|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا تواضروس مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة أعظم راحة تتوزع ساعات اليوم عند الإنسان على ثلاثة أقسام متساوية غالبًا: 8 ساعات للنوم وهو الاحتياج الأول عند الإنسان. 8 ساعات للعمل أو الدراسة والبحث وهي ساعات الإنجاز. 8 ساعات تختلف من إنسان لإنسان ولكنها تتوزع على الأنشطة التالية: الأسرة والأصدقاء والعبادة والصحة والهواية والقراءة والخدمة والنواحي الشخصية. والمعروف أن جميع البشر يتساوون في عطية الوقت اليومية، إذ ينالون 24 ساعة كل يوم مهما كانت أعمارهم أو أعمالهم أو مؤهلاتهم أو صحتهم أو خدمتهم. والإنسان يبحث دائمًا عن الراحة سواء الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية، حتى أنه من الوصايا العشر وصية “اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ” (خر 20: 8)، أي تخصصه لأعمال المحبة والرحمة والعبادة والتفرغ من كل أشكال العمل الأرضية ليكون يومًا مخصصًا لأجل الله. وفي الخلقة التي تمت في ستة أيام انتهت بخلقه الإنسان ذكرًا وأنثى في اليوم السادس ليكون قمة الخليقة ثم مكتوب: “وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ، وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا” (تكوين 2: 2، 3). والراحة في مفهوم الوصية رمز للتحرر من العمل والمسؤولية وليس راحة الكسل والنوم، رغم أن الإنسان يقضي ثلث عمره في النوم والاسترخاء، وهذا يعتبر أحد الأسرار الإنسانية عند علماء الدراسات الإنسانية: لماذا ينام الإنسان؟! والإجابة البسيطة: لكي يرتاح. ويأتي السؤال الذي لم يجد له العلماء إجابة وهو: لماذا يرتاح؟!.. وفي تاريخ بني إسرائيل كانوا يشتاقون إلى أرض الراحة أو أرض الميعاد، كما هو موصوف في كتب العهد القديم، ويعتبرون ذلك أنه الراحة المرجوة، ولكنهم لم ينعموا بذلك على الإطلاق، فيقال أن مدينة السلام أورشليم القدس بنيت منذ ثلاثة آلاف سنة لم تنعم بالسلام سوى ثلاثين عامًا فقط عبر تاريخها الطويل. ويأتي السؤال الشخصي: ما هي أعظم راحة عند الإنسان؟! والإجابة مدهشة إذ أن أعظم راحة هي خدمة الآخرين والتعب والبذل من أجلهم!!! وما أحلى الراحة الداخلية التي يشعر بها الإنسان بعدما يخدم الآخرين في أي من مجالات الخدمة الواسعة وربما كان هذا السبب وراء إنشاء المنظمات والهيئات التي تخدم الآخرين دون مقابل، مثل هيئة الصليب الأحمر أو أطباء بلا حدود وغيرها، والتي تعتمد أساسًا على عنصر الخدمة التطوعية دون أي منافع مادية، وتمتد خدمتهم عبر الشعوب والدول دون غرض معين سوى مساعدة وخدمة الإنسان في وقت الأزمات دون أدنى منفعة سوى الراحة الداخلية. واجتماعيًا يختلف مفهوم الراحة من إنسان لآخر، فالبعض يعتبر أن الراحة هي الإجازة أو الفسحة أو السفر إلى بلاد أخرى أو التنزه بين الحدائق أو الراحة المنزلية بكافة صورها، وهذه وغيرها غير مفهوم الكسل والتراخي وعدم العمل بأي شكل بل والنوم حتى في أوقات غير ساعات الليل أو عدم بذل المجهود بأي شكل، ومكتوب إن “الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا” (أم 12: 27). ومن أجمل الفقرات الكتابية التي تتحدث في هذا الموضوع سفر الأمثال: “اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا” (أمثال 6: 6). إذن الراحة الحقيقية هي التعب من أجل الآخرين حتى أن السيد المسيح جاء إلينا مكملاً عمل الخلاص للإنسان حيث قال على الصليب: “قَدْ أُكْمِلَ” (يو 19: 30) فكان بذل الصليب وآلامه هي عطية الخلاص للإنسان وفرح الله أن تكون لخليقته الحياة الأبدية: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يوحنا 3: 16). وطبعًا هناك فرق كبير بين العمل في وظيفة ما لها أجر أو مرتب أو مقابل مالي، وبين الهواية التي يمارسها الإنسان بدون أجر أو مقابل مادي سوى الحصول على متعة وراحة نفسية تجعل الإنسان يمضي الساعات والساعات دون كلل أو ملل محصلاً سلامًا نفسيًا وراحة داخلية حتى وإن بذل العرق والوقت والمجهود المضني وهذا يحقق سعادته الداخلية. هكذا خدمة الآخرين في مجالات عديدة ولكن الهدف هو إسعاد الآخر سواء كان طفلاً يتيمًا مثلاً أو إنسانًا معاقًا من ذوي القدرات أو مريضًا أو مسنًا متقدمًا في الأيام أو الانخراط في مساعدة البشر في أوقات الضيق والكوارث الطبيعية أو النزاعات والحروب القتالية. صديقي القارئ العزيز لن تشعر بالراحة الحقيقية إلا عندما تتعب في خدمة الآخرين: الأب والأم الذين يبذلون الكثير والكثير في تربية وتنشئة أبنائهم. المدرس والمعلم وهو ينقل خبرات الحياة في تعب وبذل لكل تلاميذه. الخادم والخادمة الذي يتعب في افتقاد أبنائه وربطهم الحيوي بالكنيسة. الكاهن الذي يكرس حياته في خدمة ورعاية شعبه بكل قطاعاته. المسؤول الكنسي أو المدني في خدمته أو عمله المتعلق بخدمة الآخرين وتسهيل أمور الحياة أمامهم. إن الراحة المتحصلة من خدمة الآخرين أينما كانوا وأينما ظهروا هي التي تحصن الإنسان ضد الأنانية والتقوقع حول الذات، حيث يخرج الإنسان من انحساره حول نفسه إلى الآخرين في تعب وبذل وتضحية حقيقية تجعله يشعر بإنسانيته وبرسالته في الحياة كما أرادها الله له. وينطبق نفس الأمر عندما ندعو أحدًا إلى الخدمة أو التكريس أو الكهنوت أو الأسقفية.. هي ليست دعوة ترقية أو منصب أو رياسة ولكنها دعوة إلى “التعب المريح” أي خدمة الآخرين.. خدمة كل إنسان وكل الإنسان. صديقي تمتع بالراحة الحقيقية في تعبك وبذلك لكل أحد. |
|