23 - 09 - 2014, 03:30 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
ساعة الضعف
+
في تناولنا لجوانب الضعف البشري، أن الضعف النفسي والروحي
أخطر من ضعف الجسد، وأن من الأهمية أن يكتشف الإنسان نقاط ضعفه، لأنها
الثغرات التي يتسلَّل منها العدو ليوقعه في ساعة ضعفه. وعرض المقال إلى
مواقف عدد من رجال ونساء الكتاب المقدس: غلب بعضهم، وانهزم البعض الآخر
ساعة ضعفه. ويتعرَّض الجزء الثاني إلى موقفنا ساعة الضعف:
كيف نتفاداها؟
وكيف نُلاشي آثارها؟ وكيف نفيد منها ونصبح أقوياء؟
نحن وساعة الضعف:
من
هذا العرض الكتابي، الممتد عَبْرَ القرون، من حواء وإبراهيم وموسى وداود
إلى بطرس ويهوذا؛ نرى أنه ليس لأحد مناعة ضد التعرُّض للتجارب - خاصة ما
يتعلَّق بشهوات الجسد - ولكن المهم أن نعرف كيف ننجو منها؟
-
وأحداث الكتاب المقدس تكشف أن الانفلات من التجربة دون التعامل معها هو
عين الحكمة مما يُجنِّب الإنسان آلاماً كثيرة ويمنع تداعيات غير مرغوب
فيها. وهذا ما عَمَدَ إليه يوسف مستهولاً السقوط - رغم الظروف الكثيرة
المضادة - فنجا.
- والرب يحثُّنا على أن نمارس إيماننا وثقتنا في قوته ساعة التجربة، وهذه هي كلماته: «كيف لا إيمان لكم» (مر 4: 40)، «تشجَّعوا (ثقوا)، أنا هو. لا تخافوا» (مت 14: 27، مر 6: 50)، «لا تخف، آمن فقط» (مر 5: 36).
- والرسول بولس ينبِّه إلى دور مقاومة المؤمن ضد الخطية في تحقيق القصد الإلهي: «لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية» (عب
12: 4). فالبعض يدخل التجربة مهزوماً (أي متوقِّعاً هزيمته)، فيسقط
بالطبع. وبينما كان ?جيحزي? ممتلئاً رُعباً من جيش آرام الذي يحاصر
المدينة، كان ?أليشع? مطمئناً وقال له: «لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم»، وصلَّى
من أجله قائلاً: «افتح عينيه فيبصر» (2مل 6: 15-17).
فجيحزي لم يتعلَّم
الدرس عندما اشتهى فضة نعمان السرياني، فعوقب بالبرص (2مل 5: 27)، واستمر
لا يعرف كيف يُقاوم ضعفه!
- والكتاب المقدس يؤكِّد على حقيقة أن الله مُتهيِّئ دوماً لمساعدتنا. فهو «يعطي المُعيي قدرة» (إش 40: 29)، وهو «قادر أن يرثي لضعفاتنا» (عب 4: 15)، كما «يَعلَم الرب أن يُنقذ الأتقياء من التجربة» (2 بط 2: 9).
-
إن حياتنا بالإيمان لابد أن تملأنا دوماً بحقيقة أننا أولاد الله (يو 1:
12، 1يو 3: 1)، وأننا مدعوُّون للقداسة (1تس 4: 3و7)، ومآلنا أن نستوطن
عند الرب (2كو 5: 8، عب 13: 14)، فلا يليق أن نلوِّث حياتنا بالنجاسة، لا
فكراً ولا قولاً ولا فعلاً. وعلى الجانب الإيجابي، فإن تتميم خلاصنا بخوف،
وممارسة حياة القداسة:
توبة، وعبادة، وحفظاً للكلمة، وخدمة للرب،
وتجنُّباً لأوساط الشر وأبوابه؛ يحفظنا من الخيانة والميل إلى الخطية.
على
أن البعض قد يتحفَّظ من الخطية، لا من أجل الله، وإنما تحت تأثير الضغط
الاجتماعي السائد، أو خشية القانون، أو خوفاً من الفضيحة، أو حفاظاً على
السمعة، ولكنه بالتالي يصير أكثر تحرُّراً في وحدته،
أو عندما ينتقل أو
يسافر إلى مكان لا يعرفه فيه أحد؛ فيتحلَّل من التزاماته ويصبح أكثر
استجابة لفكر الشر الذي لا يزال قابعاً ولم تقتلعه التوبة. فعلينا، إذن،
تنمية الإحساس بمعيَّة الله، بغض النظر عن المكان والزمان، وحضور الناس أو
غيابهم.
ومثالنا يوسف الصِّدِّيق الذي درَّب نفسه على الشعور بحضور الله،
فأَبَى أن يُخطئ رغم الضغوط عليه كعبد، ورغم الأبواب المغلقة، وغياب
الشهود، وإغراء الخطية السهلة. وهكذا إن جاءتنا التجربة، يستطيع كل منَّا
أن يُردِّد
«كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تك 39: 9). من الأهمية بمكان، إذن، أن نجعل خطوط الاتصال بالنعمة حيَّة نشطة ومفتوحة على مدار الساعة، واثقين من وعد الله أنَّ «الروح أيضاً يُعين ضعفاتنا» (رو 8: 26).
-
إن عقلنا وإرادتنا هبة إلهية، وعلينا أن نحتفظ بهما كأسلحة للمقاومة لا
للتبرير.
ومن أوجب الواجبات أن يكون العقل مقتنعاً بجدوى الحياة مع الله
وأركانها من إيمان وأمانة وطهارة وقناعة وترفُّع عن الدنايا، وهذا يضع
حدًّا لتأثير ساعة الضعف لا نتجاوزه، فالعقل هنا يصير حليفاً لا عدواً.
-
نحن لا نعرف متى تأتي التجربة، ولا من أي اتجاه تأتي سهامها: من الخارج
(من مشهد أو صورة أو خبر أو كلمة أو حتى في حلم يرسله عدو الخير)، أم من
الداخل:
«لأنه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل» (مر
7: 21و22). وبالتالي فإن تنقية الفكر أولاً بأول، وعدم السماح لأفكار الشر
أن تستقر أو تنزوي أو تختبئ؛ يمنح الهدوء، ويحفظ السلام. ولنتعلَّم ضبط
ميولنا، لأن «مالك روحه خير مِمَّن يأخذ مدينة» (أم
16: 32). التوبة، وشركة الجسد والدم، ودوام عشرة الله بالصلاة والكلمة؛
تغسل القلب من رواسب الخبرات السيئة القديمة، وحتى من أخطاء التربية وظروف
الحياة المضادة.
ساعة التجربة ليست النهاية:
رغم
خطورة ساعة الضعف، لأنها ساعة التجربة التي لا ندرك عمق هوَّتها، إلاَّ
أنه عندما تفتقدنا نعمة الله ونثوب إلى رشدنا وتتراجع سطوة الجسد، فهي
تبقى سقطة مؤقتة قد عبرت ونأخذ منها العِبْرة. فالضربة التي لا تقتلني،
تقوِّيني، كما يقولون.
الخطورة،
إذن، ليست في الخضوع للعدو ساعة الضعف، وإنما في الاستسلام بعدها للحزن
ولوم النفس على عثرتها دون النهوض بعد الكبوة.
وفي العرض الكتابي الذي
ذكرناه في هذا السياق، رأينا البعض مثل داود وبطرس، وقد خرج كلٌّ منهما من
تجربته قوياً مُجاهداً، وتوارت نزوته في زوايا الحياة بعد تمتُّعه
بالغفران. وبعض كبار التائبين مِمَّن عاشوا هزيمة طويلة وتحالفوا مع
الشيطان، تغيَّرت حياتهم إلى الضدِّ بعد لقائهم بالمخلِّص،
وصاروا نجوماً
في سماء الكنيسة ونماذج للقداسة مثل مريم المجدلية ومريم المصرية
وأوغسطينوس وموسى الأسود. والبعض مثل قايين وعيسو ويهوذا، كانت في سقطتهم
نهايتهم بعد أن أفلتت منهم فرصة التوبة والنجاة. ومن هنا يلزم أن نعرف كيف
نتعامل مع ساعات ضعفنا: بالإفلات منها إذا التحفنا بالنعمة أو استجمعنا
جوانب قوتنا، أو بأن نلاشي آثارها إذا تعثَّرنا رغم التحذير المعلَن عن
الخطية (خاصة شهوة الجسد)
أنها «طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء» (أم 7: 26).
الوقوع
في التجربة، إذن، ليس هو النهاية؛ نقولها لا تهويناً من بشاعة الخطية،
وإنما حثّاً على الخروج من المستنقع سريعاً، والاغتسال والجهاد ضد آثار
الخطية في الفكر والكيان. فالتوبة تزيل تداعياتها؛ فنخرج من التجربة أقوى
إيماناً، وأعمق اختباراً، وأكثر احترازاً وحذراً وصحواً وسهراً.
وسوف نتعلَّم من التجربة ألاَّ نسمح بتكرارها لئلا نعطي فرصة للشيطان أن يشمت بنا، بل نردِّد المكتوب: «لا تشمتي بي يا عدوتي. إذا سقطتُ أقوم. إذا جلستُ في الظلمة، فالرب نورٌ لي» (ميخا
7: 8)؛ فنلتفت إلى ضبط الميول وسدّ المنافذ والثغرات التي يتسرَّب منها
العدو، بالجهاد والتوبة وطلب المعونة والتحفُّظ من فتور الحياة وبرودة
المحبة.
-
الله يسمح لنا بالتعرُّض للتجربة أحياناً، لكي نتيقن أننا وحدنا ضعفاء،
وأن مصدر القوة في حياتنا هو الله، وأمانتنا تضمن مساندة الله لنا في قادم
التجارب؛ فيتمجَّد الله في ضعفنا:
«ولكن لنا هذا
الكنز في أوانٍ خزفية، ليكون فضل القوة لله لا منَّا... لذلك لا نفشل، بل
وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدَّد يوماً فيوماً» (2كو 4: 7و16)،
«لأنك
حفظتَ كلمة صبري، أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على
العالم كله، لتُجرِّب الساكنين على الأرض. ها أنا آتي سريعاً. تمسَّك بما
عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك» (رؤ 3: 10و11).
- الله ينسى خطايا التائبين: «لا أذكر خطيتهم بعد» (إر 31: 34)، «لن أذكر خطاياهم وتعدِّياتهم في ما بعد» (عب 8: 12؛ 10: 17)، كي يجعلنا نبدأ ثانية ونرفع أعيننا إلى فوق دون أن ننظر إلى الخلف:
«أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدَّام» (في
3: 13). فإرادة عدونا أن يُفقدنا رجاءنا، ويُذكِّرنا بجوانب فشلنا، وأنه
لا جدوى من توبتنا المتكررة.
وعلينا - كما نطرح همومنا وأحزاننا - أن نطرح
أيضاً خطايانا السابقة التي تُبنا عنها وندمنا على فعلها، ولا نعود نذكرها
إلاَّ لكي نحذر من الوقوع في نفس الفخ، أو لرذل أي ارتداد إلى الذات.
-
لنحذر الخطايا الصغيرة ولا نستخف بها، فهي كالثعالب الصغيرة المفسدة
الكروم (نش 2: 15)، والتي تتسلَّل إلى الحياة خِفية، وربما كانت أخطر من
الخطايا الكبيرة الظاهرة (التي لا يمكن أن تتخفَّى)، لأنها تفعل فعلها في
الظلام.
-
ولنتحرَّز من أوقات ضعفنا الطبيعية، مثل المرض والإرهاق والملل والوحدة
والهموم والفشل (التي قد يستغلها عدو الخير مستخدماً نقطة الضعف)،
لكي
نضبط ردود أفعالنا (وإلى حدِّ الصمت) إزاء ما يعترضنا من مواقف صعبة أو
ضاغطة في مثل هذه الظروف لكي لا ندخل في تجربة.
-
وبحسب توجيه الكتاب المقدس، علينا نحن أيضاً عند التعامل مع مَن يعانون
ضعفاً(1) في الجسد (مثل المرضى والمسنِّين والمُعاقين بدنياً وذهنياً) أو
في النفس (صغر النفس أو ضعف الرجاء أو انهيار المعنويات)؛ أن نُقدِّم لهم
كل حبنا وألاَّ نضغط عليهم بأي حال، بل نُحسِن تقدير ظروفهم (فلا نفاجئهم
مثلاً بما يُكدِّرهم من أخبار) ولنضع في اعتبارنا أن طول فترة المرض قد
يُفقِد الكثيرين الصبر أو الإيمان (وإن كان أيوب قد اجتاز امتحانه بنجاح)،
ولنستخدم القانون الذهبي: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم» (مت 7: 12)،
ولنسترشد بآيات الكتاب: «أسندوا الضعفاء» (1تس 5: 14)،
«فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء» (رو 15: 1)، «صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء» (1كو 9: 22)، كي نجنِّبهم الانزلاق إلى التجربة.
خطورة عثرة القادة والخدَّام:
رغم
تأكيد الرب أنه «لابد أن تأتي العثرات» إلاَّ أنه في نفس الوقت دان مَن
يتسبَّب فيها (مت 18: 7).
ولكن إذا كان الخضوع للضعف بالنسبة لعامة الناس
هو خطأ، فهو يصير خطيئة وكارثة في حالة القادة
والرؤساء والآباء والمربين وكل الخدَّام، لأنهم القدوة والموجِّهون،
وعثرتهم تؤثِّر بالسلب على الكثيرين، وهي إحزان للروح القدس،
وإهدار لدم المسيح، مثلما هي فرح وراحة لقلب إبليس، وتشجيعاً لأتباعه من
مُحبي الخطية على تبرير أنفسهم.
من هنا يحتاج مثل هؤلاء المتقدمين في
الجماعة إلى جهاد أكبر والتزام أشدّ كي يسندهم راعي الخراف العظيم (عب 13:
20) في ساعات الضعف من أجل سلامة رعيتهم. كما أنهم يحتاجون إلى صلوات كل
الكنيسة لمؤازرتهم، لأن في انتصارهم ونموهم بركة وسنداً للكنيسة كلها،
خاصة أعضاؤها المجاهدة أو الضعيفة.
+
ربما جاز أن نقول في النهاية أن في الضعف، رغم كل شيء، فضيلة مركَّبة: ففي
ضعفنا نكتشف حاجتنا إلى الله، كما نكتشف أن القوة ليست جزءاً من طبيعتنا،
وإنما هي عطية الله القوي. وهذا يجعلنا ننكر ذواتنا، ونضع كل اتكالنا على
الله، ونتعلَّم أن نحترس ونتحرَّز وندقِّق بحكمة (أف 5: 15).
كان
بولس الرسول قريباً إلى قلب الرب حتى أنه اختُطِف إلى السماء الثالثة حيث
الفردوس، وسمع ما لم يستطع أن يفوه به. ولكن إبليس ظل يترصَّده ويلطمه بما
سمَّاه بولس: «شوكة في الجسد»، والتي من أجلها تضرَّع إلى الرب ثلاث مرات
أن تُفارقه هي والعدو، ولكن الرب كلِّي الحكمة تركها ولم يرفعها، لأنه رأى
فيها بركة لحياة بولس وخدمته (?لئلا يرتفع بفرط الإعلانات?)، وقال له:
«تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكْمَل»، وكان رد بولس مُلهِماً لنا كلنا:
«فبكل
سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحلَّ عليَّ قوة المسيح. لذلك أُسرُّ
بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأني
حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي» (2كو 12: 2-10).
فكلما
اتضعنا عملت فينا قوة الله وهي تعالج ضعفنا. وبعض المتقدِّمين روحياً لا
يسألون من أجل رفع التجربة،
وإنما هم - تسليماً لمشيئة الله - يطلبون فقط
حضور الله فيها، فهذا ينزع منها أشواكها، ويعطيهم بركاتها، ويجعل لمداها
حدّاً لا تتعدَّاه؛ واثقين من الوعد أنَّ
«الله أمين، الذي لا يَدَعُكُم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا» (1كو 10: 13).
نعم، يمكن أن يصير ضعفنا قوة «لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي».
دكتور جميل نجيب سليمان
|