شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
صموئيل الاول 30 - تفسير سفر صموئيل أول
الآيات (1-6):- و لما جاء داود ورجاله إلى صقلغ في اليوم الثالث كان العمالقة قد غزوا الجنوب و صقلغ وضربوا صقلغ واحرقوها بالنار. وسبوا النساء اللواتي فيها لم يقتلوا أحدًا لا صغيرا ولا كبيرًا بل ساقوهم ومضوا في طريقهم. فدخل داود و رجاله المدينة وإذا هي محرقة بالنار ونساؤهم وبنوهم وبناتهم قد سبوا. فرفع داود والشعب الذين معه اصواتهم وبكوا حتى لم تبق لهم قوة للبكاء. و سبيت امراتا داود اخينوعم اليزرعيلية و ابيجايل امراة نابال الكرملي. فتضايق داود جدًا لأن الشعب قالوا برجمه لأن انفس جميع الشعب كانت مرة كل واحد على بنيه وبناته واما داود فتشدد بالرب الهه.
الله ينقذ أولاده ولكنه يؤدبهم. فداود أخطأ بوجوده في صقلغ وسط الفلسطينيين ممّا كان سيؤدى أن يقاتل شعبه وربما فعل ما كان قد امتنع عنهُ مرّات أن يقتل هو شاول مسيح الرب وربما رفضه شعبه كملك بسبب هذا وكان بذلك يعطل خطة الله لإقامة مملكة حسب قلبه فالله تدخل لينقذ داود وليتمجد اسم الرب، لكن كان لابد لهُ من درس ليؤدبه. فبقائه في مغاير يهوذا كان أفضل لهُ من هذه الورطة.
ولقد استغل عماليق خروج داود ورجالهُ من صقلغ للاشتراك في الحرب ضد الفلسطينيين وضربوا صقلغ وأحرقوها وسبوا النساء والأولاد وهنا نرى كم كانت شفقة شاول على ملك عماليق بلا معنى. ونرى الآن داود في ضيقة لم يقابلها من قبل والأمور زاد تعقيدها بشكل عجيب:-
1-هو مطرود ومرفوض من وطنه وشاول الملك.
2-هو مرفوض من الفلسطينيين.
3-شعبه ورجاله الذين أكلوا من خبزه رفعوا عليه العقب. فرجاله أرادوا رجمهُ فقد سبيت نسائهم.
4-نساؤه هو شخصيًا مسبيين.
5-خيامهم محروقة بالنار.
وهذا الموقف بالتأكيد يحتاج لإيمان قوى كإيمان داود = فتشدد داود بالرب إلهه.
آية(7):- ثم قال داود لابياثار الكاهن ابن اخيمالك قدم إلى الافود فقدم ابياثار الافود إلى داود.
أخطأ داود حين نزل مع أخيش دون استشارة الرب ولكن الآن نجده تعلَّم الدرس وها هو يستدعى الكاهن لسؤال الله بالأوريم= الأفود. وهذه هي فائدة التجارب. ولاحظ أنه حين رجع داود للرب فحتى جنودهُ الذين فكروا في رجمه عادوا للخضوع لهُ وحاربوا معهُ.
آية(8):- فسال داود من الرب قائلًا إذا لحقت هؤلاء الغزاة فهل ادركهم فقال له الحقهم فانك تدرك وتنقذ. فإنك تدرك وتنقذ = إذًا هي ضربة محدودة للتأديب فقط ولاحظ أنهم لم يفقدوا قشة وعادوا جميعًا سالمين رجالًا ونساء وأطفال وبكل ممتلكاتهم بل كانت غنيمتهم كبيرة جدًا حتى أن داود وزع على شعب يهوذا (راجع آيات 19 ،20). إذًا لماذا نخاف من التجارب والضيقات فهى:
(1) للتأديب ونزع الخطايا حتى نؤهل لميراث السماوات وحتى لا يضيع منّا هذا الميراث إن بقى حالنًا على ما هو عليه دون تأديب.
(2) لن نخسر شيء بل بعد كل تجربة نعود محملين بالغنائم (فضائل وبركات).
(3) إذا صبرنا على التجربة يفيض الله علينا بركات مادية (غنائم / رجوع الجنود لداود وهذا يعادل مصالحتنا مع أهل العالم) وبركات روحية أي مصالحة مع الله ومع السمائيين الذين سيفرحون بتوبتنا.
آية(9):- فذهب داود هو والست مئة الرجل الذين معه وجاءوا إلى وادي البسور و المتخلفون وقفوا. وادى البسور = البسور هو جدول صغير ينحدر من جبال أدومية إلى البحر المتوسط عند غزة ويعتقد البعض أنه هو المقصود بنهر مصر أي الذي على حدود مصر (تك18:15). والمتخلفون وقفوا = كان رجال داود 600 لكن 200 منهم لم يحتملوا وتخلفوا عن المعركة ولم يعبروا نهر البسور بسبب إعيائهم. وذهب داود ومعهُ 400 فقط ليقابل عماليق.
آية(11):- فصادفوا رجلا مصريا في الحقل فاخذوه إلى داود واعطوه خبزا فاكل وسقوه ماء. فصادفوا رجلًا مصريًا = صادف داود ورجاله رجلًا مصريًا في حالة إعياء تام بين الحياة والموت لم يأكل ولم يشرب منذ 3 أيّام. ويبدوأنه كان عبد لرجل عماليقى سبق وأسره واستعبده وحينما مرض ألقاه بلا شفقة في البرية إلى أن كاد يموت. وأعطاه داود المملوء شفقة طعامًا وماء فرجعت روحهُ إليه. وأخبرهم أنه كان مع سيده هاجم العمالقة. جنوب الكريتيين = قبيلة من الفلسطينيين أرضهم في الجنوب (حز 16:25+صف5:2) ربما كان أصلهم من كريت. وحين هاجم العماليق يهوذا
الآيات (12-14):-
زبيب، الزبيب و اعطوه قرصا من التين وعنقودين من الزبيب فاكل ورجعت روحه إليه لانه لم ياكل خبزا ولا شرب ماء في ثلاثة أيام وثلاث ليال. فقال له داود لمن أنت و من أين أنت فقال أنا غلام مصري عبد لرجل عماليقي وقد تركني سيدي لاني مرضت منذ ثلاثة ايام. فاننا قد غزونا على جنوبي الكريتيين وعلى ما ليهوذا وعلى جنوبي كالب واحرقنا صقلغ بالنار.
ولاحظ أن داود لكرمه ومحبته اهتم بهذا الإنسان الملقى في البرية وتعطّل عن اللحاق بالغزاة لأنه لم يكن ممكنًا لهُ أن يترك إنسان مشرف على الموت وهو قادر أن يقدم لهُ يد المساعدة. ولم يكن يعلم داود أن هذا الإنسان هو الذي سيساعده ويكون مرشدًا لهُ (الأنبا بيشوى فعل ذلك فتقابل مع المسيح).
آية(15):- فقال له داود هل تنزل بي إلى هؤلاء الغزاة فقال احلف لي بالله أنك لا تقتلني ولا تسلمني ليد سيدي فانزل بك إلى هؤلاء الغزاة.
طلب داود من المصري أن يقوده لمكان الغزاة فوافق على أن لا يقتله إذ كانوا قديمًا يستعملون الدليل في الحروب ثم يقتلونه لئلاّ يخونهم.
آية(16):- فنزل به وإذا بهم منتشرون على وجه كل الأرض ياكلون ويشربون ويرقصون بسبب جميع الغنيمة العظيمة التي اخذوا من ارض الفلسطينيين ومن ارض يهوذا.
كانوا في حالة لهو وعدم إكتراث إذ يعلمون أن الفلسطينيين واليهود كلاهما في حرب فلن يلحق بهم أحد بسرعة. ولنلاحظ فقد يكون اللهو والرقص في ليلة هلاك الإنسان أي قد تكون ليلة اللهو هذه آخر ليلة في عُمُرُ الإنسان (حدث هذا هنا ومع بيلشاصر دانيال 5) وهكذا كانت آخر ليلة لشاول وقد قضاها في عين دور مع صاحبة جان.
الآيات (17-20):- فضربهم داود من العتمة إلى مساء غدهم ولم ينج منهم رجل إلا اربع مئة غلام الذين ركبوا جمالا وهربوا. واستخلص داود كل ما اخذه عماليق وانقذ داود امراتيه. ولم يفقد لهم شيء لا صغير ولا كبير ولا بنون ولا بنات ولا غنيمة ولا شيء من جميع ما اخذوا لهم بل رد داود الجميع. واخذ داود الغنم و البقر ساقوها أمام تلك الماشية وقالوا هذه غنيمة داود.
الله يؤدب ولكنه يحفظ الجميع فقلوب كل إنسان في يد الله. بل هو الذي دبّر وجود الرجل المصري الذي كان دليلًا لداود وهكذا يسمح الله بضربات محدودة ليؤدب (قصة أيوب). وفي (17) يبدوأن داود ورجالهُ وصلوا المنطقة في المساء فكمنوا لهم حتى نام العمالقة وعند السَحَرْ هجم برجاله عليهم ودام القتال كل النهار.
آية(21):- و جاء داود إلى مئتي الرجل الذين اعيوا عن الذهاب وراء داود فارجعوهم في وادي البسور فخرجوا للقاء داود ولقاء الشعب الذين معه فتقدم داود إلى القوم وسال عن سلامتهم.
داود ذو القلب الرقيق نجده هنا يسأل عن المتخلفين من الإعياء ولا يوجه لهم كلمة لوم.
الآيات (22-25):- فاجاب كل رجل شرير ولئيم من الرجال الذين ساروا مع داود وقالوا لاجل أنهم لم يذهبوا معنا لا نعطيهم من الغنيمة التي استخلصناها بل لكل رجل امراته و بنيه فليقتادوهم وينطلقوا. فقال داود لا تفعلوا هكذا يا اخوتي لأن الرب قد أعطانا وحفظنا ودفع ليدنا الغزاة الذين جاءوا علينا. ومن يسمع لكم في هذا الأمر لانه كنصيب النازل إلى الحرب نصيب الذي يقيم عند الامتعة فانهم يقتسمون بالسوية. وكان من ذلك اليوم فصاعدا أنه جعلها فريضة وقضاء لإسرائيل إلى هذا اليوم.
طلب بعض الأشرار أن لا يشترك الـ200 في الغنيمة فرفض داود واستغل داود نصًا في الشريعة ليثبت رأيه (عد25:31-27). واعتبر أن هؤلاء الـ200 بقوا لأنهم مكلفين بوظيفة حفظ الأمتعة. وقطعًا فهم لا ينطبق عليهم نص الشريعة تمامًا ولكنهم أيضًا لم يقصروا إهمالًاأو جبنًا بل عن إعياء. ولذلك قيل في (25) أنها صارت فريضة جعلها داود في إسرائيل. وحكمة داود في هذا جنبت رجاله شر الانقسام والقتال بين بعضهم البعض. وفي (23) هو اعتبر أن الانتصار هبة من الله فلم ينسب الانتصار لنفسه أو لرجاله.
وفي رموز هذه المعركة للمسيح:
داود المسيح
27- الـ400 الذين حاربوا مع داود وعبروا النهر
والـ 200 الذين أصابهم الإعياء.
المعركة ضد عماليق + داود يوزع غنائم
28- داود يحرر إمرأتيه
كنيسة العهد الجديد التي عبرت مياه المعمودية
وشعب العهد القديم المثقل بأعباء الناموس
هي معركة الصليب + المسيح يوزع بركات
المسيح حرّر شعب العهد القديم والعهد الجديد
الآيات (26-31):- و لما جاء داود إلى صقلغ ارسل من الغنيمة إلى شيوخ يهوذا إلى أصحابه قائلًا هذه لكم بركة من غنيمة اعداء الرب. إلى الذين في بيت ايل والذين في راموت الجنوب والذين في يتير. والى الذين في عروعير والذين في سفموث والذين في اشتموع. والى الذين في راخال والذين في مدن اليرحمئيليين والذين في مدن القينيين. والى الذين في حرمة والذين في كور عاشان والذين في عتاك. و إلى الذين في حبرون والى جميع الاماكن التي تردد فيها داود ورجاله.
إتسم داود باتساع القلب والكرم فنحن نجد أن العمالقة فرحوا بالغنيمة ولكن داود إقتسمها مع الذين أعيوا في الطريق ومع شعب يهوذا. وهذه هي المحبة الأخوية. هو اعتبر أن الله هو الذي أعطى النصرة وبالتالي هو ليس لهُ حق فيها وحده فطالما الله هو الذي بارك فليقتسم البركة مع باقي الإخوة. وواضح أن الغنيمة كانت كبيرة جدًا. وهو اعتبر أن هذه بركة من الله وأن هديته لرجال يهوذا هي بركة من الرب. هذه هي تصرفات الملوك فهم لا يهتمون بأنفسهم بل بشعوبهم، هو حارب لا لحساب نفسه بل حارب حروب الرب لحساب شعبه لذلك حين جاء الوقت ليملكوه ملكوه عليهم بفرح. وهذا حالنا مع المسيح ولاحظ أن أول هدية كانت لبيت إيل = وهي غير بيت إيل المشهورة وهذه في بنيامين. أما بيت إيل المذكورة هنا فهي في يهوذا (يش16:12) وذلك لأن بيت إيل تعني بيت الله وأول ما نذكره يجب أن يكون بيت الله. ونلاحظ أنه لا هدايا للزيفيين فهم خونة لا يستحقون.