إطعام أربعة آلاف رجل
آ32. وإنَّ يسوعَ دعا تلاميذَه وقالَ لهم: إنّي مشفقٌ على هذا الجمعِ لأنَّ لهم معي ثلاثة أيّام وليس لهم ما يأكلون ولا أريد أن أطلقَهم صيامًا لئلاّ يَضعُفوا في الطريق. تظهر من هنا رغبةُ الشعب الحارَّة في استماع تعليم المسيح، حتّى سهوا أن يأكلوا. ثمَّ مزيد جدّ المسيح بتعليمهم وشفاء أعلاّهم حتّى لبث ثلاثة أيّام دون راحة وأكل ونوم. فليقتدِ به الرؤساء والرعاة. قال فم الذهب*: إن كان معهم شيء من الزاد عند حضورهم، فقد كانوا صرفوه. ولذا لم يصنع المسيح الأعجوبة الآتي ذكرها في اليوم الأوَّل أو الثاني، بل في الثالث، إذ كان نفد كلُّ شيء، ليكون أشدَّ رغبة في قبول الأعجوبة، ويقرب من التصديق أنَّ كثيرين بين جمع وافر بهذا المقدار لم يُحضروا معهم زادًا، ولذا لبثوا الأيّام الثلاثة صيامًا منشغفين بمحبَّة المسيح وعذوبته، خاصَّة وقد روى مر 8: 3 أنَّ منهم أناسًا قد وافَوا من بُعد.
آ33. فقال له تلاميذُه: من أين لنا خبزٌ في هذه البرّيَّة لنُشبِعَ هذا الجمعَ كلَّه. إنَّ التلاميذ اعتبروا الأمر بالنوع البشريّ، فرأوا أنَّه لا يمكن أن يوجد في البرّيَّة خبز يكفي كلَّ ذلك الجمع. لكنَّ المخلِّص، عند نفود الوسائط البشريَّة، يستعيض بالإلهيَّة.
آ34. فقال لهم يسوع: كم خبزة عندكم. فقالوا: سبعًا وقليلاً من سمكٍ دقيق. يبان أنَّ هذه الخبزات كانت للرسل لقوتهم، ولذا يظهر أنَّهم كانوا يأخذون معهم زادًا وإن زهيدًا، وهذا يبان أيضًا من الفصل التالي آ5 حيث قال: ونسوا أن يأخذوا معهم خبزًا. وفي أعجوبة تكثير الخبز المذكورة في الفصل السابق، كانت الخبزات خمسًا، والآن سبعًا، فذكر الإنجيليّ عدد الخبزات والرجال الذين أكلوا منها، لئلاّ يتوهَّم أحد أنَّ الأعجوبة السابقة وهذه هما واحدة.
آ35. فأمرَ الجموعَ أن يتَّكِئوا على الأرض، بالنوع الذي كانوا يغتذون به، ولكن دون مائدة وآنية. فالمسيح يُقيت خاصَّته للاحتياج والاكتفاء لا للذّةٍ وبذخ.
آ36. وأخذ الخبزاتِ السبعَ والسمكَ وسبَّح. وفي اللاتينيَّة واليونانيَّة: وشكر. وذلك يحوي باقي أجزاء صلاته، أي تضرُّعه للآب لعمل الأعجوبة، وكان يمكن المسيح بما أنَّه إله أن يكثِّر الخبزات دون صلاة، ولكنَّه صلّى كعادته بما أنَّه إنسان. وكسر وأعطى تلاميذه وأعطت التلاميذ الجموع، مكثرًا الخبز تدريجًا لدى الكسر والتوزيع، كما مر 14: 19.
آ37. فأكل جميعُهم وشبعوا ورفعوا من فضلاتِ الكِسرِ سبعةَ زنابيل مملوءة، بمقدار عدد الخبزات التي قدِّمت له أوَّلاً، وأراد جمع الكسر لذكر الأعجوبة ولئلاّ يُفقَد شيء من مواهب الله.
آ38. وكان الذين أكلوا أربعةَ آلاف ما عدا النساء والصبيان. راجع ما قيل في 14: 21 في أعجوبة تكثير الخبز الأخرى.
آ39. وحين أطلقَ الجموعَ صعدَ إلى السفينة ووافى تخومَ مِجدَل. وقرأت اللاتينيَّة: مجدن، بالنون، وهي قريبة قريبة*** من بحر الجليل، ولا تبعد عن دلمانوسا التي روى مر 8: 10 أنَّ المسيح أتى إليها، وليست هي مادان حيث مخرج نهر الأردنّ، لأنَّ مخرج الأردنّ بعيد جدًّا عن بحر الجليل. وهذه الآية تخصُّ الفصل التالي، ولذا جعلها كثيرون بدايته. فإنّ طلب الزنادقة آية من السماء كان في مجدل.