|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النمو الاجتماعي نزل ربنا يسوع المسيح إلى عالمنا لكي يُجدَّد مجتمع الإنسانية وينمَّيه، لا بالثورة، ولا بإصدار قوانين حازمة، بل بالأحرى بتجديد حياتنا الداخلية. نذكر على سبيل المثال كيف واجهت الكنيسة مشاكل المجتمع مثل مشكلة العبيد. لم تثر القيادات الكنسية على السادة ولا أثارت العبيد ضدهم، لكنها في حب قبلت العبيد أعضاء في الكنيسة لهم ذات حقوق سادتهم، حتى سيم منها أساقفة وكُرَّم الشهداء منهم. بهذه الروح قام كثير من السادة بتحرير عبيدهم أو معاملتهم بروح الأخوة، واستطاع بعض العبيد بالطاعة القائمة على الحب أن يجتذبوا سادتهم للإيمان. بالروح الهادئ الوديع قدمت الكنيسة حلولًا للمشاكل الاجتماعية عالجت الجذور الدفينة، من خلال تجديد الحياة الداخلية للإنسان، حتى يلتقي الكل معًا على صعيد الحب، فيهتم كل عضو بالجماعة، مشتاقًا أن يقدم حياته فدية عن الغير، خلال اتحاده بالمخلص الذبيح. إن عدنا إلى المراهقين على وجه الخصوص نجدهم فغي حيويتهم يمتلئون في داخلهم ثورة ضد الطبقية في المجتمع الإنساني، أو في عالم البالغين. إنهم يسعون إلى خلق عالم خاص بهم ثائر ضد كل طبقية. فلا نعجب إن رأينا فتاة تضرب بغنى أسرتها ومركزها الاجتماعي عرض الحائط لتدخل في حب مع مراهق فقير يقل عنها جدًا من جهة المستوى الثقافي أو الاجتماعي؛ وأحيانًا تصرّ فتاة بيضاء على الدخول في علاقة حب مع شخص قمحي أو أسمر اللون، ويطلب فتى متعلم الزواج من فتاة غير متعلمة، ويتاق فتى أن يتزوج فتاة تخالفه إيمانه. لا أريد هنا تقديم تعليلات نفسية لكثير من مثل هذه التصرفات. لكن بلا شك إذ يعاني غالبية المراهقين من الشعور بالنقص يحاولون معالجة المشاكل -أيا كان نوعها- بالثورة والعنف والتمرد، الأمر الذي له أثره السيئ على نمو شخصية المراهق، خاصة إن تجاهل دراسة الأمور بتعقل وتروٍ. صورة عائلة مسيحية إن كان المراهقون يطلبون نمو شخصياتهم، يليق بهم أن يهتموا بالنمو الاجتماعي جنبًا إلى جنب مع نموهم البدني والنفسي والروحي والجنسي. يليق بهم أن يدركوا أن ما يمارسوه من تصرفات تبدو في ظاهرها عنيفة إنما هي في الغالب ثورة داخلية في النفس وفقدان لسلامهم القلبي والفكري. إنهم يُعبِّرون عن ثورتهم الداخلية بثورة ضدّ قيم المجتمع والأسرة! يطلب المراهق الدخول في علاقة مع آخر من الجنس الثاني يختلف عنه ربما في الفكر والثقافة والظروف الاجتماعية حتى في الإيمان، لا لشيء إلى لينفِّس عن ثورته ضد أسرته أو المجمع. مثل هذه العلاقات لن تدم طويلًا، بل تنتهي بتحطيم حياة الطرفين، لأنها لا تحمل جذور محبة صادقة على أسس سليمة. التقيت مع شاب مراهق أصرّ أن يضع الكتاب المقدس على الأرض ويطأ عليه بقدمه أمام زملائه، ولما حاول زملاؤه المسيحيون التفاهم معه بصق على أيقونة السيد المسيح والعذراء مريم، مطالبًا إياهم أن يثبتوا له وجود الله. في جلسة هادئة مملوءة حبًا لم تزد عن دقائق أدرك الشاب أنه فعل هذا كله ليس عن جحد للإيمان وإنما كان أسير مشاعره الخفية الخاطئة، فهو ابن وحيد لوالدين شيخين، في حبهما الشديد له حطماه نفسيًا، إذ أراد أن يجعلاه أداة طيعة تتحرك حسب هواهما، متجاهلين إنسانيته وإرادته وشخصيته، لقد أحس الشاب بفقدانه لكيانه في البيت. وقد أثر ذلك على قدرته في تكوين صداقات مع زملائه، حاول علاج ذلك بالثورة على القيم الروحية والاجتماعية، حاسبًا أنه بتصرفاته الشاذة يستطيع أن يركز الأنظار عليه ويتسلم مركزًا قياديًا وسط زملائه. لكنه إذ وضع يده على جراحات نفسه الخفية بكى وعاد برجاءٍ إلى الله محب البشر. هذه الصورة تتكرر بطرق متنوعة ودرجات مختلفة، تحتاج في معالجتها إلى حكمة الروح من جانبنا، وإلى تفهُّم الشباب للنفس الداخلية، ليدركوا أن الحياة الاجتماعية بقيمها، والروحية بإمكانياتها هما سند لشخصياتهم ولنموهم وليس سجنًا يحطم نفوسهم ويقيّد أفكارهم وحريتهم. هذا وكثيرًا ما تحدث ثورة المراهقين ضد المجتمع بعاداته وقيمَه ثمرة خبرات خاطئة عاشوها أثناء طفولتهم سواء في البيت أو المدرسة أو الكنيسة،فالطفل الذي لا يختبر دفء الحب الداخلي العميق المتبادل بين والديه لا يستطيع أن يسترح لأسرته بل وأحيانًا لا يسترح للكنيسة ولا للمجتمع كله ولا لله نفسه، إذ ينظر إلى الكل من خلال عائلته الفاقدة للحب والحياة. هذه المشكلة يعاني منها أيضًا من لا يلمس أمومة الكنيسة الحانية التي تتجلى في أبوة الكاهن وحبه الروحي الهادف لبنيان كل نفس عوض تمسكه بالسلطة وحب الرئاسة وإصدار الأوامر. كثيرًا ما يترك المراهقون الإيمان في العالم كله لا لسبب آلا لفقدانهم الحب الحقيقي في حياة الوالدين أو الرعاة. إن تركنا جانبًا مسئولية الأسرة والكنيسة والمجتمع عن ثورة بعض المراهقين ضد الحياة الاجتماعية والإيمانية السائدة، نود من أبنائنا أن يدركوا عضويتهم في الجماعة، فيأخذون قراراتهم التي تمس حياتهم ونمو شخصياتهم من خلال النظرة الحكيمة القادرة على بنائهم ونموهم في كل جوانب الحياة. وهم بهذا يساهمون أيضًا في نمو الجماعة وتقدمها، عوض الثورة عليها بتصرفات تحطمهم وتهدم الجماعة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
النمو |
روح النمو |
علم نفس النمو |
النمو في الإيمان |
النمو الاجتماعى |