|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الظروف السياسية: عاش إشعياء النبي في وقت قيام القوى العظمى في العالم والصراع بينها. بدأ هذا الصراع بين مصر وأشور على السيطرة على العالم في ذلك الحين، وفي أيام إشعياء الأخيرة كان الصراع بين أشور وبابل، وكان مبدأ هذه الدول هو: "القوة هي الحق". أما أثر هذا الصراع على إسرائيل (مملكة الشمال) ويهوذا فيظهر مما ورد في ملوك الثاني (15-17): * قدم منحيم ملك إسرائيل فضة لفول الآشوري ليتركه في مملكته (2 مل 15: 19-20). * في الأيام الأخيرة من عزيا حيث تسلم إشعياء رسالته، غلب تغلث فلاسر الآشوري فقح ملك إسرائيل (2 مل 15: 29)؛ وقام الأخير بتخريب جيش آحاز ملك يهوذا حيث قتل 120 ألفًا وحمل 200 ألفًا إلى السامرة كمسبيين، كما تحالف مع رَصِين ملك سوريا ضد يهوذا، وذلك لأسباب سياسية. فقد أرادا من يهوذا أن يتحالف معهما ويستندا على فرعون مصر لمقاومة أشور، لكن يهوذا رفض ذلك، مفضلًا الالتجاء إلى أشور ضدهما. لا أريد الدخول في تفاصيل الأحداث السياسية، إنما ما حدث هو أن هوشع قتل فقح، وأن الأول خضع للجزية لأشور (2 مل 17: 3) غير أن شلمنأسَر الآشوري لم يثق فيه فسجنه وحاصر السامرة 3 سنوات ثم سبي إسرائيل (2 مل 17: 4 6)، وكان ذلك سنة 722 ق.م. إن كانت السامرة عاصمة الأسباط العشرة في أنانية تحالفت مع آرام سوريا ضد يهوذا، فإن يهوذا من جانبه أخطأ فقد أرسل آحاز إلى تغلث فلاسر يقول له أنه عبده وابنه يطلب نجدة ضد سوريا وإسرائيل (2 مل 16: 7)، مقدمًا خزائن الهيكل والقصر هدية لأشور. وبالفعل سنده، لكن تغلث فلاسر احتقره فيما بعد ولم يسنده (2 أي 28: 20-21). بعد ذلك قام سنحاريب بجيش عظيم ليستولي على يهوذا في أيام حزقيا بن آحاز وقد سمح الله بتدمير كثير من المدن لكنه حافظ على أورشليم إلى حين. عاش إشعياء النبي في هذا الجو بقلب ناري ملتهب حبًا نحو شعبه. فكانت نفسه مُتمرّة بسبب الانقسام بين أفرايم ويهوذا الذي بلغ أقصاه بتحالف إحداهما مع دول غريبة ضد الأخرى. هذا من جانب ومن جانب آخر فقد شاهد إشعياء يهوذا يرى بعينيه ما حدث للسامرة التي تبعد حوالي 35-40 ميلًا من أورشليم، وما حدث لها من خراب (إش 22: 1) ومع هذا ازداد يهوذا في الشر والعناد. كان إشعياء - كرجل قومي - منشغلًا بأورشليم عاصمة يهوذا ومدينة الله، كانت مركز أحلامه وآماله، كثيرًا ما يتحدث عنها، لكنه في صراحة يصف نجاساتها وفجورها، معلنًا نضاله لا لأجل حمايتها سياسيًا فحسب وإنما لأجل تقديسها لحساب الله القدوس. إشعياء، كرجل سياسي حكيم وبإرشاد روح الله القدوس، أدرك شئون عصره والأحوال التي كانت سائدة. فقد تنبأ عن سقوط دمشق والسامرة وامتداد سلطان أشور على الشرق الأوسط (إش 7)، كما امتد نظره -بروح النبوة- إلى مستقبل أبعد ليرى بابل وخطرها المحدق بيهوذا (إش 39)، وبروح الرجاء يعلن عن عودة الشعب كله -جميع الأسباط- من السبي البابلي. رأى إشعياء في أشور (وبعد ذلك بابل) أداه تأديب إلهي لإسرائيل وأيضًا ليهوذا، ولم يكن بنو يهوذا قادرين على تصديق غزو أشور لأورشليم. لقد أكد النبي أن التاريخ كله والشعوب في يدّ الله يستخدمهم من أجل توبة شعبه ورجوعه إليه... وأنه لا علاج حتى لمشاكلهم السياسية بغير التوبة. تمسك إشعياء بكلمة الحق في قوة وبسلطان الروح، ففي شجاعة يقول لآحاز الملك: "هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضًا؟!" (إش 7: 13)، كما وبخ الشعب كفاعلي شر (إش 1: 4)، ودعى العظماء "قضاة سدوم" (أش 1: 10)، وسخر بالأعداء الثائرين في وقت كانت فيه أورشليم ترتعب منهم حاسبًا إياهم كشعلة مدخنة (إش 7: 4)... ومع هذا نراه يئن قلبه لأنَّات موآب (إش 15: 5) ويرثى لسقوط بابل (إش 21: 4، 10؛ 22: 4). |
|