فقد غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم
لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم
ويَفهَموا بِقُلوبِهم ويَرجِعوا. أَفأَشفيهم؟
تشير عبارة "فقد" في الأصل اليوناني γὰρ (معناها لأنّه) إلى كم يوَدُّ السَّيد المسيح أن يسمع هذا الشَّعب فيؤمن ويرجع إليِّه فيشفيه، لكنَّ كبرياؤهم وعنادهم وارتباطهم بشهواتهم غَلَّظَ قلوبهم وأغلق عيونهم وأذانهم فلم يعرفوا المسيح بل صَلبوه. أمَّا عبارة "غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب" في الأصل اليوناني ἐπαχύνθη ( معناها قساوة) فتشير إلى وصف الفِرِّيسيِّين، وهم مجموعة مُميَّزة من النَّاس والذين اضطهدوا يسوع (مرقس 3: 5) ، وتقوم قساوتهم على غلبة جسدهم على روحهم فأصبحوا بلا شعور بالرُّوحانيات. هذا هو السَّبب الذي لأجله صاروا لا يفهمون على الرغم من قدرتهم على السَّمع. ويوضِّح بولس الرسول سبب غلاظة قلوبهم بقوله: " قد أَظلَمَت بَصائِرُهم، وجَعَلَهُم جَهلُهم غُرَباءَ عن حَياةِ اللّهِ لِقَساوةِ قُلوبِهِم. فلَمَّا فَقَدوا كُلَّ حِسّ اِستَسلَموا إلى الفُجور فانغَمَسوا في كُلِّ فاحِشَةٍ مُستَهتِرين" (أفسس 4: 18-19). أمَّا عبارة " أَغمَضوا عُيونَهم " فتشير إلى شعب رفض إن يفتح عيونه على وَحي الله لئلا يبصر الحق وينقاد إلى التَّوبة. أمَّا عبارة "لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا συνῶσιν بِقُلوبِهم ويَرجِعوا" فتشير إلى ما أتوه عمدًا في البدء أصبح لهم قصاصًا في النتيجة. حيث أنَّ الله الديّان العادل تركهم يغرقون في الظلمة التي اختاروها، والجهل الذي أرادوه، كما جاء في نبوءة أشعيا "لِأَنِّي دَعَوتُ ولم يُجيبوا وتَكَلَّمتُ ولم يسمَعوا وصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيَّ وما لم أشاء اخْتاروا" (أشعيا 66: 4). أمَّا عبارة " َفأَشفيهم؟ " فتشير إلى الفاء السبيبة التي تُعبِّر، لا عن رغبة يسوع في حجب رسالته، بل عن مطابقة موقف النَّاس من تعليمه، لما ورد في نبوءة أشعيا "اِسمَعوا سَماعاً ولا تَفهَموا وآنظُروا نَظراً ولا تَعرِفوا غَلِّظْ قَلبَ هذا الشَّعْب وثَقِّلْ أُذُنَيه وأَغمِضْ عَينَيه لِئَلاَّ يُبصِرَ بِعَينَيه ويَسمَعَ بِأُذُنَيه ويَفهَمَ بقَلبه وَيرجعَ فيُشْفى (أشعيا 6: 9-10). يسوع أراد شفاءهم من مرض الخطيئة، لكنَّهم لم يريدوا، كما صرّح يسوع "كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءكِ، كما تَجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تحتَ جنَاحَيها! فلَم تُريدوا"(متى 23: 37).