شروط الغيرة المقدسة: 1) غيرة حسب المعرفة
ليست كل غيرة، هي غيرة مقدسة، فهناك ألوان خاطئة من الغيرة، منها الغيرة التي ليست حسب المعرفة، والغيرة غير المتدينة والغيرة غير المثمرة، والغيرة الهدامة، والغيرة الشتامة.. ولذلك نذكر من شروط الغيرة المقدسة أن تكون: حسب المعرفة.
قال بولس الرسول ينتقد الغيرة الخاطئة التي لبنى إسرائيل: "أشهد أن لهم غيرة لله، ولكن ليس حسب المعرفة" (رو 10: 3).
إذن هناك غيرة خاطئة. فما هي؟ وما أسبابها ومظاهرها؟ ولعله من أهم أمثلة الغيرة الخاطئة:
صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة المصطفى، للفنان جبران خليل جبران
وهو قال عن نفسه "من جهة الغيرة: مضطهد للكنيسة" (فى 3: 6). وقال أيضًا "أنا الذي كنت قبلا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكنني رحمت، لأني فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (1تى 1: 13). كان بنية طيبة يضطهد المسيحية، في جهل بالإيمان السليم. وهكذا قال لليهود "وكنت غيورًا لله كما أنتم.. واضطهدت هذا الطريق حتى الموت، مقيدًا ومسلمًا إلى السجون رجالًا ونساء" (أع 22: 3، 4). ومن أمثلة الغيرة التي ليست حسب المعرفة أيضًا:
2- غيرة اليهود ورؤسائهم ضد الاثني عشر بولس الرسول:
وفى ذلك يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه، الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة، ألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في سجن العامة" (أع 5: 17).
وقيل أيضًا "فلما رأى اليهود الجموع، امتلأوا غيرة، وجعلوا يقاومون ما قاله بولس مناقضين ومجدفين" (أع 3: 45). ولما بدأ بولس وسيلا التبشير من بيت ياسون في تسالونيكي، يقول سفر الأعمال " فغار اليهود غير المؤمنين، واتخذوا رجالًا أشررًا من أهل السوق، وتجمعوا وسجسوا المدينة، وقاموا على بيت ياسون طالبين. أن يحضروهما للشعب " وقالوا إنهما " يعملان ضد أحكام قيصر، قائلين إنه يوجد ملك آخر هو يسوع. فأزعجوا الجمع وحكام المدينة إذ سمعوا هذا" (أع 17: 5-7).
وهنا نجد غيرة، ليست حسب المعرفة، مصحوبة بالادعاء الكاذب، وبالسجس، ومقاومة الإيمان، ومحاولة الإيذاء..
ولكنها غيرة وراءها دافع ديني، يظن أصحابها أنهم يقومون بعمل مقدس. بينما هم يسيرون ضد الحق، ويستخدمون وسائل خاطئة وأكاذيب. ولعل من هذا النوع أيضًا ما قاله السيد المسيح
3- "تأتى ساعة، فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يو 16: 1).
ويدخل في هذا البند كل تاريخ الاضطهاد اليهودي للمسيحية، وأيضًا الاضطهاد الروماني، وأنواع الاضطهادات الأخرى الأجيال، حيث يقول السيد المسيح "سيسلمونكم إلى مجالس، وفى مجامعهم يجلدونكم، وتساقون أمام ملوك وولاة من أجلى" " وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي" (متى 10: 17، 18، 22).. ومن أمثلة هذه الغيرة الخاطئة أيضًا:
4- نذر الصوم الذي نذره اليهود حتى يقتلوا بولس:
إذ حدث أن أكثر من أربعين شخصًا من اليهود صنعوا تحالفًا "وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس" (أع 23: 12). وهذا بلا شك نوع من النذر الخاطئ ومن الغيرة الخاطئة.
وهناك أمثلة من الغيرة الخاطئة، التي وقع فيها بعض الرسل والأنبياء، نذكر من بينها:
5- غيرة بطرس الرسول في قطع أذن العبد:
ففي أثناء القبض على السيد المسيح تملكته الغيرة بدافع من الرجولة والحب، وهكذا "مد يده واستل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يؤخذون" (متى 26: 51، 52). غيره بطرس هنا، كان دافعها طيبًا ووسيلتها خاطئة.
6- تشبه هذه الغيرة الخاطئة، غيره موسى النبي أولًا:
في أول عهده ن قبل أن يروضه الله على الوداعة والحلم، حدث أن موسى لما كبر "أنه خرج لأخوته لينظر في أثقالهم، فرأى رجلًا مصريًا يضرب رجلًا عبرانيًا من أخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى انه ليس أحد، فقتل المصري وطمره في الرمل" (خر 2: 11، 12).. كانت غيرة بقصد طيب، وهو الدفاع عن المظلوم0ولكن وسيلته كانت خاطئة، استخدم فيها العنف والقتل.
7- ومن أمثلة الغيرة الخاطئة أيضًا غيرة يعقوب ويوحنا الرسولين، لما رفضت إحدى قرى السامرة قبول الرب، فقالًا له:
أتريد يا رب أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم، كما فعل إيليا" (لو 9: 52-45).
لذلك انتهرهما الرب وقال لهما " لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص". إنها غيره دافعها الحب والاحترام للمعلم الصالح والسيد الرب. ولكنها كانت خاطئة من جهة الوسيلة والانتقام للنفس.
8- ومثالها أيضًا غيرة يشوع لمعلمة موسى النبي:
عرف أن ألداد وميداد يتنبآن في المحلة. فغار يشوع لنبوة معلمه، واستأذن في أن يردعها، فعاتبة موسى قائلًا "هل تغار أنت لي؟ يا ليت كل شعب الله كانوا أنبياء إذا جعل الله روحه عليهم" (عد 11: 29).
لكل هذا نضع أمامنا قول الرسول لأهل غلاطية: "حسنة هي الغيرة في الحُسْنَى" (غل 4: 18). من صفات الغيرة المقدسة أيضًا أنه لا بُد: تصحبها سيرة صالحة.