بالنعمة أخذنا روح التبني
بالحقيقة دعينا لنشارك السيد المسيح في الميراث، ولنأخذ روح التبني، لا بحسب استحقاقنا، بل بنعمة الله. لذلك تتخذ هذه النعمة موضعها في افتتاحية صلاتنا بقولنا "أبانا". وتنبعث المحبة من دعوتنا له "أبانا" لأنه أي شيء أحب إلى الأبناء أكثر من أبيهم؟! كما يجد البشر في الصلاة بهذه الكلمة جرأة لأخذ ما قد أوشكوا أن يسألوه لأنهم نالوا عطية عظيمة كهذه، وهي أن يدعوا الله "أبًا لهم". فإن كان الله قد وهبهم أن يكونوا أبناء له، فأي العطايا يحرمهم منها..؟!
وأخيرًا أي جزع ينتاب الفكر عندما ينادي الله "أبانا" دون أن يبرهن على جدارته كابن لأب عظيم كهذا؟! فلو سمح لرجل عامي أن يدعو أحد العظماء المتقدمين في السن أبًا له، أفلا يضطرب. ولا يجسر على دعوة ذلك العظيم أبًا له بسبب اتضاع أصله وفقره وأميته، فكم بالأكثر يكون حالنا عندما ندعو الله أبًا لنا..؟! لنرتعب إن كان يشوب حياتنا عار عظيم وانحطاط شديد... الأمر الذي لا يمكن أن يوجد في أبينا، ناظرين إلى أن الرجل العظيم يخشى من انتساب الفقير له بسبب فقره. . حقًا إن العظيم يزدري بما في الفقير من فقر، الأمر الذي يتعرض له العظيم نفسه، أما الله فلن يلتصق به العار والانحطاط قط. فشكرًا لمراحم الله التي تتطلب منا أن ندعوه "أبانا" تلك العلاقة التي ننالها دون أن ندفع ثمنًا ما من جانبنا بل أخذناها بإرادته الصالحة.
هنا نجد تعليمًا للأغنياء أيضًا، وذوي النسب الرفيع - الأمر الذي يهتم به العالم - وهو أنه ينبغي عليهم متى صاروا مسيحيين ألا يفتخروا على الفقراء وبسيطي النسب، لأن جميعهم يدعون الله "أبانا" اللقب الذي لا يمكنهم أن يتفوهوا به بصدق وتقوى ما لم يعلموا أنهم إخوة.