منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 09 - 12 - 2023, 05:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,256,911

رِسَالة يوحَنَّا المَعمَدانُ للعَالَم: يسوع المسيح






رِسَالة يوحَنَّا المَعمَدانُ للعَالَم: يسوع المسيح



النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 1-8)



1 بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ آبنِ الله: 2 كُتِبَ في سِفرِ النَّبِيِّ أَشَعيا: ((هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ. 3 صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة)). 4 تَمَّ ذلكَ يَومَ ظَهَرَ يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعْموديَّة تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا. 5 وكانَت تَخرُجُ إِليه بِلادُ اليَهودِيَّةِ كُلُّها وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم، فيَعتَمِدونَ عن يَدِه في نَهر الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخطاياهم. 6 وكانَ يوحَنَّا يَلبَسُ وَبَرَ الإِبِل، وزُنَّاراً مِن جِلْدٍ حَولَ وَسَطِه. وكانَ يَأكُلُ الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ 7 وكانَ يُعلِنُ فيَقول: ((يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنيِّ، مَن لَستُ أهلاً لِأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه. 8 أَنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأَمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس)).





المقدمة



يصف مرقس الإنجيلي في الأحد الثَّاني من زمن المَجِيء رِسَالة يوحَنَّا المَعمَدانُ وشهادته في إعداده لِمَجيء يسوع المسيح، وقبوله مسيحًا مُخلصًا وابن الله العَلي (مرقس 1:1-8). ويعلق القدّيس أوغسطينوس "كان هنالك نَبوءات عن المَجِيء الأوّل للرَّبّ؛ قبل يوحَنَّا المَعمَدانُ، لم نُعدْ نَتَنبّأ بهذا المَجِيء، بل أصبَحنا نُعلنُ عنه". (مطالعة ضدّ الدوناطيّة، الكتاب الثَّاني) فزمن المَجِيء هو وقت الله، وقت التَّوبة والرَّحمة والنِّعمَة والخَلاص، هو الوقت المُناسب بأن نهيئ للمسيح الطَّريق في حياتنا، ونفتح قلوبنا له مُعلنين توبتنا وإيماننا بيسوع المسيح ابن الله الحَي، مُخلص العَالَم. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص وتطبيقاته.





أولا: وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 1-8)



1 بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ آبنِ الله




تشير كلمة "بَدءُ" في الأصل اليُونَاني Ἀρχὴ (معناها البداية) إلى خلق جديد وحياة جديدة، كما ورد في افتتاح سفر التَّكوين "في البَدءِ בְּרֵאשִׁית خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض" (التَّكوين 1: 1)؛ وتذكِّرنا هذه العبارة في مُقدِّمة إنجيل يوحَنَّا " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله" (يوحَنَّا 1: 1). كما كانت في البدء كلمة الله، التي بها خلق الله كلَّ شيءٍ من العَدم، كذلك توجد الآن الكلمة التي يوجّهها الله إلى ابنه، المسيح، في لحظة دخوله إلى العَالَم. قد ابتدأ تاريخ جديد بمَجِيء يسوع في العَالَم. أمَّا كلمة "بِشارَةِ" في الأصل اليُونَاني εὐαγγέλιον (معناها "إنجيل" أي بِشارَة أو خبر سار) فتشير إلى بِشارَة الله الذي أعْلنها يسوع (مرقس1: 14)، وهذه البِشارَة هي يسوع نفسه، وهكذا يتلاقى الإعلان والمُعلِن معًا. وردت هذه اللفظة 75 مرة في العهد الجديد، ولها ثلاثة معان ٍ: الأول: الخبر السَّار بملكوت الله على الأرض "كانَ يسوع يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت"( متى 4: 23) ؛ والمعنى الثَّاني: خبر يسوع وعمل الفِداء شفاهًا وكتابة ً: "اذكُرْ يسوعَ المسيحَ الَّذي قامَ مِن بَينِ الأَموات وكانَ مِن نَسْلِ داوُد، بِحَسَبِ بِشارَتي" (2 طيموتاوس 2: 8)؛ والمعنى الثَّالثَّ: دين المسيح كله "أُذَكِّرُكم أَيُّها الإِخوَةُ البِشارَة الَّتي بَشَّرتُكم بِها وقَبِلتُموها ولا تَزالونَ علَيها ثابِتين" (1قورنتس 15: 1). ولفظة إنجيل هنا لا تدل على السِّفر ذاته، بل على مُحتوياته، أي البِشارَة السَّارة للعالم وسِرَّها الخلاصي الذي قدَّمه المسيح للبَشر؛ ومرقس هو الإنجيلي الوَحيد الذي أعطى لسِفره عنوان "إنجيل" ناسبًا إيَّاه ليسوع المسيح ابن الله. وهذا الإنجيل هو نفس البِشارَة التي أعلنها الرُّسُل بان الخلاص قد تمَّ عِبْرِ حياة يسوع المسيح وموته وقيامته، كما جاء في رسالة بولس الرَّسول "مِن بولُسَ عَبْدِ المسيحِ يسوع دُعِيَ لِيَكونَ رَسولاً وأُفرِدَ لِيُعلِنَ بِشارَة الله"(رومة 1: 1). فالإنجيل يُعلن خبر حضور الله بيننا، وهكذا لم نَعدْ وحدنا، لانَّ الله يسير معنا. أمَّا عبارة "يسوع" في الأصل اليُونَاني ιησους، (مشتقة من اللفظة العِبرية יֵשׁוּעַ أي الرَّبّ يُخلص) فتشير إلى الاسم التَّاريخي البشري، وتحديدًا يسوع النَّاصري، وقد سلم الملاك ليوسف مُهِمَّة إعطاء هذا الاسم للولد وكأنَّه أبوه، لا على المستوى الطَّبيعي، بل على المستوى الشَّرعي (تبنَّى يوسف الولد). فيسوع، كابن الله، هو علامة حضور الله الخلاصي في قلب البشرية: إنه المُخلص عمانوئيل أي الله معنا. أما عبارة "المسيح" فتشير إلى يسوع الذي مسحه الآب بروحه القدوس (متى 1: 1) لتتميم عمل الفداء وإعلان محبَّة الثَّالوث القدُّوس الواقعية خلال الصَّليب. وفي إنجيل مرقس، نجد أنَّ بطرس وحده اعترف أنَّ يسوع هو المسيح عندما سأَلَ يسوع رسله: ((ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟)) فأَجابَ بُطرس: أَنتَ المسيح" (مرقس8: 29)، أمَّا عبارة "ابن الله" فتشير إلى لقب يسوع والذي يَدلُّ على بنوَّته للآب، هو كلمة الله الأزليّة، ويُعلق القديس هيلاري أسقف بواتيه "شهد الإنجيلي أن المسيح هو ابن الله حسب الطَّبيعة اللائقة به، وليس بمجرد الاسم. نحن أبناء الله، لكنه هو ليس ابنًا مِثلنا، إذ هو الابن ذاته بالطَّبيعة لا بالتَّبني، هو الابن بالحَق لا بالاسم، بالميلاد لا بالخلقة". وكشف الله لقب "ابن الله " عند المَعْموديَّة إذ "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت"(مرقس 1: 11)، والشَّياطين أذاعوا هذا اللقب "وكانتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: أَنتَ ابنُ الله! "(مرقس3: 11)؛ ويسوع وافق على هذا اللقب أثناء محاكمته عندما "سأَلَه عظيمُ الكَهَنَةِ: أَأَنتَ المسيحُ ابنُ المُبارَك؟ فقالَ يسوع: أَنا هو "(مرقس 14: 61-62). وقد أعلن قائد المائة هذا اللَّقب بعد موت يسوع على الصَّليب مُصرِّحًا "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا! "(مرقس 15: 39). ولأنَّ إنجيل مرقس كُتب من اجل المؤمنين في روما، حيث كانوا يَعبدون آلهة كثيرة، فأرادهم مرقس أن يعرفوا حقيقة شخص يسوع، أنَّه ابن الله الحقيقي الوحيد. وعليه نوى مرقس الإنجيلي أن يروي بدء البِشارَة في التَّاريخ منذ كرازة يوحَنَّا المَعمَدانُ. وكان الهدف من كرازة يوحَنَّا المَعمَدانُ إعداد الشَّعب لقبول يسوع كابن الله. وهذه الآية هي عنوان لإنجيل مرقس كله علمًا أنَّ محور رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ هو يسوع (أعمال الرُّسُل 1: 22). ولم يفتتح القديس مرقس الإنجيل بعرض أحداث الميلاد أو نسب السَّيد المسيح، كما هو الحال في إنجيلي متى ولوقا، إنَّما هو يكتب للرُّومان أصحاب السُّلطة فقَدّم لهم السَّيد المسيح "ابن الله" صاحب السُّلطان الحقيقي على النَّفس (الحياة الدَّاخلية) والجسد (الحياة الخارجية) أيضًا، إذ من خلال يسوع نفسه، كونه اتخذ جسدًا بشريًا وأصبح إنسانًا تمَّ تدخل الرَّب النهائي لصالح شعبه والبشرية، وانكشف وجه الله بالكامل كما جاء شهادة بطرس (مرقس 8: 29)؛ وشهادة قائد المئة الوثني (مرقس 15: 39).



2 كُتِبَ في سِفرِ النَّبِيِّ أَشَعيا: ((هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ



تشير "كُتِبَ" إلى ربط مرقس هنا شهادة أشعيا بشهادة يوحَنَّا المَعمَدانُ لوحْدة الموضوع مع انه كان بينهما فرق نحو 740 سنة. مصدر الشَّهادتين واحد وهو روح القُدُس. فقد كسر يوحَنَّا الصَّمت النَّبوي للقرون السَّابقة عندما بدأ يتحدّث عن كلمة الرَّبّ إلى شعب إسرائيل. أمَّا عبارة "النَّبِيِّ أَشَعيا" في العبرية יְשַׁעְיָהו (معناه الرَّبّ يُخلص) فتشير إلى النَّبِيِّ العظيم الذي تنبأ في يهوذا في أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا -ملوك يهوذا. وكان اسم أبيه "آموص" (أشعيا 1: 1) ويقول التَّقليد العِبري أن آموص هذا كان أخ أمصيا ملك يهوذا. وكان ذا ثروة طائلة، وثقافة عالية. ويدلُّ تاريخه على أنه كان يقطن أورشليم، وأنه كان يعرف الهيكل والمراسيم التي كانت تجري فيه تمام المعرفة. وفي سنة وفاة عزيا الملك (سنة 740 ق.م. تقريبًا) رأى أشعيا في الهيكل رؤيا فيها وسمع دعوة الله له للعمل النَّبوي (أشعيا 6: 1-7). وفي سنة 736 ق.م. تقريبًا وعد أشعيا الملك آحاز بأن الله سيُنقذ يهوذا من الهجوم المزدوج الذي يشنَّه إسرائيل-المملكة الشَّمالية-وآرام، على يد آشور، ولكنَّه في نفس الوقت أنذر بأن آشور ستُخرِّب يهوذا أيضًا (أشعيا 7). وبما أن آحاز رفض أن يقبل تعاليم النَّبِيِّ أشعيا فقد سلّم النَّبِيِّ شهادته ورسالته لتلاميذه (أشعيا 8: 16). وخصَّص أشعيا النُّصف الثَّاني من سفره لوعد الخلاص، وتنبَّأ بمَجِيء المسيح سبع مائة سنة قبل الميلاد ومَجِيء يوحَنَّا المَعمَدانُ، رسول الله المُكلَّف بإعداد طريق الرَّبّ. أمَّا عبارة "هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ" فتشير إلى آية مقتبسة من ملاخي النَّبِيِّ (ملاخي 3: 1)، ويُطبِّقها ملاخي على إيليا النَّبِيِّ (ملاخي 3: 23)، وأمَّا مرقس الإنجيلي فيُطبقها على يوحَنَّا المَعمَدانُ، إيليا الجديد. وقد وعد الله أشعيا النَّبِيِّ بان مُخلصًا سيأتي وسيَعدَّ يوحَنَّا المَعمَدانُ الطَّريق أمامه. إنَّ العَالَم فسد فلذلك لم يكن مُستعدًا لقبول ملاك عهد الرَّحمة الإلهية ما لم يأتِه ملاك التَّوبيخ والإنذار ليُعد له الطَّريق. أمَّا عبارة "رَسولي" في الأصل اليُونَاني ἄγγελόν (معناها ملاك) فتشير إلى يوحَنَّا المَعمَدانُ كما قال المسيح " فهذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: ((هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ " (متى 11: 10)؛ أما عبارة "هاءنذا أُرسِلُ" فتشير إلى قول الله الآب. أمَّا عبارة "قُدَّامَكَ" في الأصل اليُونَاني πρὸ προσώπου σου (معناها أمام وجهك) فتشير إلى يسوع المسيح الذي سُمِّي في نبوءة ملاخي ملاك العَهد وربَّ الهيكل (ملاخي 3: 1).



3 صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة



تشير الآية "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة" إلى اقتباس من النَّبِيِّ أشعيا (أشعيا 40: 3)؛ ويُعلق القديس يوسابيوس القيصري " يُبيِّنُ هذا الكلامُ بصراحةٍ ما جاء في النبوءة: أنَّ ما جاءَ فيها سيتمُّ في الصَّحراءِ لا في أورشليم. ويبيِّنُ أيضا ما يجب أن يَحدُثَ ليَظهَرَ مجدُ الرَّبّ، وليَعرِفَ كلُّ ذي جسدِ خلاصَ الله"، جاء المسيح هناك في الصَّحراء وأظهر مجده للجميع لدى معموديته. كما كان من الضروري أن يسبق الإمبراطور الرُّوماني شخص يُعلن قدومه إلى مدينة، فيعرف النَّاس أنَّ شخصًا بارزًا على وشك الوصول، كذلك بدأ يوحَنَّا المَعمَدانُ مُهمَّته بإعلان مَجِيء يسوع "هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ" حيث أنَّ إنجيل مرقس كُتب أساسًا للمسيحيين الرُّومانيين؛ ويُضيف القدّيس مكسيموس الطَّورينيّ: " ها هو يوحَنَّا المَعمَدانُ يصرخ اليوم أيضًا في داخِلنا ورَعْدُ صَوتِه يَهُزُّ صحراء خطايانا... وصَوته ما زال يُدَوّي اليوم، قائلاً: ((أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وٱجعَلوا سُبُلَه قويمة)). وهو يطلب منَّا أن نُعِدَّ طريقَ الرَّبّ ليس بشقّ طريقٍ بل من خلال نقاوة إيمانِنا" (العظة 88). أمَّا عبارة "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة " فتشير إلى تطبيق مرقس الإنجيلي هذه العبارة على يوحَنَّا المَعمَدانُ الذي دعا الشَّعب إلى التَّوبة استعدادًا لمَجِيء المسيح القريب؛ أمَّا عبارة "صَوتُ" فتشير إلى صَوت يوحَنَّا الذي كان يوجّه نظر النَّاس ليسوع عن طريق المُناداة بالكلام والعِظة؛ ويُعلق القديس كيرلس الكبير "كان يوحَنَّا صَوتا لا كلمة، يتقدم المسيح، كما يتقدم الصَّوت الكلمة"؛ وأمَّا عبارة "البَرِّيَّة" فتشير إلى بَرِّيَّة يهوذا الواقعة قرب البحر الميت، والبعض يشير إليها في بَرِّيَّة عين كارم، والبعض في منطقة صحراء الأُردُنِّ. لم تكن البَرِّيَّة صحراء رملية، ولكن ينقصها الخصب الذي يجعل زرعه مثمرًا. واختار يوحَنَّا منطقة البَرِّيَّة لإتمام نبوءات العهد القديم التي ذكرت أنَّ يوحَنَّا سيكون " صَوت صارخ في البَرِّيَّة (أشعيا 40: 3). أمَّا لوقا الإنجيلي فكتب أنَّ يوحَنَّا المَعمَدانُ أقام أولا في البَرِّيَّة (لوقا 1: 8) ثم غادر البَرِّيَّة ليُنادي في ناحية الأُردُنِّ، وكان فيها عددٌ لا بأس فيه من السُّكان، نتيجة للأبنية التي شيَّدها هيرودس الكبير وابنه أرخلاوس (لوقا 3: 3). وتحمل البَرِّيَّة في الكتاب المقدس رنة عميقة. هناك عاش شعب العهد القديم بداية مسيرته مع الرَّبّ. وإلى هناك أراد الرَّبّ أن يُعيد شعبه، كما قال "هاءَنَذا أَستَغْويها وآتي بِها إلى البَرِّيَّة وأُخاطِبُ قَلبَها" (هوشع 2: 16). وأمَّا عبارة " أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة" فتشير إلى نصوص بَابِليَّة تتكلم بألفاظ مُماثلة على طرق يُقام فيها الطِّواف أو يُحتفل بالانتصار للإله أو المَلك الظافر. والنَّبِيِّ أشعيا يقصد بهذه العبارة الطَّريق الذي يقود الرَّبّ شعبه عِبرَ البَرِّيَّة في الخروج من مصر (أشعيا 10: 25-27). إن ما دُعي النبي إلى إعلانه للشعب المضطهد في المنفى هو حمل الخبر السَّار أيّ الإنجيل، في هو يتمثل في حقيقة أن الله يأتي بقوة ليرشد شعبه ويخرجه من وضعه القمعي. ولكن لا بد من إعداد طريق في الصحراء ليأتي الله ويظهر مجده. وأمَّا مرقس الإنجيلي فيُطبّق هذه العِبارة على مَجِيء المسيح المُنتظر. فهذه الآية تُظهر طبيعة رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ، وهي إعداد الطَّريق لمَجِيء المسيح المُنتظر الذي يُعدَّ له يوحَنَّا الطَّريق. وإعداد الطَّريق لمَجِيء المسيح هي تهيئة خلقية وروحية بواسطة خدمة يوحَنَّا المَعمَدانُ التي شدّدت على التَّوبة وغفران الخطايا والحاجة إلى مُخلِّص. وكانت كلمات أشعيا مصدر تعزية لأناس كثيرين الذين كانوا يتطلَّعون إلى مَجِيء المسيح. ويُعلق الأب ثيوفلاكتيوس" أن طريق الرَّبّ هو إنجيله أو العهد الجديد، أمَّا سُبله فهي النبوءات التي تقودنا إليه، فكأن غاية يوحَنَّا المَعمَدانُ أن نتقبل إنجيل الرَّبّ خلال الإدراك المستقيم لنبوءات العهد القديم ورموزه". أمَّا عبارة " طَريقَ الرَّبّ" فتشير إلى العامل المشترك بين النبوءات السابقة المقتبسة من الخروج (23: 20)، وملاخي (3: 1)، وأشعيا 40: 3) الذي هو يسوع المسيح الذي يحقق كتابات الأنبياء والذي هو " الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " (يوحنا 14: 6).



4 تَمَّ ذلكَ يَومَ ظَهَرَ يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعْموديَّة تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا



تشير عبارة "تَمَّ ذلكَ يَومَ ظَهَرَ" إلى بَدء كرازة يوحَنَّا المَعمَدانُ في سنة 26 ب. م. ومن المُرجَّح أنَّها كانت السَّنة السَّبتية مما مكّن الشَّعب الذي كان مُنقطعًا عن العمل، من الذِّهاب إليه في غور الأُردُنِّ؛ إذ يبدأ إنجيل مرقس مُعلنًا رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ دون ذكر خبر طفولته. فذكر مرقس يوحَنَّا المَعمَدانُ مُتمِّمًا للنبوءتين السَّابقتين (مرقس 1: 1، 2) وجعل كرازته مُقدِّمة لإنجيل يسوع وجزءً منه. أمَّا عبارة "يوحَنَّا " في الأصل اليُونَاني Ἰωάννης (لفظة مشتقة من العبرية יוֹחָנָן ومعناها الله حنون) فتشير إلى يوحَنَّا المَعمَدانُ الذي وُلد تقريبا سنة 7 ق. م. وهو ابن زكريا الكاهن وأليصابات ونسيب يسوع، دُعي وكُرِّس منذ ولادته ليكون سابقًا للمسيح (لوقا 1: 5 -25 و57 – 85). وتقول التَّقاليد أنه وُلد في قرية عين كارم المُتصلة بأورشليم من الجنوب (لوقا 1: 39)، وكان أبواه يسكنان اليهودية، يطَّا القريبة من حبرون(الخليل)، مدينة الكهنة. وكانا محرومين من بركة النَّسل فانعم الله عليهما بابن في شيخوختهما أسمياه يوحَنَّا؛ وأن مصدر عظمته الشَّخصية هو امتلاؤه من الرُّوح القُدُس، ومصدر عظمته الوظيفية يكمن في انه مُعدَّ لطريق الرَّبّ، ومُتمِّمًا النبوة التي كان يتوق إليها كل يهودي، وهي أن إيليا، يأتي قدام المسيح، ويُهيئ للرب شعبًا " إِن شِئتُم أَن تَفهَموا، فهُو إِيلِيَّا الَّذي سيَأتي" (متى 11: 14). ونراه في رجولته ناسكًا زاهدًا على خُطى إيليا النَّبِيِّ؛ وهناك تقارب بين ما نادى به إيليا وما نادى به يوحَنَّا؛ والتَّشابه أيضًا في مظهرهما الخارجي ولبسهما ومعيشتهما واضح للعيان من مقارنة قصة حياتهما. ويُقال أنّ يوحَنَّا المَعمَدانُ، كان لمُدّة من الزَّمن أحد أعضاء ألأسّينِيّين الذين اتخذوا مركزهم خربة قمران قرب بحر الميت. وحوالي نهاية سنة 27 أو مطلع سنة 28 أمر هيرودس انتيباس رئيس الرُّبع بزجه في السجن في مكاور، لأنَّه وبَّخه على فجوره (لوقا 3: 19 -20). وبعد ثلاثة أشهر أمر بقطع رأسه حسب رغبة هيروديا وابنتها سألومه؛ ويقول ايرونيموس "أنَّ تلاميذه حملوه إلى سبسطية ودفنوه هناك بجانب ضريح اليشاع وعوبديا". ويذكره القرآن الكريم باسم " يَحْيَى" المُغَطِّس: "يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا" (سورة مريم 7:19). أمَّا عبارة " ظَهَرَ يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة " فتشير إلى إتمام نبوءات العهد القديم التي ذكرت أن يوحَنَّا سيكون" صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة" (أشعيا 40: 3)؛ وبالتالي فهو حلقة الوصل بين نبوءة أشعيا وبشرى الإنجيل الـمُعلن بحسب مرقس. لذلك يصبح يوحنّا نموذجًا للمُبشر بمَجِيء الرب بكلامه وحياته. أمَّا فعل "ينادي" κηρύσσων (معناها يكرِز) فيشير إلى المُناداة باسم الملك (التَّكوين 41: 43)، وانتقل المعنى على الصَّعيد الدِّيني، وهو المناداة باسم الله (يوئيل 2: 1). وهي المناداة العلنيَّة بإعلان البِشارَة، والبِشارَة في المفهوم المسيحي هي الكرازة بمَجِيء يسوع المسيح على الأرض مُوجَّهة إلى جميع النَّاس (لوقا 2: 1)، وهذه البِشارَة هي عمل الله في يسوع المسيح. وهذا الإعلان هو مُهِمَّة الرُّسُل، كما صرّح بولس الرَّسول "فقَد لَقِينا في فيلِبِّيَ العَذابَ والإِهانَةَ كما تَعلَمون، ولكِنَّنا جَرؤْنا، لِثِقَتِنا بِإِلهِنا، أَن نُكلِّمَكم بِبِشارَة الله في جِهادٍ كَثير"(1 تسالونيقي 2: 2). فقد نادى يوحَنَّا المَعمَدانُ الشَّعب بمَعْموديَّة التَّوبة، ودعا النَّاس إلى قبولها وطالبهم أن يقوِّموا حياتهم، ويتخلّوا عن طرقهم الأنانية، ويتركوا خطاياهم، ويطلبوا المَغفرة من الله. وهذا يسترعي الانتباه بأن البُشرى السَّارة عن مَجِيء المسيح بدأت بانتفاضة دينيَّة، وليس بثورة سياسيَّة كما هو في العادة. والمناداة بالبِشارَة هي من لغة المسيحيَّة القديمة (1 تسالونيقي 2: 9)، وقد أطلقها لوقا الإنجيلي على مناداة يسوع الأولى العلنيَّة (لوقا 4: 18-19) وعلى تبشيره العادي (لوقا 4: 44) وعلى تبشير الرُّسُل (لوقا 9: 2) وتبشير بولس الرَّسول (أعمال الرُّسُل 9: 20) وسائر المُرسلين (لوقا 8: 39). أمَّا كلمة "مَعْموديَّة" فهي تستعمل في العهد الجديد على ثلاث دلالات: تشير أولا إلى الاغتسال الذي يُمارسه اليهود للتطهير من النجاسات الطَّقسية، كما ورد في الإنجيل "وإذا رجَعوا مِنَ السُّوق، لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغتَسِلوا بِإِتْقان. وهُناكَ أَشياءُ أُخرى كَثيرةٌ مِنَ السُّنَّةِ يَتمسَّكونَ بها، كَغَسْلِ الكُؤُوسِ والجِرارِ وآنِيَةِ النُّحاس"(مرقس 7: 4)؛ والدَّلالة الثَّانية هي مَعْموديَّة يوحَنَّا وهي معروضة لجميع النَّاس وليس لليهود فقط ولا تُمنح إلاَّ مرّة واحدة، وكان الشَّخص المُعَّمد قد قرَّر تغيير حياته متخلّيًا عن حياة الخطيئة والأنانية وعائدًا إلى الله، وهي مَعْموديَّة التَّوبة وتقوم بوضع الماء على الشَّخص إشارة إلى توبته عن الخطيئة وكُرْهِه إيَّاها وإصلاح سيرته. وبالتَّالي تُعدُّ هذه المَعْموديَّة النَّاس لعطية الملكوت، وهي عطية مَعْموديَّة السَّيد المسيح "أنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأَمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس"(مرقس 1: 8). أمَّا الدَّلالة الثَّالثَّة فتشير إلى مَعْموديَّة يسوع؛ وهي ترتبط بموت المسيح وقيامته " وهي رَمزٌ لِلمَعْموديَّة الَّتي تُنَجِّيكُم ُالآنَ أَنتم أَيضًا، إِذ لَيسَ المُرادُ بِها إِزالَةَ أَقْذارِ الجَسَد، بل مُعاهَدةُ اللهِ بضميرٍ صالِح، بِفَضْلِ قِيَامَةِ يسوعَ المسيح" (1بطرس 3: 21)، وتحتوي على التَّحوّل الباطني " توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات" (متى 3: 2)، وتهدف إلى مغفرة الخطايا. وهي هبة من ملكوت الله المُعلن عنه. أمَّا كلمة " التَّوبة " في الأصل اليُونَاني (μετάνοια) (معناها تغيير في العقلية، وتغيير في القلب ثم في العمل) فتشير في العهد الجديد إلى معنى أعمق وهو رجوع الإنْسَان إلى نفسه لتغيير في عقليته وسلوكه (لوقا 3: 1-20). فالتوبة تدلُّ على موقف به يتحوّل الإنْسَان من الخطيئة إلى البِرِّ، وتبديل الحياة والانفتاح على ذاك الذي يُهيئ له يوحَنَّا الطَّريق، وعودة غير مشروطة إلى المسيح. وعلامة التَّوبة هي قبول المَعْموديَّة على يد يوحَنَّا. ومن هنا يُستدل على أنَّ يوحَنَّا كان يقف في خط الأنبياء الذين نادوا بالتَّوبة (هوشع 5: 3-4). وقد بدأ يوحَنَّا يكرز بالتَّوبة في منطقة الأُردُنِّ مُستخدمًا المَعْموديَّة علامة للتوبة مُتمِّمًا بذلك نبوءة أشعيا "أغتَسِلوا وتَطَهَّروا وأَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم مِن أَمامِ عَينَيَّ وكُفُّوا عنِ الإِساءَة"(أشعيا 1: 16). وهذه التَّوبة هي استعداد لنوال الخلاص، وهي تُعدُّ النَّاس لعطيَّة الملكوت. أمَّا عبارة "غُفرانِ الخَطايا" فتشير إلى تبدُّل القلب، والإقرار بالخطايا والانطلاقة في حياة جديدة. وتوضِّح هذه الآية ماهية خدمة يوحَنَّا المَعمَدانُ الإعدادية وتأثيرها ورسالته وقوتها الأدبية، وهي" ِمَعْموديَّة تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا" لإعداد قلوب النَّاس لملاقاة المسيح.



5 وكانَت تَخرُجُ إِليه بِلادُ اليَهودِيَّةِ كُلُّها وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم، فيَعتَمِدونَ عن يَدِه في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخطاياهم



تشير عبارة " بِلادُ اليَهودِيَّةِ كُلُّها " إلى كل سكان اليهودية (متى 3: 5) ومن جملة من خرج إلى يوحَنَّا المَعمَدانُ الفريسيون والصَّدوقيون (متى 3: 7) والعشَّارون (لوقا 3: 12) وأغنياء وفقراء (لوقا 3: 10)، وتشير هذه العبارة أيضا إلى أرض يهوذا بما فيها الجليل (لوقا 7: 17) مما يدل على الاهتمام الكبير الذي لقيته كرازة يوحَنَّا في العَالَم اليهودي. أمَّا عبارة " وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم " فتشير إلى ترك أهل أورشليم الهيكل والذَّبائح، لأنَّها لم تَعدْ تروي ظمأ حياتهم، ويخرجون إلى البَرِّيَّة حيث يصدح صَوت يوحَنَّا المَعمَدانُ الذي يدعو إلى التَّوبة والاعتراف بالخطايا ونيل المغفرة للدخول في طريق الرّب يسوع. أمَّا عبارة "فيَعتَمِدونَ " فتشير إلى مَعْموديَّة يوحَنَّا المَعمَدانُ الذي يُعطى مرة واحدة، ويُعطى للجميع، وبالتَّالي يتميَّز عن الاغتسال الطَّقسي اليهودي، وبما انه يرتبط بالتَّوبة، فهو يُهيَّأ للمَعْموديَّة التي حملها يسوع "أنا أُعمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة، وأمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار"(متى 3: 11). أمَّا عبارة "نَهرِ الأُردُنِّ " فتشير إلى أكبر نَهر في فلسطين الذي يفصل بينها وبين الأُردُنِّ، وينبع من جبل الشَّيخ (حرمون)، وله أربعة روافد: الرَّافد الشَّرقي في بانياس، والرَّافد الأوسط وهو تل القاضي (دان)، وهو أكبر الرَّوافد جميعًها، والرَّافد الشَّمالي هو نَهر الحاصباني. والرَّافد الغربي هو نبع براغيث، أصغر هذه الرَّوافد. ويخترق نَهر الأُردُنِّ بحيرة الحولة وبحيرة طبرية ويصب في البحر الميت. ويبلغ طول المسافة بين الطَّرف الجنوبي لبحيرة طبرية إلى البحر الميت تبلغ نحو 105 كم. وأمَّا طوله الإجمالي نحو 251 كم، وقد وقعت هناك الأحداث الهامة في تاريخ شعب العهد القديم. فعند نَهر الأُردُنِّ جَدّد هذا الشَّعب عهدهم مع الله (يشوع 1، 2) ودعاهم يوحَنَّا المَعمَدانُ في نفس المكان أن يفعلوا نفس الشَّيء. أمَّا عبارة "مُعتَرِفينَ بِخطاياهم" فتشير إلى اعتراف الإنْسَان بخطاياه بالقول، لا بمجرد القيام بالحركة كرتبة التَّكفير (أحبار 5: 5). فكان النَّاس يُقرّون بخطاياهم بفَمِهم، وفي الوقت عينه يغتسلون كعلامة خارجية رمزية للتوبة. نشير هنا أنَّ العهد القديم عرف الاعتراف بالخطايا الذي يدلُّ على عودة الإنْسَان إلى الله للحصول على الغفران. ويعبّر الاعتراف عن التَّوبة إلى الله لنيل الغفران كما يؤكد ذلك صاحب المزامير: "ْأَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمتُ إِثْمي"(مزمور 32: 5). وحافظت الكنيسة على هذا الإقرار بالخطايا (الاعتراف) منذ انطلاقتها الأولى مع بطرس الرَّسول الذي دعا المؤمنين إلى التَّوبة والمَعْموديَّة لتُغفر خطاياهم "توبوا، وَلْيَعتَمِدْ كُلٌّ مِنكُم بِاسمِ يسوعَ المَسيح، لِغُفْرانِ خَطاياكم، فتَنالوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُس" (أعمال الرُّسُل 2: 38). يُبين مرقس الإنجيلي في هذه الآية كيف يقبل النَّاس مَعْموديَّة التَّوبة.



6 وكانَ يوحَنَّا يَلبَسُ وَبَرَ الإِبِل، وزُنَّارًا مِن جِلْدٍ حَولَ وَسَطِه. وكانَ يَأكُلُ الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ



تشير عبارة "وَبَرَ الإِبِل" إلى جِلْد الإبل، وهو لِباس الأنبياء (زكريا 13: 4). فكان يوحَنَّا شبيهًا بإيليا النَّبِيِّ في مَلابِسه (2 ملوك 1: 8)، وذلك للتمييز بينه وبين القادة الدِّينيِّين الذين كانت ثيابهم الفَضْفاضة الكبيرة الطَّويلة تعكس كبرياءَهم العظمية في مراكزهم. وقد رأى يسوع إيليا في شخص يوحَنَّا المَعمَدانُ "إِنَّ إِيلِيَّا قد أَتى، فلَم يَعرِفوه، بَل صَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا ...فَهِمَ التَّلاميذُ أَنَّه كَلَّمهم على يوحَنَّا المَعمَدانُ" (متى 17: 12-13). أمَّا عبارة "زُنَّاراً مِن جِلْدٍ حَولَ وَسَطِه" فيُعلق عليها القدّيس مكسيموس الطَّورينيّ " إنّ حزام الجلد يعني أنّ جسدنا الضعيف، المائل نحو الرَّذيلة قبل مَجِيء المسيح، سوف يقوده الرَّبّ نحو الفضيلة" (العظة 88). وأمَّا عبارة "الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ " فتشير إلى طعام يوحَنَّا المَعمَدانُ وهو طعام الفُقراء الذين يعيشون في البَرِّيَّة (الأحبار 11: 21-22)، ومن هذا المُنطلق، فإن ملابس يوحَنَّا وطعامه كانت تدلُّ على الزُّهْد والتَّخلي عن اهتمامات العَالَم. أمَّا عبارة " الجَرادَ " في الأصل اليُونَاني ἀκρίδας فتشير إلى نوع من الحشرات من فصيلة الجُنْدب الذي هو مشهور بكثرة عدده وشدَّة شراهته. والنَّوع المذكور بكثرة في الكتاب المقدس هو النَّوع الاعتيادي المسمّى باللاتينية Oedipoda Migratoria : طول الواحدة منها 5سم أو أكثر لها أربعة أجنحة، الأمَامِيَّان أضيق والخلفيَّان واسعان شفافان، وللواحدة ست أرجل تمشي على أربع، وتقفز باثنين. وللجراد فم قارض يقرض أوراق الشَّجر والأعشاب والبراعم والزُّهور والثَّمار. وكان الجراد يعتبر في الشَّريعة من الحشرات الطَّائرة (لاويين 11: 21 و22). كان يوحَنَّا المَعمَدانُ يأكله ولا يزال يؤكل في بعض بلدان الشَّرق (متى 3: 4) وغالبًا كان الأسينيُّون يأكلونه. ويؤكل بقطع أرجله وأجنحته ورأسه ونزع أمعاؤه ثم يشوى اللحم الباقي على نار هادئة، وقد يقلى في الزَّيت أو يُجفف في الشَّمس ويُسحق، ثم يحفظ إلى حين الحاجة فيستعاض به عن الدَّقيق. أمَّا عبارة "العَسلَ" فتشير إلى نتاج النَّحل، الذي يأوي إلى الأشجار وشقوق الصَّخر. وورد ذكره في الكتاب المقدس في مواضع متعدِّدة، منها استعماله كطعام، مع اللبن والزِّبد (2 صموئيل 17: 29 وأشعيا 7: 15). ويعلق القدّيس مكسيموس الطَّورينيّ على ملابس وطعام يوحَنَّا بقوله " أيَّ علامة للتواضع لدى نبيّ أكبر من احتقار الملابس النَّاعمة وارتداء الوبر الخشن؟ أي علامة للإيمان أعمق من أن يكون المرء دائم الجهوزيّة للخدمة، وزنّاره حول وسطه؟ هل هناك علامة عن العفّة أكثر إشعاعًا من التَّخلّي عن ملذّات الحياة ليكون الطَّعام جرادًا وعسلاً بريًّا؟".


7 وكانَ يُعلِنُ فيَقول: ((يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنيِّ، مَن لَستُ أهلاً لِأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه



تشير عبارة "يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنيِّ" إلى يسوع المسيح الذي هو أعظم من يوحَنَّا المَعمَدانُ بالرَّغْم من اعتبار يوحَنَّا المَعمَدانُ أولَّ نبيٍ بعد أربعمائة سنة، أي بعد ملاخي النَّبِيِّ الذي كتب آخر أسفار العهد القديم. فالأقوى يأتي في الأخير؛ أمَّا عبارة "مَن هو أَقوى مِنيِّ" فتشير إلى صِفة الله في العهد القديم (دانيال 9: 4) وإلى المسيح المُنتظر في العهد الجديد أيضًا، وتدلُّ هذه العبارة هنا على شهادة يوحَنَّا لِمدى قوَّة المسيح، والقوَّة هي من صفات المسيح المُنتظر (أشعيا 11: 2)، وستظهر هذه القوَّة في مقاومة يسوع للشَّيطان (مرقس 3: 27). ويُعلق القديس أمبروسيوس " لا يوجد من هو أقوى من المسيح، دليل ذلك أن يوحَنَّا لم يشأ أن يُقارن نفسه بالمسيح بقوله: لَستُ أهلاً لِأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه"؛ والجدير بالذكر أنَّ الرُّومان يُحبُّون القوَّة. يُصوِّر إنجيل مرقس لهم المسيح القوي، ويُعطي المؤمنين قوة : "والَّذينَ يُؤمِنونَ تَصحَبُهم هذهِ الآيات: فبِاسْمي يَطرُدونَ الشَّياطين، ويَتَكَلَّمون بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها، ويُمسِكونَ الحَيَّاتِ بِأَيديهِم، وإِن شَرِبوا شَرابًا قاتِلاً لا يُؤذيهِم، ويضَعونَ أَيديَهُم على المَرْضى فَيَتَعافَون"(مرقس 17:16-18)؛ أمَّا عبارة "مَن لَستُ أهلاً لِأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه" فتشير إلى يوحَنَّا الذي اعتبر نفسه عَبْدًا غير مُستحقٍ أن يكون خادمًا للمسيح؛ أمَّا المسيح فقد قال عن يوحَنَّا المَعمَدانُ أنه " لَيسَ في أَولادِ النَّساءِ أَكبَرُ مِن يوحَنَّا " (لوقا 7: 28)؛ أما عبارة " أَنَحنِيَ " فتشير إلى طَأْطَأَة رَأْسَ يوحَنَّا المَعمَدانُ أَمامَ يسوع إِجْلالاً وَاحْتِرامًا، وهي إضافة ما قاله لوقا ويوحَنَّا البشيرَين. وأمَّا عبارة "أَفُكَ رِباطَ حِذائِه " فتشير إلى ربط الحذاء أو حلّه الذي هو كان من أعمال العبيد (يوحَنَّا 13: 4-17) ذاك هو موقف يوحَنَّا المعمدان أمام يسوع. ويُعلق القديس يوحَنَّا الذَّهبي الفم " اليد التي أكد يوحَنَّا المَعمَدانُ أنَّها غير مستحقة أن تمسَّ حذائه وضعها المسيح على رأسه "، وفي الواقع ما بدأ به يوحَنَّا المعمدان أكمله يسوع، وما اعدَّه يوحَنَّا المعمدان أتمَّه يسوع. أتى يسوع ليغفر الخطايا بالحقيقة، وهو دور الذي لا يقدر على إدائه وإتمامه سوى يسوع المسيح، ابن الله.



8 أَنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس



تشير عبارة "أَنا ...، وأمَّا هو" إلى تشديد يوحَنَّا على الفَرق بين معموديته بالماء ومَعْموديَّة المسيح بالرُّوح القُدُس. أمَّا عبارة "أَنا عَمَّدتُكم بِالماء " فتشير إلى مَعْموديَّة يوحَنَّا بالمَاء التي أعدَّت النَّاس لقبول رسالة يسوع، وكانت مَعْموديَّة يوحَنَّا فقط بالماء، وفقط للبالغين الخاطئين، تغطيسًا استعدادًا لمَجِيء المسيح المنتظر، وهي مَعْموديَّة التَّائبين. وأخذ يسوع تلك المَعْموديَّة ليُعطينا المثال الصَّالح مُتمِّمًا بتواضع "كل بِرّ". أمَّا عبارة " هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس " فتشير إلى يوحَنَّا المَعمَدان، المُبشِّر الأوّل بالمسيح الذي سيُعمِّد بالرُّوح القُدس. تقوم مَعْموديَّة يسوع على إرسال الرُّوح القُدُس إلى كل مُؤمن. يسوع لا يُعمّد بالماء، بل بالرُّوح القُدُس. إنّها مَعْموديَّة ذات طبيعة إلهيّة، وليست بشريّة. وهي ليست مَعْموديَّة توبة فقط للكبار بل هي ميلاد جديد للصغار والكبار. وتنتهي رسالة يوحَنَّا لحظة بداية رسالة يسوع. وتهدف مَعْموديَّة يوحَنَّا إلى التَّوبة، أي الارتداد عن الخطيئة والسلوك طريقًا جديدًا للحياة بحسب كلمة الرَّبّ. وتهدف معموديّتنا في يسوع المسيح بالماء والرُّوح إلى ميلاد جديد ودخول إلى ملكوت الرَّبّ كأبنائه المَحبوبين " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: ما مِن أَحَدٍ يُمكِنَه أَن يَدخُلَ مَلَكوتَ الله إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِنَ الماءِ والرُّوح" (يوحَنَّا 3: 5). وأراد مرقس الإنجيلي بمَعْموديَّة الرُّوح القُدُس أن يُشدِّد على عمل الخلاص الذي افتتحه يسوع بالرُّوح القُدُس ليُطهرنا من الخطايا ويُقدّسنا. وقد سلَّم يسوع مُهِمَّة التَّعميد بالرُّوح القُدُس إلى الرُّسُل، كما ورد على لسانه بعد القيامة: " بِأَنَّ يوحَنَّا قد عَمَّدَ بِالماء، وأمَّا أَنتُم ففي الرُّوحِ القُدُسِ تُعَمَّدونَ بَعدَ أَيَّامٍ غَيرِ كثيرة" (أعمال الرُّسُل 1: 5).





ثانيًا: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 1: 1-8)



بعد دراسة موجزة عن وقائع النَّص الإنجيلي وتحليله (مرقس 1: 1-8)، نستنتج انه يتمحور حول بِشارَة يوحَنَّا المَعمَدانُ وشهادتِه عن يسوع المسيح ابن الله.



1) بِشارَة يوحَنَّا المَعمَدانُ عن يسوع: "المسيحِ ابنِ الله "(متى 1: 1)



في مطلع إنجيل مرقس، يظهر يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، وهو يُبشِّر بانَّ يسوع هو المسيح ابن الله. "بِشارَة يسوعَ المسيحِ ابنِ الله "(متى 1: 1). ليس هذا بعنوان، بل هو الجملة الأولى التي يبدأ بها إنجيل مرقس، ولم يكن الإنجيل في ذلك الوقت كِتابًا، بل البُشرى التي يُكرز بها فيتقبلها المسيحيُّون في الإيمان، وهذا ما يؤكِّده بولس الرَّسول "إِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارَة، فهي قُدرَةُ اللهِ لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن"(رومة 1: 16). فالبُشرى يُكرز بها، ونقبلها بالإيمان.



واختار مرقس بَدء إنجيله في مقاصد الله المتعلِّقة بخلق الإنْسَان وفدائه بعد السُّقوط بواسطة موت ابنه يسوع المسيح، وذلك بخلاف متى الإنجيلي الذي ابتدأ بذكر نَسب المسيح (متى 1: 1-16)، وبخلاف لوقا الإنجيلي الذي ابتدأ بذكر ميلاد المسيح (لوقا 2: 1-7)، وبخلاف يوحَنَّا الذي ابتدأ إنجيله بذكر الكلمة الأزلية قبل أنشاء العَالَم (يوحَنَّا 1: 1-18). يُبشِّرنا مرقس الإنجيلي أن يسوع هو المسيح المَوعود، المُرسَل من عند الرَّبّ، ذاك الّذي وُعد به كمَلك من سُلالة داود، والذي يُحقّق كُتب الأنبياء، ثم يقول أيضًا أن هذا الإنْسَان هو ابن الله، وأنّه هو الرَّبّ نفسه. ومن هذا المُنطلق، ليسوع لَقَبان هما: المسيح وابن الله.



(ا) يسوع هو المسيح:



المسيح في اليُونَانية Χριστός مُشتقَّة من العِبريَّة הַמָּשִׁיחַ المشيح، الذي أنْبأ به الأنبياء ومهّدوا له السَّبيل، ومنهم يوحَنَّا المَعمَدانُ في الزَّمن الذي دوّن فيه مرقس إنجيله، وكان هذا اللّقب يُعبّر عن إيمان الكنيسة بيسوع. والمسيح في الأصل هو الممسوح بالزَّيت من اجل خدمة مُعيَّنة. ويُمسح المَلك (1 صموئيل 16: 10) والكاهن (خروج 40: 13-15) والنَّبِيِّ، ولكن الشَّعب لم ينتظر مسيحًا مثل سائر المُسحاء، بل انتظر المسيح. وفي المسيحيَّة، المسيح هو الكلمة المُتجسِّد والمتألم والقائم من بين الأموات. وكتب متى الإنجيلي إنجيله إلى اليهود مُبيِّنًا لهم أنَّ يسوع هو المسيح الموعود في نبوءات العهد القديم باقتباس خمسًا وسبعين نبوءة تمَّت به.



ورد مرة واحدة في إنجيل مرقس حقيقة أنَّ يسوع هو المسيح، وذلك لمّا شهد بطرس بأنَّ يسوع هو المسيح في قيصرية فيلبس جوابًا لسؤال يسوع "ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟)) فأَجابَ بُطرس: ((أَنتَ المسيح" (مرقس 8: 29)، فباسم التَّلاميذ أجاب بطرس. وهي المَرَّة الأولى الذي يظهر هذا اللّقب منذ بداية إنجيل مرقس. هذا هو الجواب الذي توصّل إليه التَّلاميذ، وهو الجواب لسؤال طرحه التَّلاميذ على أنفسهم بعد تسكين العاطفة "مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟" (مرقس 4: 41). ولكن يسوع أرغمهم حالاً على السُّكوت "فنَهاهُم أَن يُخبِروا أَحَدًا بِأَمرِه" (مرقس 8: 30)، لانَّ هذا السِّر المسيحاني مُرتبط مع إعلان الآلام والقيامة حيث أنَّ يسوع له رسالة يجب أن يتمِّمها، وإلى ذاك الوقت يجب ألاّ يُعلن انه المسيح. فقد جاء المسيح إلى الأرض كالعَبد المتألم، ولكنَّه سيأتي ثانية كالمَلك الدَّيَّان الظافر على كل الأرض.



لم يقبل يسوع بهذا اللّقب إلاّ خلال محاكمته لمَّا سأَلَه عظيمُ الكَهَنَةِ قالَ له" أَأَنتَ المسيحُ ابنُ المُبارَك؟ فقالَ يسوع: أَنا هو. وسَوفَ تَرونَ ابنَ الإنْسَان جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء" (مرقس 14: 61). عندئذٍ قَبِلَ يسوع لَقَب "المسيح" للدلالة على نفسه، ولكنه يُضيف "وسَوفَ تَرونَ ابنَ الإنْسَان جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء" (مرقس 14: 62). وهكذا ينسب يسوع لنفسه عرشًا سَماويًّا ليُمارس دينونة تشمل الكون كلَّه. انه يجلس عن يمين الله فيُقاسم الله الآب صلاحياته الإلهية ووظائف محفوظة له تعالى. وهكذا صرَّح يسوع انه المسيح بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة؛ وفي إنجيل مرقس كان جواب يسوع مباشرًا واضحًا " أَنا هو" (مرقس 14: 61)؛ أمَّا في إنجيل متى فجواب يسوع كان غير مباشر "هو ما تقول" (متى 26: 64)، وأوضح يوحَنَّا ذلك بقوله " قالَ يسوع إِنَّ اللهَ أَبوهُ، فَساوى نَفْسَه بِالله" (يوحَنَّا 5: 18).



(ب) يسوع هو ابن الله



كتب مرقس إنجيله إلى الأمم فأخذ يُبيِّن لهم إنَّ يسوع ابن الله وسمَّاه كذلك. وبرهن على ذلك بأعمال يسوع الخَارقة الطَّبيعة فيما أظهره من المعجزات وأعمال الرَّحمة. وليس المُراد بكون المسيح ابن الله انه مخلوق أو مُجرد الحبيب إليه بل المُراد به أنَّ جوهر الابن هو جوهر الآب، وانه مساوٍ له في القدرة والمجد "هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت" (متى 3: 17).



لم يوحي الله في إنجيل مرقس أنَّ يسوع هو المسيح المُنتظر فحسب، بل أوحى أيضًا أنه ابن الله، وأكَّد ذلك في أثناء المَعْموديَّة "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت"(مرقس 1: 11). هذا هو وحي إلهي يكشف منذ البداية بأنَّ يسوع هو ابن الله حقًا. لكن النَّاس يتساءلون حول ذلك، والشَّياطين يعرفون. إذ يُعلن يسوع تعليمه في ملكوت الله، ويُعطي علامات لهذا لملكوت بأقواله وأفعاله، ولكنَّه لم يتكلم عن شخصه (مرقس 1: 14-15)؛ ولمَّا شفى الرَّجل الذي فيه روحٌ نجسٌ في مجمع كفرناحوم صاح الشَّيطان "ما لَنا ولكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله" (مرقس 1: 24). الله وحده قدوس وقداسته تشمل كل ما هو له أو ما كُرِّس له: يسوع هو قدوس الله بكل معنى الكلمة، لأنَّه المسيح ابن الله.



أعلن الله بانَّ يسوع هو ابن الله أيضًا عند التَّجلي "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يَقول: هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب، فلَهُ اسمَعوا "(مرقس 9: 7)، هذا الإعلان يَستعيد إعلان المَعْموديَّة. والصَّوت هو صَوت الله. فلا مجال إلى الالتباس. ويذكّر هذا الإعلان للبنوَّة الإلهيَّة بالإعلان نفسه عند اعتماد يسوع (متى 17: 5).



إن عبارة "الابن الحبيب" تعني الابن الوحيد الذي يرتبط بالآب بعلاقة لا مثيل لها، بعلاقة لا يُمكن أن تكون لأي إنسان. في المَعْموديَّة وُجِّه الصَّوت إلى يسوع: "أنت هو ابني الحبيب". وفي إنجيل مرقس، لم يكن أحد حاضرا أو شاهدًا. كان الوحي سِرِّيًا موجّه إلى يسوع. أمَّا هنا في التَّجلي فوُجّهت كلمة الله إلى التَّلاميذ الثَّلاثة: وهي وحي خاص منحه الله لثلاثة شهود فقط، وهذا الوحي هو سِرِّي أيضًا، كما أوصاهم يسوع بعد التَّجلي "بَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل أَوصاهم أَلاَّ يُخبِروا أَحدًا بِما رَأَوا، إِلاَّ متى قامَ ابنُ الإنْسَان مِن بَينِ الأَموات" (مرقس 9: 9). نحن أمام سِرّ إلى أن يتحقق مخطط الآلام والقيامة، لأنَّ نبوءة يسوع حول سِرّ موته وقيامته لا يُفهم إلاّ عندما يتمَّ مشروع الخلاص.



منذ ذلك الوقت لا يتلفظ بلَقَب "ابن الله" إلاَّ الشَّياطين. لانَّ الشَّياطين كانوا يعرفون يسوع على حقيقته: انه هو ابن الله، وأخذوا يذيعونه، كما ورد في الإنجيل "وكانتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: َأنتَ ابنُ الله!"(مرقس 3: 11)، لكنَّ هذا الأمر يجب أن يبقى سِرًّا، لذلك "كانَ يَنهاها يسوع بِشِدَّةٍ عن كَشْفِ أَمرِه" (مرقس 3: 12).



يعرف الشَّياطين أنَّ يسوع هو ابن الله، والنَّاس لا يعرفون، وكانوا يتساءلون: من هذا؟ بعد أن شفى يسوع الرَّجل النَّجس في كفرناحوم، وكشف عن سلطانه " دَهِشوا جَميعًا حتَّى أَخذوا يَتَساءَلون: ما هذا؟ إِنَّهُ لَتعليمٌ جَديدٌ يُلْقى بِسُلْطان! حتَّى الأَرواحُ النَّجِسَةُ يأمُرُها فَتُطيعُه" (مرقس 1: 27). وبعد أن سكَّن يسوع العَاصفة، قال التَّلاميذ فيما بينهم "مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟ " (مرقس 4: 41).



لم يُعلن يسوع لَقَب ابن الله إلا خلال محاكمته أمام رئيس الأحبار، إذ "فسأَلَه عظيمُ الكَهَنَةِ ثانيةً قالَ له: أَأَنتَ المسيحُ ابنُ المُبارَك؟ فقالَ يسوع: أَنا هو. وسَوفَ تَرونَ ابنَ الإنْسَان جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء" (مرقس 14: 61-62). وأخيرًا تلفظ بهذا اللّقب الضَّابط الرُّوماني الوثني عند قدم الصَّليب "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا!" (متى 15: 39). وفي الواقع، يمكن تقسيم إنجيل مرقس إلى جزأين: ينتهي الأول بإعلان بطرس إيمانه بان يسوع هو المسيح "سأَلَهم يسوع: ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟ فأَجابَ بُطرس: أَنتَ المسيح" (مرقس 8: 29). أما الجزء الثَّاني فيدور حول اعتراف قائد المائة بان يسوع هو ابن الله " فلَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ الواقِفُ تُجاهَهُ أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هكذا، قال: كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا! " (مرقس 15: 39). اكتشف قائد المئة من خلال ذلك الموت حضور الله وظهوره بين البشر، فأُعلن عند الصَّليب حقيقة جديدة تتمثّل في موت الله من أجل الإنْسَان.



نستنتج مما سبق أنَّ يسوع هو المسيح، وطريقته تختلف عن طريق البَشر، فهو ليس كما ينتظرونه يستولي على المُلك، بل هو المسيح المَصلوب، ابن الله. هذه هي الفكرة الأساسيَّة في إنجيل مرقس، والتي يريد أن ينشرها بين المسيحيِّن. وحاول يوحَنَّا المَعمَدانُ أن يُعلن عن هذه الحقيقة وقبولها، وذلك بالتَّوبة عن طريق الاعتراف بخطايانا ونيل المغفرة. فلا بُدَّ من مسيرة توبة والتَّخلص من تصوراتنا الزَّائفة عن الرَّبّ وعن أنفسنا من أجل الوصول إلى إعلان الإيمان على مثال قائد المئة الوثني. وهكذا يبشِّرنا أنجيل اليوم أن يسوع المسيح هو طريق خلاصنا، وهو ينتظرنا على شرط أن نذهب إليه بالتَّوبة الصادقة.



2) رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ: التَّوبة



لم يكتفِ يوحَنَّا المَعمَدانُ في إعلانه أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله، إنما أعَدَّ الطَّريق إلى قبول يسوع المسيح ابن الله بكرازته بالتَّوبة. فكانت رسالة يوحَنَّا مبنية على التَّوبة: " توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات " (متى 3: 2). وقال للّذين جاؤوا ليعتمدوا منه: " أَثمِروا إِذًا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قاِئلين: إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم)). فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم" (لوقا 3: 8). ويسوع بالذَّات افتتح دخوله في العَالَم بكلمات التوبة: "تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات " (متى 4: 17).



بناء على دعوة من الله، بدأ يوحَنَّا يُكرز بالتَّوبة في منطقة الأُردُنِّ مستخدمًا المَعْموديَّة علامة للتَوبة، مُتمِّمًا بذلك نبوءة أشعيا (40: 3-5). إنَّه حذَّر الجماهير الذين جاؤوا ليعتمدوا بالماء أن يصنعوا ثمارًا تليق بالتَّوبة، وأعلن أنَّ المسيح المُنتظر آتٍ بعده من جهة الظهور التَّاريخي، ولكن كان قبله من جهة المَقام والأسبقية، وأنَّه سيُعمِّد بالرُّوح القُدُس مُشيرًا إلى الفَرق بين مَعْموديته بالماء ومَعْموديَّة المسيح بالرُّوح القُدُس، وهذا ما ورد في كل الأناجيل (متى 3: 11، مرقس 1: 8، يوحَنَّا 1: 33).



شهادة يوحَنَّا هي أفضل وسيلة للإعداد لمَجِيء يسوع المسيح ابن الله. فقد شهد بسيرة حياته وتعليمه وعلاقته بالمسيح. وأضح الملاك الذي بشّر زكريا الكاهن بولادة يوحَنَّا أن هذه الطَّفل سيكون نذيرًا لخدمة الله. وقد ظلَّ يوحَنَّا أمينًا لهذا النَّذر. ورسالته في العَالَم هي إعلان لمَجِيء يسوع المُخلص والمُناداة به، وقد شحذ كل طاقاته من أجل هذه المُهِمَّة فشهد أن يسوع هو المسيح ابن الله " فهَتف: "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي"(يوحَنَّا 1 :15) وأنَّه حمل الله بقوله "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العَالَم" (يوحَنَّا 1: 29). وقد طلب يسوع من يوحَنَّا أن يُعمّده، لا لأنَّه كان مُحتاجًا إلى التَّوبة، بل ليكون دليلا على اندماجه في الجنس البشري وصيرورته أخًا للجميع مُعلنّا بذلك بداية تبشيره العَلني.



ما رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ؟ ما هي إلاَّ إعداد النَّاس بالتَّوبة لمَجِيء يسوع المسيح، ابن الله. كان يوحَنَّا المَعمَدانُ يدعو النَّاس إلى ما هو أكثر من مجرد كلمات أو طقوس حيث طلب منهم أن يُغيّروا حياتهم. كانت المَعْموديَّة علامة خارجية، أمَّا العلامة الحقيقية الدَّاخلية هي التَّوبة.



وللتوبة جانبان: البُعد عن الخطيئة، والاقتراب من الله. ولكي لننال المغفرة يجب أن ننفِّذ كلا الأمرين، فلا يمكن القول إننا نؤمن بالله ثم بعد ذلك نحيا كما نشاء (لوقا 3: 3: 7-8). فلا بُدَّ أن ترتبط التَّوبة بالعمل، وإلاَّ فلا تكون توبة ً فعليَّة. ويُعلق الرَّاهب الطَّوباويّ غيريك ديغني "يوحَنَّا المَعمَدانُ هو أوّل مَن ثقَّفَ الكنيسة، وبدأ بتنشئتها على التَّوبة، وحَضَّرَها من خلال المَعْموديَّة؛ وبعد أن انتهى من تهيئتِها على هذا الشَّكل، سلَّمَها للرّب يسوع المسيح وضمَّها إليه (يوحَنَّا 3: 29). لقد علَّمَها كيفيّة العيش في الزُّهد، وبموته منَحَها القوّة على الموتِ بشجاعة. بهذا كلِّه، أعدّ يوحَنَّا "لِلرَّبِّ شَعبًا مُتأَهِّبًا" (لوقا 1: 17)" (العظة الأولى عن مولد القدّيس يوحَنَّا المَعمَدانُ).



تقوم شهادة يوحَنَّا المَعمَدانُ على المناداة " يُنادي بِمَعْموديَّة تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا" ومعنى هذا أن نحوّل وجوهنا إلى الجهة المقابلة، أن نتحول 180 درجة، أي من حياة التَّركيز على الذَّات، التي تقوم على تصرفات خاطئة مثل الكَذب، والخِداع، والسِّرقة، والنَّميمة، والانتقام، والفساد وخطايا الجِنس، إلى حياة التَّركيز على الله بإتباع طرقه ووصاياه. وأول خطوة في طريق العودة إلى الله، هي الاعتراف بالخطايا.



كانت المَعْموديَّة في مفهوم يوحَنَّا المَعمَدانُ علامة منظورة على أنَّ الشَّخص المُتعمِّد قد قرّر تغيير حياته متخليًا عن حياة الخطيئة والأنانية، والرُّجوع إلى الله. وبهذا أعدَّت مَعْموديَّة يوحَنَّا النَّاس لَقَبول يسوع مسيحًا وابن الله. والنَّاس الذين لا يعرفون المسيح، قد يحتاجون إلى إعدادهم لمقابلته، بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تعطلهم عن الاقتراب من المسيح وبتوضيح لهم حاجتهم إلى الغفران، وأنَّه يستطيع أن يعطي حياتهم معنى.



يدعونا الله من خلال مناداة يوحنا المعمدان للدخول في شركة معه تعالى. لكن تلبية نداء الله يتطلب التَّوبة. والتَّوبة تتطلب منَّا "البحث عن الرَّبّ" (عاموس 5: 4)، "البَحث عن وجهه" (هوشع 5: 15)، "الاتِّضاع أمامه" (1 ملوك 21: 29،)، "توطيد القلب فيه" (1 صموئيل 7: 3) تغيير الطَّريق، والعودة، والتَّراجع. وبكلمة أخرى، نحيد عما هو شرير ونتَّجه نحو الله. والعودة إلى الله، مما ينجم عنها تغيير في السلوك اليومي. إذا عرفنا أن نستقبل سيدنا يسوع المسيح بالتَّوبة وحِفْظ الوصايا، نُعدَّ الطَّريق له ونشهد له على مثال يوحَنَّا المَعمَدانُ فسيكون مجيئه قوتنا وراحتُنا وفرحنا وعزاؤُنا وسلامنا.



أعطى الله لكلِّ واحدٍ فينا هَدفًا يحيا لأجله، ورسالة يؤدِّيها في الحياة. والهَدف الأسمى لكلِّ واحد فينا هي "بِشارَة يسوعَ المسيحِ آبنِ الله " حيث أنَّ الخلاص قد تمَّ به تعالى. فهل نؤمن ببِشارَة الإنجيل، بِشارَة الخلاص، بِشارَة مَجِيء يسوع مسيحًا على الأرض لخلاصنا. هذا هو هدفنا الأسمى في الحياة. فهل نتمِّم رسالتنا تجاه مَجِيء يسوع المسيح مُخلصًا لنا، ثم ديانًا بقبول بالإيمان والتَّوبة والشَّهادة لذاك الذي "جاء إلى العَالَم ليشهد للحَق (يوحَنَّا 37:18)؟





الخلاصة



يوحَنَّا المَعمَدانُ لم يكن لديه أية قوة أو جاه في النَّظام السِّياسي اليهودي إلاَّ أنه كان شُجاعًا لا يخاف المواجهة ولا يقبل إنصاف الحلول. فكان يتحدَّث بسلطان لا يُقاوم. لأنه كان يتكلم بالحَق (لوقا 1: 17). وكان يحثُّ النَّاس على ترك خطاياهم ويُعمّدهم كرمز لتوبتهم (متى 3: 9) في سبيل قبول يسوع المسيح ابن الله.



كان يوحَنَّا صَوت التَّوبة المُعلن لا بكلماته فحسب، وإنَّما حتى بلباسه وطعامه، فكانت حياته كلها صَوتا صارخًا يقود النفوس نحو يسوع المسيح. وكون بِشارَة يوحَنَّا نهاية للعهد القديم، فإنها لنا خُلاصة العهد القديم وجذب ودعوة العَالَم كله للمسيح.



يقوم هدف مناداة يوحَنَّا للشعب لتقويم حياتهم، بمعنى التخلِّي عن طرقهم الأنانية، ووترك خطاياهم، وطلب المغفرة من الله، وبالتالي تصبح لهم علاقة بالله القدير بالإيمان والطَّاعة لكلمته، كما هي في الكتاب المقدس لا سيما في سفر أشعيا " تَعالَوا نَتَناقَش، يَقولُ الرَّبّ لَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كالثَّلج ولو كانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان تَصيرُ كالصَّوف " (أشعيا 1: 18-19). وكانت شهادته تلخّص كل بشارته رغمًا من أنَّها كانت مرفوضة من العَالَم غير المؤمن، كما قال يسوع إلى نيقوديموس: "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: إنَّنا نتكلَّمُ بِما نَعلَم، ونَشهَدُ بِمَا رَأَينا ولكِنَّكُم لا تَقبَلونَ شَهادَتَنا" (يوحَنَّا 11:3). ولما جاء المسيح الذي كان يوحَنَّا المَعمَدانُ ينادي به وبدأ خدمته، أتمَّ يوحَنَّا إرساليته. فاستحقَّ يوحنا من سيدنا يسوع المسيح أعظم شهادة، إذ قال " لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يوحَنَّا المَعمَدانُ " (متى 11: 11).





الدُّعاء



أيها الآب السَّماوي، إنك تُحيي فينا الرَّجاء في رؤية يوم ابنك يسوع المسيح، أشركنا في قوَّة الرُّوح القُدُس الذي ملأ يوحَنَّا المَعمَدانُ، كي نعرف كيف ننتظر مَجِيء الرَّبّ بروح الصَّلاة والتَّوبة والمحبَّة، فنكون شهودًا ليسوع المسيح في حياتنا، وذلك من خلال أعمالنا، وسيرتنا الحَميدة، وإيماننا القوي والرَّاسخ بيسوع ابن الله الحي. استجبنا أيُّها الرَّبّ المُبارك إلى دهر الدُّهور. آمين.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لما جاء المسيح الذي كان يوحَنَّا المَعمَدانُ ينادي به وبدأ خدمته، أتمَّ يوحَنَّا إرساليته
يسوع المسيح الذي هو أعظم من يوحَنَّا المَعمَدانُ
قد رأى يسوع إيليا في شخص يوحَنَّا المَعمَدانُ
تشير إلى يوحَنَّا المَعمَدانُ كما قال المسيح
وتنبَّأ بمَجِيء المسيح سبع مائة سنة قبل الميلاد ومَجِيء يوحَنَّا المَعمَدانُ


الساعة الآن 01:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024