* إن فحصت الأمر جيدًا، تجد أنه لا يمكن أن يصيبني أي ضرر من أي إنسان مهما كان مؤذيًا، ما لم أحارب نفسي... فإن لحقني الضرر، فالخطأ ليس بسبب هجوم الآخرين، إنما لعدم احتمالي. وذلك كالطعام الدسم جدًا، مفيد للإنسان المتمتع بصحة جيدة، إلا أنه مضر للمريض، فهو لا يضر الإنسان الذي يتناوله ما لم يكن هو مريضًا أصلًا. ومهما يكن الأمر، فعليكم أن تعرفوا أن خطية الحسد يصعب الشفاء منها أكثر من بقية الخطايا، فهي الوباء الذي رمز له النبي: بالحيات "لأني هأنذا مرسل عليكم حياتٍ أفاعيَ لا تُرقَى، فتلدغكم يقول الرب" (إر17:8).
بحق قارن النبي لدغات الحسد بسم الأفاعي المميت... فهي مصدر سموم، لكنها تَهلك وتموت بعد لدغها للشخص. فالحاسد لا يضر المحسود، بل يُهلك نفسه بنفسه قبل أن يؤذي المحسود، يُهلك نفسه قبل أن يصب سم الموت على الغير، لأنه "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم فيذوقه الذين هم من حزبه" (حك 2: 24-25). كما أن أول من هلك (إبليس) بواسطة الحسد لا يجد علاجًا للتكفير ولا الشفاء، كذلك الذين يسمحون لأنفسهم أن يكونوا حاسدين، تُستبعد عنهم مساعدة أي راقٍ مقدس، لأنهم لم يُعذبوا بخطايا الآخرين، إنما تعذبوا بتفوق ونجاح من يحسدونهم. وهم يخجلون من إظهار الحقيقة، فيبحثون عن عللٍ خارجيةٍ تافهة يبررون بها الخطية، وإذ يزيفون الحقيقة على الدوام، لذلك يبقى رجاؤهم في الشفاء باطلًا، بينما يسري في شرايينهم السم المميت الذي لا يفرزونه، بل ينبعث فيهم بسبب نجاح الآخرين.
الحسد يصعب شفاؤه، لأنه بالبحث عن أسبابه، يصير إلى حال أردأ. يبحث في الأسباب الخارجية لا الحقيقة الداخلية، ويزداد شدة بتقديم الخدمات والهدايا للحاسد، لأنه كما يقول سليمان نفسه: "أَنه يقف قدام الحاسد" (أم 4:27). على قدر ما ينجح الآخر (المحسود) في الخضوع والتواضع أو في فضيلة الصبر أو الكرم، تزداد وخزات حسد الآخر، إذ لا يود إلا هلاك المحسود وموته.