|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مشغول بالملك... " لذَّاتي مع بني آدم " (سفر الأمثال 8 : 31)، هكذا قالَ الله. ولهذا خلقنا. خلقنا على صورته ومثاله، وسلَّطنا على كل شيء، لأنَّهُ يُحب أن يتلذَّذ بالشركة معنا، وكانَ شوق قلبه أن نكون أولاد كثيرين، نشابه ٱبنهُ البكر، الرب يسوع المسيح، ومن أجل هذا زرعَ في وسط جنة عدن شجرة الحياة، التي ترمز إلى الابن البكر، الرب يسوع، لنأكل منها ونحيا إلى الأبد على صورته ومثاله، وكان شوق قلبهُ، أن ننشغل فيه باستمرار لكي نشابههُ. وقد أجمعَ مُعظم رجالات الله، أنَّ غاية الله من الخلق كانت مشاركة طبيعتهُ المُحبة مع الإنسان، وقد كانت هذه دائمًا هيَ نيَّة الآب المُعلنة: " لأنَّ الذي سبقَ فعرفهم، سبقَ فعيَّنهم ليكونوا مُشابهين صورة ٱبنه ليكون بكرًا بين إخوة كثيرين " (رومية 8 : 29). فكيف كانَ يُمكن لهذا أن يتحقق؟ عندما خلقَ الله طبيعتنا الإنسانية، خلقَ النفس أو الذات وفيها القدرة على أن تُتنج فينا شَبَهْ صورة يسوع، خلقها لكي تكون آلية موجهة على هدف معين، لكي تُوَلِّد في طبيعة الإنسان أي شيء تُركِّز عليه، فأي شيء ٱنشغلت فيه هذه النفس ستُوَلِّدهُ فينا، إنها تعمل بوعي وبلا وعي، صاحية أو نائمة، لتُنتج فينا نسخة مما كان يشغلها. وفي آدم قصدَ الله للذات، إذ كانت موجهة نحوَ شجرة الحياة، أن تُنتج فينا شبه صورة المسيح. هل يوجد في كلمة الله ما يؤكَّد هذا الكلام؟ بالطبع يوجد، وبولس الرسول بوحي من الروح القدس، الذي يعرف تمامًا طريقة عمل هذه الذات أوصانا بهذه الكلمات الذهبية: " وامَّا الرب فهوَ الروح وحيثُ روح الرب هناكَ حرية، ونحنُ جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغيَّر إلى تلكَ الصورة عينها، من مجد إلى مجد كما من الرب الروح " (2 كور 3 : 17 – 18). هل يكفي هذا الكلام؟ يدعونا الرب من جديد، أن نعود وننظر دومًا إلى مجده بوجه مكشوف، وكأننا ننظر صورته أمامنا في المرآة، وهذه الذات التي خلقها الله لكي تُوَلِّد فينا ما تنشغل فيه، تجعلنا نتغيَّر إلى تلكَ الصورة، صورة الرب يسوع المسيح، من مجد إلى مجد، بفضل عمل الروح القدس فينا. كلام آخر من كلمة الرب يؤكد أن النفس البشرية تعكس ما تنشغل فيه: " علَّموا ألسنتهم كلام الكـذب، فعجزوا عن الرجوع عنهُ... هل يُغّيِّر الحبشي بشرتهُ، والنمـر جلدهُ المرقط؟ إذاً تقـدرون أنتم أن تصنعوا الخير وأنتم تعوَّدتم الشر " (إرميا 9 : 4، 13 : 23). إنشغلت ذاتهم بالكذب وبعمل الشر، فأصبحت طباعهم على هذه الصورة، وصعبة التغيير !!! ودليل آخر عملي من حياتنا اليومية، يؤكده إدمان الناس على أمور معيَّنة أو الإنشغال فيها بصورة دائمة، مهما كانَ نوعها، سيئة أم جيدة، فتراهم يعكسون في حديثهم وتصرفاتهم ما ينشغلون فيه، وسوفَ أتركك تتأمَّل في هذا المبدأ وتفكر فيه مليًا لكي تكتشف صحته، لأنك ستعرف أنك تعكس في كلامك وتصرفاتك كل ما أنت مشغول فيه، وكل ما جعلتَ ذاتك تُركِّز عليه وتنحصر فيه. لكل منا ٱنشغالاته وسيكتشف لوحده صحة هذا المبدأ. لماذا يحصل معنا كل هذا؟ لأنَّ السقوط عندما حصل، لم يتمكَّن من تغيير الطبيعة التي خلق الله فيها ذاتنا البشرية، فهيَ بقيت وستبقى تعمل بنفس الطريقة التي خلقها الله بها، ستبقى تُوَلِّد فينا كل ما تنشغل بهِ. وكل واحد منا يعرف ما هي ٱنشغالاته اليوم، ومن خلال هذه المعرفة الجديدة سيكتشف أسباب سلوكه وتصرفاته. " لأنَّهُ حيثُ يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا " (متى 6 : 21). فإن كان الرب كنزك سيكون قلبك منشغلاً فيه وبكل أموره، وإن كانت أمور العالم، حتى البرئية منها، هي كنزك فهناك سيكون قلبك. هل يوجد حل لهذه المشكلة؟ بكل تأكيد يوجد حل، وهذا الحل هوَ عنوان تأملنا لهذا اليوم: مشغول بالملك... العلاقة مع الله، مع أبينا السماوي، الأب المحب والذي ضحّى بٱبنه الوحيد والمحبوب لكي يستعيد معنا الشركة، ليست بعد اليوم وفي ظل العهد الجديد علاقة تهديد، تُغيِّر سلوكك أو تُعاقب، تفعل هذا أو يحصل لكَ هذا، بل هيَ علاقة مختلفة تمامًا علاقة النعمة الغنية، لأنَّ الرب يعرف أنَّ: " النفس الشبعانة تدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مر حلو " (أمثال 27 : 7). نعم، فالنفس التي تشبع من الله ومن محبته، ستدوس العسل، وإن داست العسل فكم بالحري ستدوس المر، والأمور البشعة التي شغلنا أنفسنا بها، فأضحت حياتنا غير مشابهة لحياة الرب. الحل أن تشبع نفوسنا مجدَّدًا من الرب لتدوس كل ما هوَ بشع، الحل أن نعود وننشغل بالملك، وبجمال الملك، وبصفات الملك، نُوجِّه أنفسنا نحوه ونحوَ أموره، فتُوَلِّد فينا هذه النفس صورته وصفاته من جديد فنشابهه، ناظرين جميعًا مجد الرب بوجه مكشوف، فنتغيَّر إلى تلكَ الصورة عينها. " ٱسمعي يا ٱبنتي أُنظري وأميلي أُذنكِ، إنسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك جمالكِ. هوَ سيدك فاسجدي لهُ... المجدُ لبنت الملك في خدرها، فمن نسيج الذهب ملابسها... يزففنها بفرح وٱبتهاج ويُدخلنها قصرهُ الملكي " (مزمور 45 : 11 – 16). الملكة هيَ مُلك للملك وحدهُ، والدعوة لها هنا كما نقرأ، أن تنسى شعبها وبيت أبيها، أن تنسى القديم، أن تنسى أصلها القديم، وإنسانها القديم، وأن تنسى ما ركَّزت عليه الذات التي فيها فجعلتها تقلده، وتدخل مُجددًا إلى قصر الملك، تسجد له وتنشغل فيه لتشابهه من جديد، وتصرخ لهُ كما فعلت عروس نشيد الأنشاد والتي ترمز إلى كل واحد منا وإلى الكنيسة جمعاء: " أُجذبني وراءَك فنجري. أدخلني خدرك يا ملكي. لنبتهج ونفرح بكَ، ونذكر حبَّكَ أكثر من الخمر، فعن حق يُحبونك. سوداء ولكنِّي جميلة... أنا مريضة من الحب. ليتَ شماله تحتَ رأسي ويمينهُ تعانقني... أنا لحبيبي أنا وإليهِ ٱشتياقي... إجعلني خاتمًا على قلبك، خاتمًا على ذراعك " (من سفر نشيد الأنشاد). نعم الرب يجذبنا من جديد في هذا اليوم، فنجري وراءه تاركين ما طبعته النفس البشرية فينا، من خصال بشعة وٱهتمامات غير نافعة تُعيق خدمتنا وتعيق مشابهتنا للرب يسوع، فندخل إلى خدر الملك، نُعلن ٱشتياقنا إليه، ونجعلهُ خاتمًا على قلوبنا، ننشغل فيه ليل نهار، ونجعل شماله تحت رأسنا ويمينه تعانقنا، فيظهر جمالنا بالرغم من كل السواد الذي فينا، كما تقول الكلمة " سوداء لكنني جميلة "، لأنني دخلت إلى خدر الملك، وٱنشغلت فيه، فبدأتُ أتغيَّر الى تلكَ الصورة عينها. وعندما تتخذ قرارًا حاسمًا في هذا الصباح، بأن تقمع هذه الذات، وتُحوِّل تركيزها عن الأمور التي تنشغل فيها الآن مهما كان نوع هذه الأمور سيء، أو ربما يبدو لكَ لا سوءَ فيه، وتجعلها تنشغل بالملك من جديد ستسمع الرب يقول لكَ هذه الكلمات المعبِّرة: " لذلكَ سأفتنها وأجيءُ بها إلى البرية وأُخاطب قلبها. وهناكَ أُعيدُ إليها كرومها، من وادي عكور إلى مدخل تقوة، فتخضع لي هناك كما في صباها وفي يوم صعودها من أرض مصر. في ذلكَ اليوم أقولُ أنا الـرب، تدعونـي زوجي، ولا تدعونـي بعلـي من بعد، لأنِّي سأزيل ٱسم البعل من فمها، فلا تذكرهُ من بعد بٱسمهِ " (هوشع 2 : 16 – 19). هذه هيَ طريقة الرب في العهد الجديد كما سبقَ وقلنا، ليست التهديد، بل سيفتننا بمحبته، ويُخاطب قلوبنا مجددًا، ويُعيد لنا كل الكروم، كل ما سلبه إبليس منا، وكل ما فقدناه بٱنشغال ذاتنا بأمور أخرى غير الملك أو قبل الملك، وتكون النتيجة أننا نخضع لهُ من جديد، لأنَّ النفس الشبعانة بالرب، بالملك، ستدوس كل عسل العالم، وستجوع وتنشغل بعسل الرب، سنعود وننشغل بالرب كما كنا يوم صبانا، يوم خروجنا من أرض مصر، أرض الخطيئة. هل تذكر محبتك الأولى عندما تعرفت على الرب للمرة الأولى؟ هكذا سيُعيد الرب لكَ محبتك الأولى، صباك معهُ يومَ أخرجكَ من أرض مصر، فتدعوه من جديد زوجي وليسَ بعلي، وسيُنسيك الرب ٱسم البعل، سيُنسيك الرب شعبك وبيت أبيك القدماء، فلا تعود تذكرهم من بعد، ولا تعود هذه الذات ترغب بأن تنشغل بأمور العالم أو أية أمور قبلَ الرب، بل ستنشغل فقط بالملك. عندما تأتي لتنام في الليل، مشغول بالملك، عندما تفيق الصبح، مشغول بالملك، تصحى وترنيمات الشكر على فمك، تذهب إلى عملك، مشغول بالملك، تلتقي مع معارفك، مشغول بالملك، عيونك تنظر إلى أمور السماء ولا تنشغل بعد اليوم بالأمور الأرضية الفانية، ترى نفسك مثل الغرباء على هذه الأرض، وتتوق دومًا إلى السماء وأمور السماء، عندها لا بُدَّ أن تتغيَّر من جديد إلى صورة يسوع: " ونحنُ غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى. لأنَّ التي تُرى وقتية وأمَّا التي لا تُرى فأبدية، لأننا نعلم أنه إن نُقِضَ بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد، أبدي... فإذًا نحنُ واثقون كل حين وعالمون أننا ونحنُ مستوطنون في الجسد فنحنُ متغربون عن الرب... لذلك نحترس أيضًا مستوطنين كنا أو مُتغربين أن نكون مرضيين عنده... لأنَّ محبة المسيح تحصرنا... " (2 كور 4 : 18، 5 : 1 - 14 ). غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، لكي لا تُولِّد هذه الذات فينا صورة هذه الأشياء فتنطبع فينا وبتصرفاتنا، بل ناظرين إلى التي لا ترى، إلى أمور السماء، إلى الملك، فتُولِّد هذه الذات فينا طباع جديدة وتصرفات جديدة، فنكون كل حين مرضيين عند الرب، والسبب الوحيد، ليسَ الخوف من العقاب والتأديب، بل لأنَّ محبة المسيح الذي صُلِبَ لأجلنا تحصرنا، فننشغل فيه، ننشغل بالملك. أوصى يوناداب أولاده قائلاً لهم: " ولا تبنوا بيتًا ولا تزرعوا زرعًا ولا تغرسوا كرمًا، ولا تكن لكم، بل ٱسكنوا في الخيام كل أيامكم لكي تحيوا أيامًا كثيرة على وجه الأرض التي أنتم مُتغرِّبون فيها " (إرميا 35 : 7). ولنأخذ المعنى الرمزي، المغزى الروحي لهذا الكلام، أدركَ يوناداب قبلَ أن يُدرك بولس الرسول، أننا غرباء على هذه الأرض، وينبغي أن ننشغل بالأمور التي فوق، ننشغل بالملك، وخاف على أولاده أن تنشغل قلوبهم فقط بالبيوت والزرع وهموم الدنيا، فتطبع فيهم هذه الذات تمحورًا حول هذه الأمور، فتُصبح حياتهم مشغولة بهذه الأمور فقط، وينسوا أن ينشغلوا بالملك وبأمور الملك، ولا سبيل إلى ذلكَ إلاَّ عندما يُدركون أنهم غرباء على هذه الأرض، أما موطنهم الحقيقي فهوَ السماء، المكان الذي ينبغي العمل لهُ ونحـنُ علـى هـذه الأرض غرباء، للسماء ينبغي أن نكنز كنوزًا، حيثُ لا ينقب السارقون ولا يُفسِد الصدأ. أحبائي: الملك يدعو عروسته من جديد في هذا الصباح، يريد أن يفتن ويُخاطب قلبها، لكي يُعيد لها كرومها التي ربما أفسدتها الثعالب الصغيرة، يريد أن يُعيد لها أيام صباها يوم أخرجها من أرض مصر أرض الخطيئة، يريد أن يعيد لها محبتها الأولى، يريد أن يجذبها وراءه، يريد أن يُدخلها إلى خدره من جديد، يضع شماله تحت رأسها، ويجعل يمينهُ تُعانقها، ويجعل سوادها جمالاً، يريد أن يحُرِّرها من كل ٱنشغال جعلها سوداء، ويريد أن يُشغلها بجماله، يُشغلها فيه، لكي تتغيَّر من مجد إلى مجد فتعود وتقف أمام شجرة الحياة، وترفض شجرة معرفة الخير والشر، تقف أمام شجرة الحياة الحقيقية، الرب يسوع المسيح بوجه مكشوف، فيجعل الروح القدس يُغيِّرها ويطبع فيها من جديد صورة يسوع الحقيقية. فهل ستقبل العروس هذه الدعوة؟ وتصرخ: مشغولة بالملك ... مشغولة بالملك... سؤال متروك لكل واحد منَّا للإجابة عليه !!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إبنك مشغول بذاته احمينى إبنك مشغول بالعالم نجينى |
مشغول بيا ولا مشغول عنّى |
لأنك دايما مشغول بالداخل وأنا مشغول بالخارج |
أنت مشغول عنه، وهو مشغول بيك👌❤ |
تحبل بالملك الجبار |