كان نوح باراً
أول مرّة يُذكر فيها نوح في الكتاب، كان في نسب الآباء الاولين الذين سبقوا الطوفان: «وعاش لامك مئة واثنتين وثمانين سنة، وولد ابناً وسمّاه نوحاً. قال: «هذا يريحنا عن أعمالنا وعن تعب أيدينا في الارض التي لعنها الربّ» (تك 5: 28). ويتابع النصّ: «ولما كان نوح ابن خمس مئة سنة ولد ساماً وحاماً ويافث» (آ 32). واللغة المسيطرة: «كان نوح في زمانه رجلاً باراً كاملاً في أجياله. وسار نوح مع الله» (تك 6: 6).
كان نوح رجلاً باراً، عاش بحسب مشيئة الله. فتميّز عن أهل زمانه، عن أجياله، حيث «فسُدت الارض أمام الله وامتلأت عنفاً» (آ 11). عاش حياة صلاح جعلته ينجو من الخطر الذي هدّد البشرية قبل أن يفنيها بماء الطوفان. هو رجل كمال عاش قبل الوقت كلام الانجيل: «كونوا كاملين لأن أباكم السماوي كامل هو» (متى 5: 48). بل كان باستطاعته أن يجيب بما أجاب الرجل الغني الذي جاء يسأل عن طريق تصل به إلى الحياة الأبدية: «هذه الوصايا كلها، حفظتها منذ صباي» (مر 10: 20). ولكن يسوع أجاب ذاك الرجل، كما يمكن أن يجيب نوحاً: «يعوزك شيء واحد» (آ 21). اجل، لا بار ولا واحد. والابرار والانبياء في العهد القديم «لا يصيرون كاملين إلاّ معنا» (عب 11: 40). لا يكون لهم ملء البرارة إلاّ بيسوع المسيح الذي هو وحده «القدوس والبار»، كما قال عنه بطرس، في خطبته في الهيكل، وبعد أن شفى المخلّع في رواق سليمان (أع 3: 14).
سار نوح مع الله، شأنه شأن أخنوخ. ما أجملها رفقة بالنسبة إلى المؤمن. هو ما سلك طريق الأشرار، ولا توقّف مع الخطأة يتكلّم كلامهم، ولا جلس معهم يهزأ بالذين يتعلّقون بالربّ ويطلبون رضاه. فكانت «مسرّته في شريعة الربّ، وبها يلهج نهاراً وليلاً» (مز 1: 1- 2). غير أن هذا الذي أنشد نزاهة سلوكه وابتعاده عن اهل المكر والسوء هتف: «عليك توكّلت فلا اتزعزع» (مز 26). في الواقع، اتكل على رحمة الله وأمانته لكي يبقى ثابتاً، «وتقف قدماه على ارض آمنة» (آ12). استند إلى الله فنال بركة الله. غير أن هذه البركة ظلّت محدودة. فما تعدّت أسرته الصغيرة ساعة قال الربّ: «أمحو الانسان الذي خلقتُ عن وجه الارض، هو والبهائم والدواب وطيور السماء، لأني ندمتُ أني صنعتهم» (تك 6: 17). ويتابع النصّ: «أما نوح فنال رضى الربّ» (آ 8). وتتوّج هذا الرضى حين قدّم نوح ذبيحة للربّ بعد أن نجا من الطوفان. اصعد المحرقات، «فتنسّم الربّ رائحة الرضى» (تك 8: 20- 21). كانت بداية الكلام عن نوح «إراحة» الربّ، بل إراحة الأرض من اللعنة. وبعد الطوفان، سيقول الربّ ناظراً إلى نوح: «لن العن الأرض مرّة أخرى بسبب الانسان» (آ 21). هي بركة نالها نوح، فتجد امتدادها في بركة نالها ابراهيم، وتجد كمالها في يسوع المسيح الذي فيه «كلُّ بركة روحيّة في السماوات» (أف 1: 3).