اللاهوت لم يفارق الناسوت
بما اننا قد عرفنا ان السيد المسيح له المجد عند تجسده كان الهاً كاملا متأنساً وقد اتحد لاهوته بناسوته بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير فكان بناسوته قابلا لكل ما يطرأ عليه من صعوبات الحياة كالجوع والعطش والتعب والصراخ والبكاء والحزن وسائر التجارب العالمية ما عدا الخطية وأما بلاهوته فتعال عن ذلك علواً كبيرا فيهب الشبع للجوعان ويروي العطشان ويريح من التعب ويعزي الحزين ويخلص من التجارب وقد شهد الروح القدس بذلك علي افواه الرسل القديسين فيقول بطرس الرسول الذي حمل هو خطايانا في جسده علي الخشبة وقال الرسول اذ أرسل الله ابنه في شبة جسد الخطية ولاجل الخطية دان الخطية في الجسد وبصريح العبارة يبرهن بطرس عن موته بالجسد قائلا : مماتاً في الجسد ولكن محي في الروح لانه مكتوب عنه الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يدني منه فعند موته اسلم روحه الطاهرة قائلا : لابيه ياأبتاه في في يدك استودع روحي وهكذا مات بناسوته ولم يفارق لاهوته جسده لحظة لا قبل الصلب ولا حين الصلب ولا بعد الصلب . واذ تقرر ذلك نقول انه لا يمكن ان يكون في المسيح فعلان . احدهما يضاد الاخر واحد يولد والاخر لا يولد واحد يبهر بالعجائب والاخر تقع عليه الاهانات. واحد يصلب والاخر لا يصلب . بل أن المولود والصانع العجائب والمصلوب هو واحد. هذا هو الايمان الرسولي واتفاق اصوات البشيرين واقوال الاباء.
ومما يبرهن علي عدم موته انه لما طعنه احد الجنود بالحربة خرج من جنة ماء ودم علامة علي انه حي ولن يموت . وجاء في تاريخ الكنيسة الذي اخذ عن التقاليد القديمة ان يوسف ونقوديموس لما شرعا في تحنيط السيد امسك يوسف يده وقال هذه اليد العظيمة التي كددت المخلوقات تموت وانا احنطها. ففتح المسيح عينية وتبسم في وجه فصرخ عند ذلك يوسف قائلا : قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت . ولذلك قد رتبت الكنيسة هذه التسبحة بين ترنيماتها في اسبوع الالام . اذن فليكن معلوما ان قبول ربنا الالام والموت لم يكن من حيثية لاهوته الاقدس . اذ ان اللاهوت منرة عن كافة الانفعالات ولذلك لم تتطرق اليه التأثيرا بما انه متحد بالناسوت اتحاداً ذاتياً طبعياً أقنومياً لا يقبل الانفصال ولا الافتراق ولا يشوبه تثنية .