لماذا حذف البروتستانت هذه الأسفار من طبعاتهم؟
1- يقولون أن هذه الأسفار لم تدخل ضمن أسفار العهد القديم التي جمعها عزرا الكاهن لما جمع أسفار التوراة سنة 534 ق.م. والرد على ذلك أن بعض هذه الأسفار تعذَّر العثور عليها أيام عزرا بسبب تشتت اليهود بين الممالك. كما أن البعض الآخر منها كُتِب بعد زمن عزرا الكاهن.
2- يقولون أنها لم تَرِد ضمن قائمة الأسفار القانونية للتوراة التي أوردها "يوسيفوس" المؤرخ اليهودي في كتابه. والرد على ذلك أن يوسيفوس نفسه بعد أن سرد الأسفار التي جمعها عزرا كتب قائلًا: «إن الأسفار التي وضعت بعد أيام ارتحستا الملك كانت لها مكانتها عند اليهود. غير أنها لم تكن عندهم مؤيدة بالنص تأيد الأسفار القانونية؛ لأن تعاقُب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم في تَمام التحقيق»(1).
3- يقولون أن لفظة (أبو كريفا) التي أُطْلِقَت على هذه الأسفار، وهى تعنى الأسفار المدسوسة والمشكوك فيها, كان أول من استعملها هو "ماليتون" أسقف مدينة ساردس في القرن الثاني الميلادي. وإذًا فالشك في هذه الأسفار قديم. ونقول نحن أن أسفار الأبوكريفا الأصلية هي أسفار أخرى غير هذه. فهناك أسفار أخرى كثيرة لفقها اليهود والهراطقة وقد رفضها المسيحيون بإجماع الآراء. وإذًا فلا معنى أن نضع الأسفار القانونية المحذوفة في مستوى هذه الأسفار التي أجمع الكل على رفضها.
4- يقولون أن بعض الآباء اللاهوتيين القدامى والمشهود لهم -وخَصُّوا منهم أورجانيوس وإيرونيموس- لم يضمنوا هذه الأسفار في قوائم الأسفار القانونية للعهد القديم. بل ان إيرونيموس الذي كَتَبَ مقدمات لأغلب أسفار التوراة وضع هذه الأسفار المحذوفة في مكان خاص بها باعتبارها مدسوسة ومشكوك في صحتها. ونرد على ذلك بأنة، وإن كان بعض اللاهوتيين أغفلوا قانونية هذه الأسفار أول الأمر، إلا أنهم ومنهم أوريجانوس وإيرونيموس عادوا وأقروا هذه الأسفار واستشهدوا بها.
كما نضيف أيضًا أنه وإن البعض القليل لم يورِد هذه الأسفار ضمن قائمة الأسفار الخاصة بالتوراة اعتمادًا على كلام يوسيفوس المؤرخ اليهودي، أو استنادًا لآراء بعض اليهود الأفراد الذين كان مذهبهم حذف أجزاء الكتاب التي تقرعهم بالملامة بسبب مخازيهم وتعدياتهم، إلا أن الكثيرين من مشاهير آباء الكنيسة غير من ذكرنا اعترفوا بقانونية هذه الأسفار وأثبتوا صحتها واستشهدوا بما ورد فيها من آيات. .
ومن أمثلة هؤلاء إكليمندس الروماني وبوليكربوس من آباء الجيل الأول، وإيريناوس من آباء الجيل الثاني، وإكليمندس الاسكندرى وديوناسيوس الاسكندرى وأوريجانوس وكبريانوس وترتوليانوس وأمبروسيوس وإيلاريوس ويوحنا فم الذهب وإيرونيموس وأغسطينوس من آباء الجيل الرابع. وغير هؤلاء أيضًا مثل كيرلس الأورشليمي وإغريغوريوس النزينزي والنيصي وأوسابيوس القيصري. وكل هؤلاء نظموا هذه الأسفار ضمن الأسفار القانونية للكتاب واستشهدوا بها في كتبهم ورسائلهم وتفاسيرهم وشروحاتهم وخطبهم وردودهم على المهرطقين والمبتدعين. وقد وردت شهادات هؤلاء الآباء عن الأسفار المحذوفة وباقي أسفار الكتاب المقدس في الكتاب المشهور (اللاهوت العقيدي) تأليف (فيات).
5- يقول البروتستانت أن اليهود لم يعترفوا بهذه الأسفار خصوصًا وأنها في الغالب كتبت في وقت متأخر بعد عزرا فضلًا عن أن هناك أمور تحمل على الظن أن هذه الأسفار كتبت أساسًا باللغة اليونانية التي لم يكن يعرفها اليهود. ونرد على هذا بالقول أن اليهود وإن كانوا قد اعتبروا هذه الأسفار أولًا في منزلة أقل من باقي أسفار التوراة بسبب أن تعاقب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم في تمام التحقيق، إلا أنهم بعد ذلك اعتبروا هذه الأسفار في منزلة واحدة مع باقي الأسفار.
كما أن الظن بأن هذه الأسفار غالبًا كتبت أصلًا باللغة اليونانية، يلغيه أن الترجمة السبعينية التي ترجمت بموجبها جميع أسفار التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، وكانت ترجمتها في الإسكندرية في عهد الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس سنة 285 ق.م. لفائدة اليهود المصريين الذين كانوا لا يعرفون العبرية بل اليونانية.. هذه الترجمة لأسفار التوراة تضمنت الأسفار المحذوفة دليلًا على أنها من الأسفار المعتمدة من اليهود ودليلًا على أنها لم تكتب أصلًا باليونانية. هذا بالإضافة إلى أن النسخ الأثرية القديمة المخطوطة الأخرى من التوراة وهى النسخ السينائية والفاتيكانية والإسكندرية وكذلك النسخة المترجمة للقبطية التي تعتبر أقدم الترجمات بعد السبعينية وكذا الترجمات القديمة العبرية ومن بينها ترجمات سيماك وأكويلا وتاودوسيون والترجمة اللاتينية والترجمة الحبشية، تضمنت جميعها الأسفار المحذوفة حتى الآن في مكتبات لندن وباريس وروما وبطرسبرج والفاتيكان.
6- يقول البروتستانت أن هذه الأسفار لا ترتفع إلى المستوى الروحي لباقي أسفار التوراة ولذا فلا يمكن القول أنه مُوحَى بها. ونحن نقول أن البروتستانت اعتادوا فيما يتعلق بالعقائد الأساسية والمعلومات الإيمانية أن يقللوا من أهمية الدليل على صدقها دون أن يبينوا سبب ذلك بوضوح. وهى قاعدة واضحة البطلان. ونضيف أن الأسفار التي حذفها البروتستانت تتضمن أحداث تاريخية لم يختلف المؤرخون على صدقها. كما أنها تعرض لنماذج حية من الأتقياء القديسين. فضلًا عن أنها تتضمن نبوءات عن السيد المسيح وكذا أقوالًا حكيمة غاية في الكمال والجمال ولا معنى إذًا للقول أن الأسفار التي حذفوها غير موحى بها.
1- واضح من دراسة تاريخ البروتستانت والكنيسة أنها مذهب مبني على المعارضة والاحتجاج، وقد قامت بالفعل حروب بين البروتستانت والكنيسة البابوية برئاسة البابا بولس العاشر قُتِلَ فيها عشرات الآلاف وأحرقت ودمرت فيها بعض المدن ومئات من الكنائس والأديرة. وقد اشتهر (مارتن لوثر) قائد الثورة البروتستانتية وبعض أتباعه بالشطط والكبرياء. ومن أقوال لوثر المشهورة (إنني أقول بدون افتخار أنة منذ ألف سنة لم ينظف الكتاب أحسن تنظيف ولم يفسر أحسن تفسير ولم يدرك أحسن إدراك أكثر مما نظفته وفسرته وأدركته)
ونظن أنه بعد هذا الكلام لا نتوقع منة إلا أن يحذف من الكتاب بعض الأسفار الموحى بها. بل إن لوثر وأتباعه حذفوا في زمانهم أسفارًا أخرى من العهد الجديد مثل سفر الأعمال ورسالة يعقوب. وقيل أنهم حذفوا أيضًا سفر الرؤيا. غير أنهم أعادوا هذه الأسفار لمكانها في الكتاب المقدس لما أكل الناس وجوههم!!
2- لعل مما خلط على الأذهان فيما يتعلق بموقف البروتستانت بعد ثورتهم على الكنيسة الكاثوليكية البابوية من هذه الأسفار، أن ما دعوه بالأبوكريفا لم يكن فقط هذه الأسفار التي اعتبرها الأرثوذكس والكاثوليك قانونية، ولكن كانت هناك أسفار أخرى مرفوضة تمامًا حتى من الكاثوليك والأرثوذكس ولم تقرها أي كنيسة في العالم مثل سفر عزرا الثالث وسفر عزرا الرابع و سفر أخنوخ وغيرها.
3- العجيب أن بعض الكنائس البروتستانتية تختلف فيما بينها حول قانونية هذه الأسفار. ويكاد يميل إلى قبولها من بين هذه الكنائس الأسقفية الإنجليكانية والكنيسة البروتستانتية الألمانية.
4- لما حدث مناقشة عن قانونية هذه الأسفار في الأجيال الأولى للمسيحية، تقرر بالإجماع تضمينها كتب القراءات الخاصة بالخدمات الكنيسة. وفى كنيستنا الأرثوذكسية نقرأ فصولًا من هذه الأسفار ضمن قراءات الصوم الكبير وأسبوع الآلام إلى صباح سبت الفرح وحتى ليلة عيد القيامة ذاتها .
وكذلك تعترف بها الكنيسة القبطية وكنيسة أنطاكية البيزنطية الارثوذكسية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والكنيسة البيزنطية الروسية وباقي الكنائس التقليدية.
5- وردت هذه الأسفار ضمن الكتب القانونية في قوانين الرسل. وقد أثبتها الشيخ الصفي بن العسال في كتابه ( مجموع القوانين - الباب الثاني) كما أثبتها أخوة الشيخ اسحق بن العسال في كتابه (أصول الدين) وتبعهما أيضا القس شمس الرياس الملقب بابن كبر في كتابة (مصباح الظلمة).
6- عقدت أيضا مجامع كثيرة على ممر العصور لتأكيد عقيدة الكنيسة في قانونية هذه الأسفار. ونذكر منها مجمع هيبو عام 393 م. الذي حضرة القديس أغسطينوس. ومجمع قرطاجنة عام 397 م.، ومجمع قرطاجنة الثاني عام 419 م، ومجمع ترنت عام 1456 م للكنيسة الكاثوليكية، ومجمع القسطنطينية الذي كمل في ياش عام 1642 م.، ومجمع أورشليم للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية عام 1982 م.
هل حدث استشهاد بهذه الأسفار أو اقتباس منها في أسفار العهد الجديد ؟
بهذا السؤال ورد اعتراض على قانونية الأسفار التي حذفها البروتستانت بحجة أن كتبة العهد الجديد لم يستشهدوا بها أو يقتبسوا منها. والرد على ذلك أن عدم الاستشهاد بأسفار من العهد القديم في العهد الجديد لا يقوم دليلا على عدم قانونية هذه الأسفار، وإلا لكان يلزمنا أن نقول أن أسفارا مثل استير والجامعة ونشيد الأنشاد وراعوث والقضاة وسفريّ أخبار الأيام الأولى والثاني هي الأخرى غير قانونية ومدسوسة ومشكوك في صحتها، لأنه لم تَرِد اقتباسات منها في أسفار العهد الجديد! ورغم ذلك نقول أيضًا:
1- أن السيد المسيح نفسه تحدث في إنجيل يوحنا 10 مع اليهود في عيد التجديد. فقد ذكر في هذا الأصحاح قول الوحي "وكان عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء. وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان. فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلق أنفسنا. إن كنت المسيح فقل لنا جهرًا. أجابهم يسوع إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبى هي تشهد لي" يو 10 : 22 -25". والعجيب أن عيد التجديد هذا لم يرد ذكره إطلاقا في أسفار التوراة القانونية المعروفة. غير أنة ورد ذكره في أحد الأسفار التي حذفها البروتستانت وهو سفر المكابيين الأول (1مكا 4 : 59) حيث ثبت أن (يهوذا المكابي) هو أول من رسم مع أخوته أن يحتفل اليهود بهذا العيد مده ثمانية أيام في كل عام تذكارًا لتطير الهيكل وتجديد المذبح وتدشينه. فإذا كان السيد المسيح تكلم مع اليهود في هذا العيد، وإذا كان يوحنا الرسول كتب في إنجيله عن هذا العيد الذي لم يرد ذكره إلا في سفر المكابيين الأول الذي حذفه البروتستانت مع احتفال المسيح بهذا العيد ومع استشهاد الرسول يوحنا به في إنجيله إلا إذا كان سفر المكابيين الأول وغيرة من الأسفار التي حذفها البروتستانت هي أسفار صادقة وصحيحة وقانونية وموحى بها؟!
2- اقتبس كتبة أسفار العهد الكثير من الأسفار القانونية الثانية التي حذفها البروتستانت. وسنذكر على سبيل المثال لا الحصر العديد من هذه الاقتباسات، وستجدونها في مقدمة كل سفر.
1- سفر طوبيا: طو 4 : 7،10، 11 (قابل لو 14 : 13،14) وطو 4: 13 (قابل 1 تس 4: 3) وطو 4 :16 (قابل مت 7 :12) وطو 4 : 23 (قابل رو 8 : 18).
2- سفر يهوديت: يهو 8 : 24، 35 (قابل 1 كو 10 : 9) ويهو 13 : 23 (قابل لو 1 : 42).
3- سفر الحكمة: حك 2 : 6 (قابل 1 كو 15 : 32) وحك3 :7 (قابل مت 13 : 43) وحك 3: 8 (قابل 1 كو 6:2) وحك 4:4 (قابل مت 7 :27) وحك 13 : 1،5،7 (قابل رو 1 : 18، 21) وحك 15 : 7 (قابل رو 9 : 21).
4- سفر يشوع بن سيراخ: سيراخ 2 :1 (قابل 2 تى 13 : 12) وسيراخ 2 :18 (قابل يو 14 : 23) وسيراخ 3 :20 (قابل فى 2 : 3) وسيراخ 11 : 10 (قابل 1 تى 6 :9) وسيراخ 11 : 19، 20 (قابل لو 12 : 19، 20) وسيراخ 13 : 21، 22 (قابل 2كو 6 :4 1، 16) وسيراخ 14 :13 (قابل لو 16 : 9) وسيراخ 14 : 18 (قابل 1بط 1 : 24 وسيراخ 15 :3 (قابل يو 4 : 10 ) وسيراخ 15 :16 (قابل مت 19 : 17 ) وسيراخ 15 : 20 (قابل عب 4 :13) وسيراخ 16 :15 (قابل رو 2 :6) وسيراخ 17 : 24 (قابل 1 تس 5 : 17) وسيراخ 19 : 13 (قابل مت 18 : 15 ولو 17 : 3) وسيراخ 19 : 17) (قابل مع 3 :2) وسيراخ 28 : 1،2 (قابل مر 11 : 25، 26) وسيراخ 35 : 11 (قابل 2 كو 9 : 7) وسيراخ 41 : 27 (قابل مت 5 :28).
5- سفر المكابيين الأول والثاني : 1مكا 4 : 59 (قابل يو 10 : 22 - 25) 2مكا 6 : 9 -19 (قابل عب 11 : 35 - 37) و2مكا 8 : 5،6 (قابل عب 11 : 33،34).