباريّة القدّيس سلوان، حيث دعاه “أسمى اللاّهوتيّين قاطبةً”، علّقَ قائلاً: “إنّي أَعجَبُ كيف لبِثَ الرّهبان الرّوس صامتين مدّةَ قرون ، ثمّ انبرى هذا الفلاّح السّاذَج- أعني به سلوان-، ليأتي بأسنى لاهوت على الإطلاق، اللاّهوت بكلّ معنى الكلمة!” إنّ مفهومَه للاّهوت كمعرفة الله بالرّوح القدس هو أشمل خُلاصةٍ وأَوفى تعبيرٍ عن نظرِتنا الأرثوذكسيّة لمصادر اللاّهوت الكنسيّ، وهو مختصٌّ بأقنوم الرّوح القدس أوّلاً. يَشرحُ القدّيس سلوان كيف تبلوَرَتْ الصّيغة اللاّهوتيّة لألوهيّة الرّوح القدس بصفته أحد أقانيم الثّالوث، وذلك لا على أساس المباحثات الفلسفيّة المجرّدة، بل استنادًا إلى المعرفة الطَّقسيّة الاختباريّة، كما يعبّر عنها القدّيس غريغوريوس (اللاّهوتيّ): “الآن أضحى الرّوح القدس ساكنًا فينا، كاشفًا لنا عن ذاته كشفًا أوضح”[2].
هذه النّقطة، معرفة الله بالرّوح القدس، هي أشبه بمقدّمة للموضوع.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

• الملحوظة الثّانية
أودّ الآن الانتقال إلى نقطة ثانية، أرى شخصيًّا فيها أهمّيّة قصوى لحياتنا اليوم، سواءٌ انتمينا إلى الرّهبنة، أم إلى الإكليروس، أم كنّا علمانيّين. إنّها حول الرّوح القدس والعلاقات مع الآخرين.
إنّ تعليم القدّيس سلوان يدخل في جوهر التُّراث الرُّهبانيّ الأُرثوذكسيّ، لِما يوليه من التّركيز على موضوع اقتناء الرّوح القدس. ونجدُ الاهتمامَ نفسَه عند القدّيس سيرافيم ساروف، في حديثه إلى “موتوفيلوف” قائلاً: “هدف الحياة المسيحيّة هو اقتناء الرّوح القدس”. إلاّ أنّ القدّيس سلوان يوضح لنا بجَلاء لا سابق له كيف يمكن اقتناء الرّوح القدس، وكيف يتجلّى حضوره. ويحدّد معايير ملموسة تدلّ على حضوره أو غيابه في النّفس البشريّة.
في ذهن النّاس، سيّما المسيحيّين الخمسينيّين والإنجيليّين، يرتبط الرّوح القدس بشعور من الانشراح والمرَح. أمّا وقد سمَّينا القدّيس سلوان “خمسينيًّا أرثوذكسيًّا”، فها إنّنا نصل إلى نقطة مِحوَرِيّة: ما يُميِّزُهُ عن النَّوع الآخر من الخَمسينيّين، أعني البْروتستانتيّين منهم، هو أنّ اختبار الرّوح القدس عنده ليس “نَوْبة حُبور وتهليل” وقتيّة تحتَ فعل الرّوح القدس، حيث يأتي النّاس حركاتٍ وأصواتًا خارجة عن المألوف لِبُرهة من الزّمن. عند القدّيس سلوان، إنّه حياة يوميّة نعيشها في الرّوح القدس، أكثر ما تتجلّى في علاقاتنا الشّخصيّة اليوميّة، علاقاتٍ مع النّاس بحسب المثال الإلهيّ. فالقدّيس سلوان يرى أنّ الرّوح القدس يدرّب الرّاهب على محبّة الله والعالم، أي البشريّة جمعاء.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

من خلال القدّيس سلوان، نفهم المعنى الحقيقيّ للعنصرة. يقول في كتاباته: “إنّ اختبار الرّسل للرّوح القدس، عندما نزل عليهم بألسنة ناريّة، علَّمَهُم معنى محبّة الله، ومحبّة الإنسان“. هكذا تَوضَّحَ مفهوم العنصرة بحدّ ذاته: فالرّوح القدس ينزل بألسِنةٍ ناريّة. والكلمة اليونانيّة -γλώσσα””- تُتَرجَم بلفظة “لِسان” وبلفظة “لُغة” في الوقت عينه. هنا الرّمزيّة بارزة! يُتيح لنا اللّسان، كعضو، التّواصل مع الآخَرين، ونحن نتعلّم “اللِّسان”، كلُغة، تُفسح لنا في المجال للتّواصل مع الآخرين أيضًا، وللدّخول في شركة معهم. إنّه إذاً عُضْوُ اتّحادِنا بعضُنا ببعض: هو المبدأ الّذي يسمح للنّاس بالتّواصل والمشاركة. فمن دون اللّسان، كعضو في الجسد، وكملَكة عقليّة لُغَويّة في آن، لا يمكننا أن نبني علاقات، ولن نجدَ المجال لا للمحبّة ولا لإظهارها. لذلك معنى العنصرة هو أنّ الرّوح القدس يعيد بناء الجسور المهدومة للتّواصل بين الناس: “يدعو الكلّ إلى اتّحاد واحد”، كما نرتّل في قنداق العنصرة. عند القدّيس سلوان أنّ التّحقيق الكامل للوحدة الّتي وُهبَت لنا يَكمُن في العنصرة. (…)
“طوبى للنّفس الّتي تحبّ الإخوة، فإنّ أخانا هو حياتنا. طوبى للنّفس الّتي تحبّ أخاها، فروح الرّب يحيا ويتجلّى فيها، ويُنعِمُ عليها بالسّلام والبهجة”. ويكتب في مكان آخر: “النّعمة تأتي من محبّة الإخوة، ومحبّتي للإخوة تحافظ على النّعمة. أمّا إن كنّا لا نحبَّ الإخوة، فلن تحلّ نعمة الله في نفوسنا”.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

إنّ القدّيس سلوان يذكّرنا بجدّيّة الكنيسة الأرثوذكسيّة في نظرتها إلى العلاقات البشريّة، فهذه العلاقات لها أهمّيّة مطلقة عندها. ولو ألقينا اليوم نظرةً إلى ما حولنا، وتساءلنا عمّا هو خالِد في محيطنا، لوجَدنا الجواب التّالي: النّاس. لهذا علاقتُنا بهم خالدة أيضًا.
ويمكن أن نميّز حضور الرّوح القدس في نفس الإنسان من خلال موقفه من الناس وتصرّفه معهم.
“إذا وجدتُم في أنفسكم رحمةً تجاه النّاس، ومحبّةً تجاهأعدائكم… فهذا يشير إلى حلول الرّوح القدس فيكم”. “مَن اقتنى الرّوح القدس في ذاته، يتلهّف قلبُه ليلاً ونهارًا على النّاس أجمعين”. في ضوء هذا التّفكير يمكننا أن نسأل أنفسنا: ما هي معايير القداسة في كنيستنا؟ وكيف تتجلّى هذه القداسة، هذا الاقتناء للرّوح القدس؟ يعطينا القدّيس سلوان الجواب التّالي: “الشّيوخ الرّوحانيّون الصّالحون كلّهم متواضعون، يتصرّفون على مثال المسيح”. والحقّ إنّي على هذا اليقين من خبرتي الشّخصيّة. فقد لاحظتُ أنّ الشّيوخ الرّوحانيّين (Staretz) الحقيقيّين كافّةً الّذين شاهدتهُم في حياتي بأمّ العين لهم قاسم مشترَك واحد، وأذكر على سبيل المثال الشّيخَين الرّوحانيَّين الآثوسيَّين الأب أدريان، والأب يوحنا كريستيانكين (Krestiankin Fr John). فإذا ما بدأتَ تَتحدّثُ إليهم، وجدتَ التّواصل معهم غايةً في السّهولة، وهنا يبرز مثل الأب صفروني كلّ البروز. ينفتح قلبك إزاءه، فلا مكان لسوء التّفاهم، بل تشعر بالمسافة بينكما تتبدّد. يمكنك، والحال هذه، أن تكشف عن كلّ ما يجول في دواخلك، وجهًا لوجه، وإذا بالقلوب تتلاقى. لهذا استطاع الأب صفروني، على غرار معلّمه القدّيس سلوان، أن يتحدّث إلى أيٍّ كان، مهما تكُن جنسيّته، أو انتماؤه الإجتماعيّ، أو حالته الرّوحيّة. هذا هو التكلّم بالألسنة روحيًّا بامتياز. هذه هي موهبة التّكلّم بالألسنة، أي اللُّغات، الّتي يجود بها الرّوح القدس.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

• الملحوظة الثالثة
لخبرة القدّيس سلوان ميزةٌ مهمّةٌ أخرى: لقد وهبه الرّوح القدس محبّة تتخطّى التّعبير عن نفسها في علاقة مع شخصٍ آخر مفرَد، لتشمل الكون كلّه. وكم لفتَ انتباه الأب صفروني أنّه، بعد ظهور المسيح للقدّيس سلوان في الكنيسة التّابعة لطاحونة دير القدّيس بندلايمون، بدأ هذا الأخير يتكلّم لغةً روحيّة جديدة: طفقَ يصلّي للبشريّة جمعاء. أضحى اتحّاد البشريّة كلّها يومَ العنصرة يكوّن جوهر شخصيّة القدّيس، ويحقّقها أفضل تحقيق. بدأ يصلّي للجنس البشريّ بأسره. فهل يمكننا الكلام على “عنصرة شخصيّة” حصلت للقدّيس سلوان عندمت شاهد المسيح في رؤيا؟
“أيّها الربّ الرّحيم، أتوسّل إليك من أجل شعوب الأرض كلّها لكي يعرفوك بالرّوح القدس… ولكي تعرفك أمم الأرض كلّها بالرّوح القدس وتسبّحك”.
هذه الصلاة لأجل العالم بأسره، الّتي يعلّمنا إيّاها الرّوح القدس، يجعلها القدّيس سلوان غاية الحياة الرّهبانيّة وهدفها الأمثَل، وذلك ليس أبدًا عن غير قصدٍ. فالصّلاة لأجل العالم بأسره هي كمال المحبّة وملؤها. هنا تبلغ المحبّة أقصى مداها، حيث يحتضن قلب الإنسان العالمَ كلّه. لا يبقَ لهذه المحبّة من حدود، بل تصل إلى مداها الإلهيّ المطلَق، فلا يبقى للمرءِ أعداءُ ولا أحبّاء، إنّما آدم الكُلِّيّ[3] الواحد.
“الإنسان الّذي عرفَ محبّة الله، يحبّ العالم كلّه“[4].
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

بالنّسبة إلى القدّيس سلوان، هذا هو التّحقيق الطبيعيّ لوصيّة المسيح: “أحبب قريبك كنفسك”. فالقريب عنده هو آدم الكُلِّيّ، أي البشريّة جمعاء. كثيرًا ما أبدى الأب صفروني إعجابه بهذه الفكرة كما يعبّر عنها إرمس الأودية الأولى من القانون الكبير للقدّيس أندراوس الكريتيّ، المُرتَّل في الصّوم الكبير: “اسمعي يا سماء فاتكلّم”. كان يقول: “عندما يتكلّم الشّخص الإنسانيّ (persona)، تصمتُ السّماء كلّها لتُصغي إليه”.
في التّراث النّسكيّ الشّرقيّ، نجدُ ذكرًا لهذه الصّلاة الّتي تشمل الكون عند القدّيسَين مكاريوس الكبير واسحق السّريانيّ، بَيدَ أنّها تأتي عند القدّيس سلوان كحجر الزّاوية في الحياة الرّوحيّة الرّهبانيّة.
إنّ الأب صفروني يعطي تفسيرًا لاهوتيًّا لهذه الصلاة. فمَن يصلّيها يتحقّق فيه صورة الله ومثاله. فكما يحيا الله الثّالوث ككيانٍ واحد، هكذا يحيا الإنسان حالة البشريّة كوحدة شاملة متكاملة. هكذا تتّحد البشريّة كلّها بالمحبّة، كمجموعة أشخاص، كما تتّحد الأقانيم الإلهيّة. يقول الأب صفروني في كتاباته:
“نادرًا ما يُعطى لأحد في هذا العالم أن يختبر مفهوم الشّخص الإنسانيّ persona اختبارًا حيًّا. على حذوِ صلاة المسيح، يتأتّى هذا الاختبار من صلاة الإنسان للعالم بأسره كما يصلّي لأجل نفسه، وِفقًا للوصيّة القائلة: “أحبب قريبك كنفسك”(متى12: 31). فإذا تلقّن الإنسان هذه الصّلاة بفعل الرّوح القدس، يحيا جوهريًّا على صورة الثّالوث. في هذه الصّلاة يعيش المرء مشاركة أجمعين في الجوهر نفسه، وينكشف لنا المعنى الكيانيّ للوصيّة الثّانية: يصبح آدم الكُلِّيّ إنسانًا واحدًا متمثِّلاً في الجنس البشريّ”.
من اللاّفت أنّ صلاة القدّيس سلوان لا تبقى نابعة من ذاته ولأجل نفسه، إنّما يصلّي عقليًّا عن البشريّة جمعاء، ولأجلها.
“أيّها الربّ الرّحيم، علّمنا، بالرّوح القدس”…
* * *
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

ثانيًا: إنعكاسات تعليم القدّيس سلوان على حياتنا المعاصرة
أودّ الآن أن أتوسّع في تعليم القدّيس سلوان حول الرّوح القدس، من حيث ارتباطُه بعلم اللاّهوت المعاصر، لنرى ما لهذا التعليم من انعكاسات تعطي أجوبةً عن عدد من المسائل المعاصِرة.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

• الانعكاس الأوّل: ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟
ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟ لعلّ هذاأهمّ سؤال يطرحهُ العِلم الحديث، سواءٌ في مجال علم النّفس، أم في مجال العلوم الإجتماعيّة، أم في العلوم الإنسانيّة (أنثروبولوجيا)… أَحبَّ الأب صفروني أن يردّد مرارًا على مسامعنا الكلام التّالي: “نرى في الأب سلوان نموذجًا أمثَل لمفهوم الشّخصانيّة”، أو بكلام آخر، للإنسان في حقيقته البشريّة. فمثالُه، كما تعاليمُه في الرّوح القدس، يعطينا جوابًا وافيًا عن تساؤلات كثيرة تدور حول الإنسان.
في روايته المميّزة “الدكتور جيفاغو”، يطرح بوريس باستيرناك (Pasternak Boris) السّؤال التّالي في أحد الحوارات الفلسفيّة الطّويلة: “ما هي أبرز مساهمة للمسيحيّة في تاريخ الحضارة الإنسانيّة؟” ويأتي الجواب إنّه مفهوم الإنسان كشخص (persona). قبل المسيح، لم يُعرَف “الشّخص” في الإنسان: اقتصرت الحضارة على تاريخ جماعات لا هويّةَ لها، عائشة في الألم، لا نجدُ ذِكرًا لها، بل أفرادُها غاصَتْ أسماؤهم اليوم في غياهب النّسيان. ثمّ أتى المسيح فأعطى لكلّ متألّمٍ إسمًا وموضعًا في التاريخ. لم يبقَ الإنسان مجرّد كائن من الكائنات الحيّة، إنّما أصبح شخصًا. وكيف ذلك؟ لقد قلب المسيح المقاييس الّتي تحدّد ماهيّة الإنسان، وأبدلها بقيَم جديدة. فعَظَمَتُنا أو صَغارتُنا لم تبقَ رهنَ مكانتنا الاجتماعيّة، ولا رهن نفوذنا ولا ممتلكاتنا، بل وقفًا على إمكانيّة المحبّة عندنا. وهذه المحبّة تُعطى لنا بالرّوح القدس. فالشّخص هو مَن يتجاوز أنانيّته، ويحيا من أجل الآخرين، في شرِكة منفتحة معهم. ومَن أفضل من القدّيس سلوان ليجسّد مفهوم الشّخصانيّة هذا. ففي كلٍّ منّا تتحقّق هذه الشّخصانيّة بفعل الرّوح القدس، وهي تعلّمنا المحبّة، وكيف نتخطّى ذواتنا، وانهماكنا بأنفسنا وتَمَحْوُرِنا حول أنانيّتنا، حتّى نقول: “أُحِبُّ، إذًا أنا موجود“. يكتب القدّيس سلوان قائلاً: “إنّ النّفس الّتي عَرَفتْ حلاوة الرّوح القدس توّاقةٌ لأن ينالَه البشَر كافّة، لأنّ حلاوة الرّب لا تحَتمِل أن تُصاب النّفس بالأنانيّة، بل تنعِمُ عليها بمحبّة فيّاضة من القلب“.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2016, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس

إنّ الرّوح القدس يُرشد نفسَ كلّ إنسان إلى شعور بالرحمةٍ يفوق التصوّر والإدراك. فيتلقّن الإنسان أن يماثل الثّالوث في علاقاته بالآخرين. هذا هو معنى حياة القدّيس سلوان عينها: “إسأل الله من كلّ قوّتك أن يمنحكَ التواضع والمحبّة الأخويّة، لأنّ مَن يحُبَّ أخاه يُعطِه الرّبُّ نعمةً من دون حساب”. إنّ هذا الأمر قريبٌ جدًّا ممّا نعيشه اليوم: فتواصُلنا مع الآخرين هو جوهر هويّتنا المسيحيّة الّتي تميّزنا عن غير المسيحيّين. من خلال القدّيس سلوان نفهم اليوم ما الوثنيّة وما المسيحيّة في جوهرها. يقول القدّيس بولس الرّسول: “أنتم تعلمون أنّكم كنتم أُممًا منقادين إلى الأوثان البُكم” (1كو12: 2). إنّ الوثن هو ما يحتلّ في حياتنا وفي روحانيّتنا محلَّ المثال. فنحن عندما نَعبُدُ الوثَن، نعترف به مثالاً أعلى. والوثن “الأبكم” رمزٌ للأنانيّة: هو أبكم إذًا لا تواصل، بعكس “اللِّسان” (بمعنى النُّطق واللُّغة اللّذَين يَهبُهُما الرّوح القدس). فالإنسان الوثنيّ الّذي يعبد صنمًا أبكم يبقى مجرّد كائنٍ حيّ. إنّه منغلق على ذاته، يتَمَحْوَرُ حولهَا، ولا يَتواصل، بل يحتقر العلاقة بالناس، ويتجنّبها[5]. ويمكن أن نربط هذا الموقف باختبار الأب صفروني لبعض الّتيارات الشرقيّة غير المسيحيّة، وهو ما أسماه فيما بعد انتحارًا روحيًّا. حصل له هذا الاختبار عندما لم يقبل في ذاته موهبته كشخصٍ له قدرةٌ على المحبّة الشّاملة الكونيّة الّتي تنفتحُ بالرّوح القدس، إنّما حاولَ تخطّي هذا الشّخص وإزالته لكي يصل إلى ما هو “أسمى من المحبّة وأبعد”، في اجتهاده للامتداد نحو المطلَق التّجاوزيّ. الّلافتُ أنّ الأناجيل لا تنفكّ تشدّد على سكنى الممسوسين في أماكن منعزلة لا اتّصال فيها بالآخرين: فمجنون كورة الجرجسيّين سكَنَ القبور (متى8: 28). وكما قال المسيح، إنّ الأرواح النّجسة تؤثِرُ الأماكن الجافّة (القَفر)(متى12: 43)، حيث لا حياة ولا اتّصال بالآخرين (لأنّه حيث لا مياه، لا حياة).
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تعليم الرّوح القدس الخاص هو يسوع المسيح
القديس سلوان الآثوسي
القديس سلوان الآثوسي
مراثي آدم _ سلوان الآثوسي
من اقوال القديس سلوان الآثوسي


الساعة الآن 10:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024