|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شنوده الثالث كل إنسان يحب نفسه، ولا يوجد أحد لا يحب نفسه، وهذا أمر طبيعي، على أن تكون هذه المحبة صادقة ونقية، وبعيدة عن الأنانية. غير أن هناك محبة خاطئة للنفس، لأنه توجد بعض الحروب الروحية التي تسمى حروب الذات، وكذلك عبادة الذات، التي يتمركز الإنسان فيها حول نفسه. ويقول "أريد أن أبني نفسي، أن أحقق ذاتي، أن أرفع ذاتي..". ولا يهمه في كل ذلك أن يفقد نقاوة ذاته، أو أن يعمل على تحطيم غيره في محبته للنفس. وهنا تكون محبته لنفسه محبة خاطئة.. ونود هنا أن نتطرق إلى الوسائل التي بها يحب الشخص نفسه محبة خاطئة. المحبة الجسدانية والمادية: هذه التي فيها شهوة الجسد، وشهوة اللذة والمتعة والرفاهية: لذة الحواس التي تقود إلى الشهوة والخطية، وفرح الإنسان بهذه المتع بحيث يجد في تحقيقها محبة لنفسه.. وقد يجد انه يؤكد محبته لنفسه بالأتساع في الغنى، وكل ما تشتهيه عيناه لا يمنعه عنهما. وهكذا يفتح أمام نفسه أبواب اللهو والعبث والطيش، بكل ما في ذلك من صداقات وعلاقات خاطئة. ويظن انه بذلك يعمل على إشباع نفسه من فرط محبته لها، بينما هو يفسدها!! إن محبة النفس محبة حقيقية، لا تأتى في هذا الطريق الخاطئ، الذي ينام فيه الغير، ويبعد الإنسان عن الله، ويحيا وكأنه مجرد جسد، بلا روح! المحبة الخيالية هي لون خاطئ آخر في إشباع النفس... حيث لا يستطيع الشخص أن يمتع نفسه بطريقة مادية أو واقعية. فيسبح في تصورات إسعادها بمجرد الفكر. ويلذذ نفسه بالفكر وبالخيال! يسعد نفسه بما يسمونه: أحلام اليقظة. فكل ما يريد أن يمتع به نفسه من أمور اللذة والرفاهية، يغمض عينيه ويتخيله! ويؤلف حكايات وقصصًا، عن متع لا وجود لها في عالم الواقع... ويقول لنفسه سأصير وأصير وأعمل وأتمتع. وقد يستمر في هذا الفكر بالساعات وربما بالأيام! ويستيقظ لنفسه فإذا به في فراغ، وقد ضيع وقته..! إن المحرومين عمليًا، قد يعوضون أنفسهم بالفكر .. دون أن يتخذوا أي إجراء عملي بناء يبنون به أنفسهم. وكما يقول المثل العامي "المرأة الجوعانة تحلم بسوق العيش"! مثال ذلك أيضًا تلميذ لم يستذكر دروسه ولم يستعد للامتحان، فيجلس إلى كتبه، ويسرح في أحلام اليقظة انه نجح بتفوق وصار وصار. ويصحو لنفسه وقد أضاع وقته! إن المتعة بالخيال، قد تكون اقوي من المتعة الحسية: لان الخيال مجاله واسع لا يقف عند حد. ويتصور تصورات لا يمكن أن تتحقق في الواقع . ويكون سعيدًا بذلك سعادة وهمية.. وكثير من المجانين يقعون في مثل هذا الخيال الذي يشبعون به أنفسهم . ويجدون به أنفسهم في مناصب ودرجات وألقاب.. والفرق بينهم وبين العقلاء أنهم يصدقون ما يتخيلونه. ويصيبهم نوع من المرض يسمى البارانويا Paranoia، وحكاياته كثيرة... إنه خيال يظن به هذا النوع من الناس أنهم يجدون أنفسهم بالإشباع الفكري والمتعة الخيالية بالأوهام. بينما يضرون أنفسهم بإبعادها عن الجهد العملي الذي يفيدها. المعارضة والصراع هناك لون آخر ممن يحبون أنفسهم محبة خاطئة، يظنون أنهم يبنون أنفسهم عن طريق معارضة الكبار والصراع معهم . وهؤلاء يظهرون على الساحة وكأنهم شعلة من النار، في التفكير والحركة والعراك: وإذ لا يقدرون على العمل البناء، يظنون أنهم يجدون أنفسهم بهدم الذين يبنون! فهم يعملون على هدم وتحطيم غيرهم أن استطاعوا. ويحسبون بذلك أنهم قد صاروا أبطالا!! لا يسرهم شيء مما يعمله العاملون، فينتقدون كل شيء. ويبحثون عن أخطاء لتكون مجالًا لعملهم في النقد والنقض والتشهير. وكأنهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم. وفي نفس الوقت الذي يسعون فيه لتحطيم كل بناء بناه غيرهم، لا يبنون هم شيئا!! وإذ يفتخر الشخص منهم بأنه مقاتل Fighter، يجد أخيرًا انه عاش في فراغ، ولم يكتب له التاريخ أي عمل إيجابي يستحق التسجيل ... مثال هؤلاء التلميذ المشاكس في الفصل الدراسي. الذي يشعر انه قد وجد ذاته في معاكسة المدرسين! ويظن ذلك جرأة منه وشجاعة وبطولة يبنى بها نفسه التي يحبها . بينما يكون قد فقد مستواه العلمي، وفقد بذلك مستقبله. ولا تنفعه تلك البطولة الزائفة ! ومثال آخر: ذلك الذي يقول أن عنده الجرأة أن "يقول للأعور انه اعور في عينه" ويفقد بذلك المحبة وحسن المعاملة والسمعة الحسنة. وأسوأ منه أولئك الذين يفقأون عيون المبصرين، ثم يعيرونهم بما فعلوه بهم! نوع آخر من الذين يحبون أنفسهم محبة خاطئة هم: التائهون عن أنفسهم! كإنسان كثير الحركة، ربما في أنشطة بلا عمق، وينسى خلالها روحياته وبناء نفسه! يرى أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، فيجب عليه أن يكون إنسانًا تكنولوجيًا: يسير مثل الآلة: حركة دائما بلا توقف... يعمل في كل مجال، ولا يقف لحظة ليفكر في أبديته، أو ليحاسب ذاته أين قلبه الآن؟ وما درجة روحياته، وما هي علاقته بالله ؟ وهل لديه وقت للصلاة والتأمل؟ وماذا اعد لأبديته؟! وفى هذه المحبة الخاطئة لنفسه، التي قد نسيها في خضم مشغولياته العديدة كان عليه أن يقيم توازنًا بين أنشطته وأبديته، وان يذكر قول السيد المسيح: "وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه". الحرية حسب هواها: قد يحب الإنسان نفسه، فيرى أن تسلك نفسه حسب هواها، دون رقيب، ودون ضابط . ولا يقبل أن يتدخل احد في شئونه، فلا نصح من صديق، ولا نقد من معارض. ولا سلطة من أب أو مشرف أو رئيس! بل يفعل ما يشاء بلا قيد . حتى القيم والمبادئ والتقاليد، يسره أن يتخلص منها!! بعض من هؤلاء، يسمون أنفسهم الليبراليين "أي المتحررين" بينما الحرية الحقيقية هي أن يتحرر الإنسان في الداخل من الخطايا والشهوات المنحرفة.. وأكثر من هذا الوجوديون، الذين يريدون التمتع بالوجود، عن طريق التخلص من الله ووصاياه بشعار "من الخير أن الله لا يوجد، لكي اوجد أنا"!! كل هؤلاء بمحبة أنفسهم لحرية خاطئة منحرفة، إنما يهلكون أنفسهم .. أمر آخر في المحبة الخاطئة للنفس هو : الإعجاب بالنفس: كأن يكون الإنسان بارًا في عيني نفسه، أو حكيما في عيني نفسه !! ويدخل ذلك في عبادة النفس . ولا مانع. عند هذا الشخص. أن يكون الكل مخطئين، وهو وحده الذي على صواب. وهذا النوع يبرر ذاته في كل خطأ. وان شرح له احد أخطاءه، لا يقبل ذلك، ويستمر على ما هو فيه. ويرفض كل توجيه. وإذا عوقب على خطأ، يملأ الدنيا صراخًا انه مظلوم! ولا ينظر إلى الذنب الذي ارتكبه، إنما يصف من عاقبه بالقسوة! ويظن أن دفاعه عن نفسه محبة لها، بينما هو يثبتها في أخطائها. مثل هذا ترتبك مقاييسه الروحية والأدبية والعقلية . ويضيع نفسه. والعجيب انه . على الرغم من أخطائه يمدح نفسه . ويحب أن يمدحه الغير. وان مدحوا سواه يستاء كما لو كان هو الأحق من غيره بكل مديح ! على أن كثيرًا من الذين يقعون في الإعجاب بالنفس، يكون الله قد منحهم بعض المواهب. لكنهم استخدموا المواهب في الإضرار بأنفسهم، وفي الغرور. ومثلهم أيضًا من قد اضروا أنفسهم بما نالوه من مركز أو شهرة. فلكي يتعالوا في الرفعة، وقعوا في الخيلاء، أو أصبحوا ينظرون من فوق إلى من هم دونهم في الوظيفة أو في المال!! |
|