|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبيح المرتل للخالق يدعونا التفسير التلمودي والمدراش إلى ملاحظة أننا نجد أول هللويا في سفر المزامير هنا في نهاية هذا المزمور. فهو مزمور مجد الخالق، العامل في الخليقة كلها لحساب الإنسان. يهب الحيوانات والطيور احتياجاتها، ويُجَدَّد وجه الخليقة، ويجعل من الشيطان ألعوبة يسخر منه المؤمن. إنه مزمور التهليل بالله محب البشر. لقد لاق بالمؤمن أن يتغنى بلا انقطاع: "باركي يا نفسي الرب". فإن اكتشاف المؤمن للنور الساكن فيه إلهه والسحاب الذي هو مركبة ربه وخدامه اللهيب النار يُفَرِّح قلب المؤمن. لأنه ينعم بصورة خالقه، فينسكب النور الإلهي عليه بالبهاء، ويحمل قوة فائقة حيث تعمل الطبيعة لحسابه، بل ويصير مع خدام الله السمائيين نارًا متقدة بالحب الإلهي. يَكُونُ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ. يَفْرَحُ الرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ [31]. كل ما خلقه الله صالح وحسن. إنه يُسَر بعمله، أما الخطية التي ليست من عمله فلا يُسَر بها. يفرح بنا فيما هو صنعه، ولا يسر بما صار دخيلًا إلى الطبيعة التي خلقها. * "يفرح الرب بأعماله" ليس في أعمالك بكونها لك، لأنه إن كانت أعمالك شريرة، فهي بسبب شرك؛ وإن كانت صالحة، فهي بنعمة الله. القديس أغسطينوس * كثيرون يَدْعون أنفسهم "رجالًا" (أناسًا)، لكنهم ليسوا بالحق هكذا. فالبعض يعيشون بسلوك بهيمي، بينما آخرون بسلوك الزواحف، يبثون حنقهم كوحوش مفترسة. لهذا يقول داود نفسه: "والإنسان في كرامةٍ لا يبيت يشبه البهائم" (مز 49: 12)... لكن بالتأكيد تُستخدَم كلمة "إنسان" على من يحمل صورة الله (تك 1: 27) هذا الذي يحمي كرامته بطريقة لائقة، ويعرف الخيار بين الخير والشر، ويهب مجده لخليقته التي تبتهج به، وتجد مسرتها فيه (مز 104: 31). هكذا "كان رجل في أرض عوص اسمه أيوب". فقد كانت المنطقة قفرًا موحشًا، لكن به غرس أليف (هو أيوب)... كان أيوب كنزًا لا ينقصه شيء. كان مملوءً من عنب مغروس. كان كاملًا كخليقة الإله الحق، إذ استخدم فضائله لحساب الحق بغير رياء، متممًا وصايا الله... فقد عبد الله حسبما يريد الله . الأب هيسيخيوس الأورشليمي النَّاظِرُ إِلَى الأَرْضِ فَتَرْتَعِدُ. يَمَسُّ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنُ [32]. يرى كثير من آباء الكنيسة مثل القديسين أغسطينوس وجيروم إن الله يريد أن يقيم منا سماءً جديدة. فإن قَبِلنا عمله فينا ننعم بنظراته إلينا، ونجد فيها فرحنا وشبعنا. إن صممنا أن نعيش كأرضيين مرتبطين بالزمنيات لا الأبديات فإن نظراته تُرعب ما هو أرضي فينا، وتزلزله لعلنا نرجع إليه ونصير سماءً. إن تشامختْ نفوسنا، فحسبنا أنفسنا جبالًا، يلمسنا فندخن! * أيتها الأرض، لقد كنت تفتخر بصلاحك، تنسب لنفسك كمالك وغناك (الروحي). انظرْ، هوذا الرب يتطلع إليك، ويجعلك ترتعب، فإن ارتعاب التواضع أفضل من ثقة الكبرياء... لذا فلتعملْ برعدة. لتسمع مزمور آخر: "اعبدوا الرب بخوفٍ، واهتفوا برعدةٍ" (مز 2: 11)... "يمس الجبال فتدخن"، ماذا يعني دخان الجبال؟ أنهم يُصَلُّون للرب.. أنه جبل، أنه محتاج أن يلمسه الله لكي يدخن. عندما يبدأ يدخن يقدم صلوات لله، إذ هي ذبيحة قلبه. إنه يدخن نحو الله، عندئذ يقرع قلبه، ويبدأ يبكي، فإن الدخان يسبب دموعًا. القديس أغسطينوس * يتوقف وضع الأرض على قوة الله. هذا يمكنكم أن تتعلموه من المكتوب: "الناظر إلى الأرض فترتعد" (مز 104: 32). وفي موضع آخر: "مرة أخرى أنا أُحَرِّك الأرض". لهذا تبقى الأرض ثابتة لا بتوازنها، وإنما تتحرك غالبًا بناء على موافقة الله وإرادته الحرة. يقول أيوب أيضًا: "يزعزع الرب الأرض من مقرها" (راجع أي 9: 6)... أقام الرب الأرض بمساندة إرادته، لأن في يديه كل أقاصي الأرض (مز 95: 4). القديس أمبروسيوس * أراد النبي أن يُعَرِّفنا عظم قدرة الله فقال: "الناظر إلى الأرض فترتعد". إن جسم الأرض العظيم وثقلها، إذا نظر الله إليها بغضبٍ ترتعد مثل ورقة الشجر أمام هبوب الريح. وإذا مسّ الجبال تلتهب وتدخن، كما حدث مع جبل سيناء، إذ كان يسطع دخانًا عندما كان يشرع الله الشريعة القديمة... قال القديسان أثناسيوس واسيشيوس في يوم القيامة ترتعد جميع الأمم الموجودة على الأرض من خوفهما. وأيضًا الجبال، أعني القوات المضادة تضطرم وتدخن. الأب أنسيمُس الأورشليمي أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلَهِي مَادُمْتُ مَوْجُودًا [33]. من يلتصق بالرب يتمتع بالحياة الجديدة المتهللة، فيتغنى كل كيانه بالرب حياته. * "أغني للرب في حياتي". بماذا يعني؟ بكل ما يرغب فيه... حياتنا في الوقت الحاضر هي رجاء فقط، حياتنا ستكون أبدية فيما بعد... إذ هو يُحَب إلى الأبد، فإنه يُسَبَّح بواسطتنا أبديًا. القديس أغسطينوس * أغني أن الذي يردد بعقله إحسانات الله السابقة واللاحقة، وعنايته واهتمامه بتدبير العالم، ويفكر بنظم قدرته وحقه وعدله، ومجازاته في يوم الدينونة لكل واحدٍ حسب أعماله ينخشع ويسبح الله ويرتل له، ليس بالقول فقط، لأن الذهبي الفم قال: إنك يا هذا لو أنفقت نهارك بجملته في التوسل والتضرع، وإن صلَّى من أجلك العالم كله، وكانت سيرتك غير مرضية، فلا تفعل الصلاة شيئًا البتة. وأما إن كان العمل مطابقًا للصلاة، فذاك يلذ لله خطابه، ويرتقي إلى منزلة الملائكة، وينال مطلوبه، ويترجى نوال منح أخرى، ويفرح بالرب. الأب أنسيمُس الأورشليمي فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ [34]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "فيلذ له كلامي (محادثتي). يُسَر الله بنفوسنا المتهللة به، وتُسَر نفوسنا بالتسبيح له. * ما هي محادثة الإنسان مع الله سوى الاعتراف بالخطايا؟ اعترفْ لله بما أنت عليه فتدخل في محادثة معه. تحدَّث معه ومارس الأعمال الصالحة، وحاوره. يقول إشعياء: "اغتسلوا، تنقوا" (إش 1: 16). ما هي المحادثة مع الله؟ اكشفْ نفسك لذاك الذي يعرفك، لكي يكشف نفسه لك يا من لا تعرفه. انظروا هذه هي محاورتكم التي تلذ الرب: تقدمة التواضع التي لك، تعب قلبك، مُحرَقة حياتك، هذه تلذ الله. لكن ما هو الذي يرك أنت؟ "وأنا أفرح بالرب". هذه هي المحادثة التي أعنيها التي بين الله وبينك: أظهر ذاتك لذاك الذي يعرفك، وهو يظهر نفسه لك يا من لا تعرفه. ما يسره هو اعترافك: وعذبة لك هي نعمته . أنه يتحدث معك؛ كيف؟ بالكلمة. أية كلمة؟ المسيح! القديس أغسطينوس * حلو هو صوت النفس حينما تنطق بكلمة الله، حينما تشرح إيمان الحق وتعليمه، حينما تكشف عن معاملات الله وأحكامه . * يقول داود النبي الحكيم العظيم: "يلذّ له نشيدي" (مز 34:103). يصير صوت النفس عذبًا حينما يردد كلمة الله، ويفسر الإيمان وتعاليم الحق، ويكشف عن معاملات الله وأحكامه . * عندما صارت (العروس) أهلًا أن يُقال لها ما قيل أيضًا لموسى: "وموسى يتكلم والله يجيبه" (خر 19: 19)، حينئذ يتحقق فيها ما يقوله: "أسمعيني صوتك" (نش 2: 14). حقًا إنه لمدح عظيم لها يتضح من هذا القول: "صوتكِ حلو" (نش 2: 14). هكذا أيضًا قال النبي العظيم في الحكمة داود: "ليلذ له كلامي" (راجع مز 104: 34). بكون صوت النفس لذيذًا له، عندما تنطق بكلمة الله، وتشرح الإيمان وتعاليم الحق، عندما تكشف معاملات الله وأحكامه. العلامة أوريجينوس * لتعلموا أن هذه الصلاة هي حديث مع الله، اسمعوا النبي يقول: "فيلذ الله حواري" ، أي ليكن كلامي جالبًا للسرور أمام عيني الله. ألا يستطيع أن يخدمنا قبل أن نسأل؟ إنه ينتظر حتى نُقَدِّم له الفرصة، فيجعلنا أهلًا لعنايته. وسواء نلنا ما طلبناه أم لا، فلنواظبْ على صلواتنا، ولنشكره لا حينما ننال طلبتنا فحسب، بل وحينما لا ننالها. وإذا ما شاء الله ذلك ألا يجيب سؤالنا لأن ذلك فيه خير لنا، نشكره كما لو كنا قد نلنا ما نطلبه في الصلاة. فإننا لا نعرف ما هو الخير بالنسبة لنا كما يَعْلم هو. لهذا يليق بنا أن نشكر، سواء نلنا طلبتنا أو رُفضتْ . القديس يوحنا الذهبي الفم لِتُبَدِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْض، وَالأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. هَلِّلُويَا [35]. يُعْلِن هذا المزمور عن صلاح العَالَم الذي خلقه الله، فلا موضع للخطية فيه، ويُباد الخطاة [35]. فإن روح الله يعطي قوة للتطهير، فيعود الشر إلى التراب الذي منه يصنع الله خليقة جديدة. يرى القديس جيرومأن المرتل لم يقل: "لتُبد الخطاة أبديًا" وإنما "من الأرض"، فالمرتل لا يطلب هلاكهم في نار جهنم، إنما يطلب رجوعهم عن الشر، مشتهيًا ألا يوجد أشرار على الأرض. * "لتُبد الخطاة من الأرض". ليُبادوا تمامًا، لتنُزَع روحهم منهم، كي يرسل (الرب) روحه فيتجددوا. "والأشرار لا يكونوا بعد" كيف لا يكونوا بعد إلا بكونهم أشرارًا؟ ليتبرروا، فلا يكونوا بعد أشرارًا. لقد رأى المرتل ذلك، فامتلأ فرحًا وكرر العبارة الأولى من المزمور: "باركي يا نفسي الرب". القديس أغسطينوس * لتبد الخطاة من الأرض". لا يصلي النبي لكي يهلك الخطاة، بل أن تُبطَل الخطية. عندما لا تظهر بعد الخطية، لا يوجد بعد خطاة، ويكون الكل أبرارًا. "الأشرار لا يكونوا بعد"، فلا يكونوا بعد خطاة، بل يصيروا أبرارًا. القديس جيروم * يضرع المرتل طالبًا إبادة الظلم والخطية، لأن الإنسان ليس عدوًا للإنسان، لكن حركة الشر التي في الإرادة الحرة... يتحدث القديس بولس عن هذا بإسهاب عظيم حينما يقول إن حربنا هي ضد السلاطين، ضد القوات، ضد رؤساء هذا العالم، ضد أرواح الشر في العلويات (أف 6: 12) . القديس غريغوريوس النيسي * قال يوحنا الذهبي الفم: إن النبي المضبوط بقوله: "لتُبد الخطاة من الأرض، والأثمة حتى لا يوجدوا فيها"، ليس مراده هلاكهم وعدم وجودهم، لأن الله وأتقياءه لا يريدون هلاك الخاطئ، بل خلاصه وإصلاحه. فقوله لتُبد من الأرض، تعني لتبطل رغبتهم في الأرضيات وتُباد، وتصلح سيرتهم، ويُعدم وجودهم في السوء. وقال ديديموس: إنه في يوم الانقضاء، السماء والأرض تتجددان، وتكونان بريئتيْن من كل فسادٍ وحزنٍ، ومملوءتيْن من الفرح والسرور، وتصيران مسكنًا للصديقين. أما الخطاة والأثمة فيُبادون من الأرض، ويذهبون إلى نار جهنم التي لا تُطفَأ. فإذ عرفتِ هذا يا نفسي باركي الرب، وواظبي على الصلاة مسنودة بسيرة حميدة. الأب أنسيمُس الأورشليمي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أن سرّ تسبيح المرتل وتهليل قلبه مسرة الله بالخلاص |
مزمور 104| المجد للخالق المُبدع |
مزمور 79 | تسبيح المرتل |
مزمور 33 - مزمور تسبيح حكمي ليتورجي |
مزمور 104 - تفسير سفر المزامير - المجد للخالق المُبدع |