الكبرياء هي ارتفاع في القلب. هي حالة شخص يكبر في عيني نفسه، ويريد بالأكثر أن يكبر في أعين الناس. + وهى على نوعين: احدهما عجرفة في المظهر الخارجي: في الملبس، في الملامح، في طريقة الكلام، في المشي أو في الجلوس. هي نفخة خارجية، كأن يتكلم بنوع من التعالي، أو ينظر في عظمة، أو يجلس في عنجهية.. أو يتخير المكان البارز.. كلها كبرياء في الظاهر. + وإلى جوار هذه المظاهر، توجد كبرياء في داخل النفس، يظن بها هذا الشخص أنه شيء! يرَى أنه كبير، ويتطور إلى ما يجب أن يعامله به الغير ككبير، وما يتعامل به معهم مما يناسب عظمته!
فهو يكلم الناس من فوق، هذا إذا تنازل إلى الكلام معه..
وهو يعاملهم بمعاملة لا يقبل على نفسه أن يعاملوه بها. معتقدًا أنه يوجد فارق كبير بينه وبينهم. فهو أرفع من الناس قدرًا، أو هو أعمق منهم فكرًا ومعرفة، أو هو أكثر شهرة أو أكثر نفوذًا. ويظن دائمًا أنه على حق، وغيره على باطل. ولا يعترف مطلقًا انه قد أخطأ في شيء. ويتطلب لونًا خاصًا من الاحترام، وأسلوبًا معينًا من المعاملة. فما هي أسباب هذه الكبرياء إذن؟
ربما يكبر الإنسان في عيني نفسه من أجل مركزه، أو غناه، أو قوته، أو ذكائه، أو علمه، أو شكله وجماله، أو أناقته. أو قد يكون سبب كبريائه، ما حباه به الله من نعم أو مواهب، كالمواهب الفنية، أو القدرات الشخصية، أو بسبب مكانته العائلية. أو ربما يكبر لأسباب دينية راجعة إلى تقواه، أو لجوء البعض إليه ثقة في شفاعته!! العجيب أن غالبية المتكبرين هم من النوع الذي أحسن الله إليه!! فبدلًا من أن تقوده الموهبة إلى الشكر، ينحرف بها إلى الكبرياء! والمفروض أن يتضع الإنسان كلما كثرت مواهبه. كما قال القديسون! إن الشجرة المحملة بالثمار تنحني أغصانها إلى أسفل بسبب ثقل ما تحمله من ثمر. أما الشجرة التي بلا ثمر، فإن الريح ترفع أغصانها إلى فوق بسبب خفتها.. وهكذا فالممتلئون يكونون دائمًا متضعين أما الفارغون فيرفعون! إن المفروض هو أن يتضع أصحاب المواهب، عارفين أن هذه المواهب هي من الله لهم، وليس منهم. إنما هي موهوبة لهم من رب المواهب.. فواجبهم أن يرجعوا المجد إلى الله ولا ينسبوه إلى أنفسهم. فهكذا يقول المزمور" ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا". إذن المتضعون يشكرون الله على عطيته، ولا يمدحون أنفسهم. إذا افتخر إنسان بسبب موهبة أو تكبر، فما أسهل أن يرفعها الله منه، وتفارقه النعمة بسبب عجرفته. وإذا تكبر أحد بسبب قوته أو قدرته، فإن الله قد ينزع منه القوة والقدرة، لأنه لم يعط المجد لله وإنما لنفسه.. لهذا قال سليمان الحكيم: قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط: تشامخ الروح. لذلك إن أعطى الله لإنسان موهبة، فأحيانا يمنحه إلى جوارها ضيقة أو تجربة، لكي تحميه، خوفًا عليه من أن تجرفه الموهبة إلى التعالي!
وهكذا قيل أن الضيقات هي حافظة للمواهب من الكبرياء حقًا، ما أصعب المواهب! وما أكثر الذين لم يستطيعوا احتمالها! فقد يمنح الله بعض المواهب لإنسان، فلا يستطيع أن يحتملها، بل يمشى في الأرض مرحًا، ويرتفع قلبه في خيلاء، ولا تسعه الدنيا.. ولذلك ما أصدق القديس أنطونيوس حينما قال: إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة. المتكبر يحب السيطرة والنفوذ، ويبحث عنهما. فإذا حصل على سلطة يستخدمها إلى آخر حدودها، أو يسئ استخدامها أو قد يتجاوز حدوده وحقوقه وسلطته، ويستخدم نفوذًا ليس له، ويتسلط، ويأمر وينهى في عظمة وتعال.. أما المتواضع فلا يحب السيطرة. ولا يستخدم السلطة وهى في يده.. ولا يحب أن يأمر كثيرًا، وفي سلطانه الأمر.. وحينما يكون رئيسًا لعمل، يعامل مرءوسيه في رقة ولطف. وقد يكون حازمًا، ولكن في غير عنف. وفي طاعتهم لأي إرشاد، يشكرهم ويمتدح عملهم. من مظاهر الكبرياء أيضًا: الافتخار والحديث عن النفس:
والمقصود هو أن يكسب الشخص مديح الغير وإطراءهم. وفي الواقع أن من يتحدث عن فضائله ومزاياه، إنما يستخدم أسلوب أنصاف الحقائق.لأنه لو ذكر الحقيقة كاملة عن نفسه، لكان يلزمه أيضًا أن يذكر النواحي، السلبية في حياته.أما في ذكره الحسنات فقط من تصرفاته، فهو لا يكون في ذلك كامل الصدق، ولا كامل العدل..! ومثل هذا الشخص قد يثير غيره، فيضطرهم أن يذكروا له عيوبًا، لكي يقيموا توازنًا بين مديحه لنفسه وحقيقة ذاته.. ولكنه في محبته للمديح، لا يقبل النقد، فيدافع عن نفسه بجميع الطرق التي تقبل النقد أيضًا، ويدخل في صراع. أما المتواضع، فهو لا يتحدث عن نفسه، ولا يمتدح ذاته. لا يتحدث عن أعماله، إنما أعماله هي التي تتحدث عنه. وهو من جانبه يحاول أن يعمل الخير في الخفاء، ولا يظهر ذاته بقدر إمكانه! وإن مدحه الناس يهرب من ذلك في استحياء. وفي داخل نفسه يشعر أنه لا يستحق المديح، بسبب ما يعرفه عن ذاته من نقائص لا يعرفها الناس عنه.. يعرضها أمام الله في صلاته طالبًا المغفرة – وإن كان في مسؤولية، واضطر أن يتحدث عن إنجازات العمل، فإنه لا يركز الحديث على ذاته، إنما يخص بالأكثر المجهود الذي قام به العاملون معه، والمعونات الأخرى التي ساعدت على النجاح. من مظاهر الكبرياء أيضًا: الأنانية وما تلده من أخطاء:
المتكبر يقع دائمًا في الأنانية ومحبة الذات، فهو إنسان متمركز حول ذاته، لا يرى في الدنيا سوى نفسه فقط . وكل من يصطدم بذاته هذه، ينبغي أن يحطمه، لتبقى ذاته وحدها وتكبر.. بينما نرى المتواضع يحب جميع الناس، ويفرح لهم إن نجحوا وكبروا. أنانية المتكبر تقوده كذلك إلى الحسد والغيرة والمنافسة.
فالكبرياء هي أم الحسد.. وكل متكبر يمكن أن يكون حسودًا. والحسود يتغذى بمصائب الآخرين. لذلك فالمتكبر يثقل عليه أن يمتدح غيره، في مجال يرى أن يكون فيه المديح له وحده. فمحبة الذات والأنانية تقوده إلى الحسد والغيرة. فلا يطيق أن يسمع مديحًا يقال في غيره! قال أحد الآباء الروحيين "افرحوا بكمال أخوتكم" ولكن المتكبر لا يفرح بكمال غيره. انه يريد أن يكون هو المتفوق البارز الوحيد! أما الإنسان المتواضع، فلا يحسد غيره. لأنه لا ينافس أحدا في الرفعة وهو- في اتضاعه- يقدم غيره على نفسه في الكرامة. ويفرح بنجاح الكل، ويهنئهم من كل قلبه.
نقطة أخرى.. وهى أن الكبرياء تلد التذمر، بعكس الاتضاع: فالمتواضع -إذا أخذ شيئًا قليلًا- يشكر عليه، ويعتبره أكثر مما يستحق. وحتى إن لم يأخذ شيئًا، يشكر على مجرد الحياة والصحة! لذلك فهو في فرح دائم، وفي قناعة ورضا.. أما المتكبر فهو يتذمر مهما أخذ، شاعرًا، أنه يستحق أكثر وأكثر!! وهو على استمرار يشعر بالظلم، سواء من جهة الأخذ، أو من جهة التعامل. كل ما يناله، يدعى أنه أقل مما يستحق.. ومهما نال يسخط ويتذمر، لأنه دائمًا يطلب المزيد، ولا يكتفي .. لذلك في نفسيته مرارة نتيجة لكبرياء طموحاته.
الكبرياء والتواضع
المتواضع إنسان وديع، والمتكبر يفقد روح الوداعة الأنسان المتواضع، هو إنسان هادئ وديع يتصرف في كل أمر بهدوء. وهدوء في الفكر والقلب، هدوء في الأعصاب، هدوء في التعامل يحل كل مشكلة في هدوء يملك السلام على قلبه وألفاظه. أما المتكبر فلا يعرف الهدوء ولا الوداعة، بل يظنها لوناً من الضعف. لذلك فتصرفاته تتميز بالعنف ويرى ان العنف مظهر للقوة.. حتى صوته يكون في الغالب صاخباً أو حاداً. وبينما يمر عليك الانسان الوديع كنسيم رقيق عطر، يمر بك الانسان المتكبر كعاصفة هوجاء تود ان تقتلع كل شئ..
المتواضع طيب القلب، ومتسامح ومسالم. يتحاشى الخصومة مع الناس، ويود ان يحيا مع الكل في سلام. يكون دائماً بشوشاً ومبتسما، لا يعبث في وجه أحد. لا يتهجم ولا يقطّب جبينه. له ابتسامة حلوة محببة إلى الكل، وملامح
مريحه لمن يتأملها. ولا تسمح له طبيعته الهادئة أن يزجر ويوبخ ولا أن يحتد ويشتد. إنما في وداعة ولطف، يوجه غيره أذا لزم التوجيه، دون ان يخدش شعور إنسان..
المتواضع لا يسرع إلى الغضب. وعلى قد إمكانه لا يُغضب أحداً. إنه حليم، واسع الصدر، طويل البال، سهل التفاهم مع الآخرين، يأخذ ويعطى معهم في هدوء. هو ليس سهل الأستثارة، مهما أراد أحد أن يثيره، يتلقى ذلك في موضوعية، بعيداً عن التأثر الشخصى، ولا يحتد، ولا يثار لنفسه. إنما يوضّح الأمور بغير إنفعال، ويكسب الطرف الآخر. ويضع امامه قول سليمان الحكيم" الجواب اللين يصرفه الغضب" أما المتكبر، فهو حساس جداً لكرامته، يثور لأتفه الأسباب، وقد يثور بلا سبب، سوى ظنه السوء في من يتعامل معه، أنه تصرف بأسلوب لا يليق. لذلك فهو سريع التذمر والضجر. أما المتواضع فيندر أن يتذمر أو يتضجر أو يشكو.
الإنسان الوديع المتواضع، يتمتع بسلام داخلى، لا ينزعج، ولا يضطرب، ولا يتجسس، مهما كانت الأسباب الخارجية... إنه يذكرّنا بالجنادل السته التي في مجرى النيل – التي سُميت خطاً بالشلالات إنه صخور ثابتة قوية، مهما هاج البحر وارتفعت الأمواج وصدمتها، فلن تتأثر بشئ. بعكس السفن التي تهتز وتضطرب أمام الأمواج، وتميل ذات اليمين وذات اليسار... هكذا الوديع، هو كالصخرة أو الجندل، ثابت لا يتزعزع. كما قال داود النبى في المزمور" إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى. وإن قام عليَّ قتال ففى هذا انا مطمئن".. إنه الإيمان بالله الذي يحفظ الودعاء، فلا يضطربون. إنما في ثقة يطمئنون إلى معونته
الانسان المتواضع سهل التعامل. لا دهاء عنده، ولا مكر, ولا خبث، ولا هو يظهر غير ما يبطن... إنه بسيط. وكلمة (بسيط) هنا لا تعنى السذاجة. كلا، بل تعنى عدم التعقيد. فهو قد يكون حكيماً جداً. ولكنه في حكمته لا يعقد الأمور, ولا يلف ويدور في حديثه، ولا يدبر خططاً ضد أحد. هو صريح ومريح، يمكنك أن تثق به وتطمئن إليه.. بعكس المتكبر الذي لا يكشف خططه أو نواياه، معتقداً أن بقاءه لغزاً غير مفهوم يضفى عليه شيئاً من المهابة والمخافة. وهو لا يتكلم ببساطة مع أحد، خوفاً أن تكون البساطة ضد الوقار!
الإنسان الوديع لا يؤذى أحداً، بل يحتمل الذي من المخطئين.. وهو مملوء من الحنان والعطف حتى على أشر الخطاة وإن غضب لسبب قهرى، فإنه لا يحقد. إنما سرعان ما يصفو ويسامح. فإن رأيت انساناً قاسياً في تعامله، إعلم أنه ليس وديعاً... الوديع يحتمل المخطئ إليه، ولا يدع الحقد يدخل إلى قلبه من جهته. ويجعل مبادرة الصلح تأتى منه هو، فتعود المحبة بينهما أما المتكبر فإنه لا يغفر وإن أخطأ اليه أحد، يقول " لابد أن ألقّنه درساً لا ينساه، لكى يعرف أقدار الناس.."
المتواضع في طبعه أن يحترم الغير: المتواضع يحترم من هو أكبر منه سناً ومن هو أعلى منه مقاماً ومركزاً، ومن هو أكثر منه علماً وفهماً، ومن هو أكبر منه من جهة القرابة أيضاً. وليس فقط من هم أكبر منه .. بل المتواضع يحترم الصغار أيضاً، ولا يستصغرهم أو يحتقرهم. والمتواضع يحترم أيضاً الرأى المعارض له. بينما المتكبر لا يحتمل أن يعارضه أحد. ومن الجائز أن يسفّه كل رأى ضده ! بعكس المتواضع الذي يقبل الرأى المعارض في هدوء، ويتعامل معه برقة. المتكبر يطلب الاحترام لنفسه فقط أما المتواضع فيحترم الآخرين.. المتكبر يطلب لنفسه احتراماً وكرامة وتوقيراً وتقديراً، وإعجاباً وأطراءً.. يطلب أن يكبر في نظر الناس ويحترم. وفى نفس الوقت يعادى كل شخص لا يمنحه الاحترام المطلوب. أما المتواضع، فلا يسعى وراء الإكرام والاحترام. وإن وصله يستحى من ذلك. ولذلك فهو محبوب ومحترم من الكل دون أن يطلب. بينما المتكبر- ان احترمه الناس ظاهرياً خشية منه- فهم في داخله لا يحترمه . كما قال أحد الأدباء الروحيين. "من سعى وراء الكرامة هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة سعت اليه.."
المتواضع يستر عيوب الناس، والمتكبر يكشفهم ويستهزئ بهم.. المتواضع لا يجرح أحداً ولا يُحرج أحداً. ولا يقبل ان يُخجل احداً. ولا يسأل احداً عن أسرار من الحرج أن يبوح بها. أما المتكبر فيحب أحياناً أن ينكشف الناس امامه، لكى يعرف ضعفاتهم، ويقارن بينها وبين قوته! فيصغر الناس في عينيه، ويكبر هو في عينى نفسه! فمن جهة عيوب الناس: المتواضع يرى كل شئ وكأنه لم ير شيئاً على الإطلاق وإن عرف، فكأنه لا يعرف. إن كشف الناس، واحرجهم، والتشهير بهم.. كل ذلك يدل على عدم محبة، وعلى قساوة قلب ويزيد ذلك إذا ما وصل إلى التهكم والاستهزاء. والمتواضع بعيد عن كل هذا.
المتكبر يحب الغلبة والانتصار، وبخاصة فيما يتعلق بالمعرفة هو يتباهى بمعرفته.. واذا ناقش غيره، يحب ان يهزمه ويُظهر ضعفه، ويفرح بانتصاره عليه. أما المتواضع فيهمه ان يقنع من يحاوره بالحق، دون أن يشعره بالانهزام أمامه. انما يحاول ايصاله إلى الحقيقة. فإن وصل اليها يمتدحه. لا يهزم مناقشيه، بل يكسبهم.. إن بين المتكبر والمتواضع فروقاً في أسلوب وهدف الحوار: المتكبر يفكر في ذاته: كيف ينتصر وأن يحطم محاوره. بعكس المتواضع الذي يهتم بالموضوع، وكيف يتفق مع محاوره. لذلك فالمتكبر ربما يظهر في مناقشاته روح العجب والاعتداد بالذات، وربما يلجأ إلى الحدة والقسوة. ومعه يتحول الحوار إلى شجار. أما المتواضع فهو مؤدب في حوار، ورقيق. ويتخير في نقاشه الألفاظ المهذبة، ويبعد عن كل لفظ جارح او خشن او محرج.
المتواضع لا مانع عنده من أن يستشير، وينتفع بمعرفة غيره أما المتكبر فقد يكتفى بمعرفته ولا يرى أنه في حاجة إلى مزيد من المعرفة.
هي حالة شخص يكبر في عيني نفسه، ويريد بالأكثر أن يكبر في أعين الناس