الإ
جابة:
نص كلمة قداسة البابا شنوده الثالث في لقاء الحوار المسيحي - الإسلامي في الدوحة بتاريخ الأحد 27 حزيران 2004:
بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا.
أحييكم جميعًا
نشكركم على كرم وحفاوة استقبالكم لنا وعلى هذه الفرصة للحوار الإسلامي - المسيحي تجمعنا فيه قومية واحدة هي القومية العربية ولغة واحدة، وإيمان بإله واحد وتجمعنا في هذا الحوار أيضًا مصالح مشتركة ومصير واحد وقيم وأخلاقيات واحدة.
دورنا كرجال دين أن ننشر الخير على الأرض وتوجيه التدين إلى تحقيق الصالح العام وحل المشكلات الاجتماعية والبيئية والتنموية. ونشر السلام والخير بين الناس.
فلنقترب من بعضنا البعض، ولنذكر في كل هذا ما ورد في صورة الحجرات "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم".
فالتعارف هو فضيلة كبرى أن يعرف كل منّا الآخر.
وإذا تعارفنا مع بعضنا البعض فسوف نتقارب ونتفاهم ويطمئن كل منّا إلى أخيه. وتكون النتيجة أن نتعاون جميعًا معًا. بالحوار تلتقي العقول والأفكار ويمكن تصحيح أية صورة مغلوطة أو خاطئة.
والحوار فيه التعليم الإسلامي "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل 125).
الحوار ليس صراعا بين الأديان والحضارات إنما هو تعاون بين الكل. ليس هو مناظرات عقائدية إنما هو التفات نحو القيم الروحية المشتركة.
كلنا متدينون. المسلم متدين والمسيحي متدين. وكلنا نعبد الله. وكلنا نحب الفضيلة والخير. بقي أن نعمل معًا. بالحوار يمكن لكل منا أن يفهم الآخر، وان يكتشف الخير الذي فيه، ويحب الخير الذي فيه.
وبالحوار يمكن التعرف على نقاط التواصل ونقاط التلاقي. على أن المبدأ الأساسي في الحوار، أن تحاور الإنسان لكي تربحه لا لكي تهزمه. لذلك نرى بولس الرسول يقول: "كنت مع اليهودي كيهودي لكي اربح اليهودي. ومع اليوناني كيوناني لكي اربح اليوناني. ومع الذين لا ناموس "أي بلا شريعة" لكي اربح الذين بلا ناموس. كنت مع الكل كل شيء لكي اربح على كل حال قوم".
فالحوار هو مفتاح تفتح به القلوب والأفهام. وفي سفر الأمثال لسليمان الحكيم "رابح النفوس حكيم". والدين دعا إلى السماحة في الحوار. في الإسلام "لو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك".
هنا ترى أن هناك مساحة واسعة بيننا يمكن أن نعمل فيها. يمكن أن نعمل معا في نشر الفضيلة والبر ومقاومة الرذيلة. ويمكن أن نعمل معًا في قضايا وطنية كثيرة. ويمكن أن ندعو إلى الإيمان، أما عن حرية الدين أو الحرية الدينية. فالله تبارك اسمه، خلق الإنسان حرًا منذ البدء. وخلق الملائكة أحرارًا. وعن طريق الحرية أمكن أن يخطئ الإنسان وأمكن أن يخطئ ملاك.
والله يخاطب موسى النبي في "سفر التثنية" فيقول الله "قد جعلت أمامك الحياة، والموت أمامك، البركة والنعمة. فاختر الحياة لكي تحيا".
لقد ترك الله الناس أحرارًا، حتى في الأوقات التي انحرف فيها البعض إلى إنكار الله أو إلى رفضه.
ولكن مع الحرية الدينية، توجد المسؤولية، ويوجد الثواب والعقاب.
ومع الحرية اوجد الله الوحي، واوجد الوصايا، واوجد النعمة التي تسند الإنسان في جهاده الروحي.
والحرية الدينية هي حرية في العقيدة، وحرية أيضًا في السلوكيات.
ولكن ينبغي في السلوكيات أن تكون الحرية منضبطة. فلا يستطيع إنسان أن يدعى الحرية، وهو يعتدي على حريات الآخرين، أو على حقوقهم. فالحرية مرتبطة بالانضباط. مرتبطة بوصايا الله. مرتبطة بالنظام العام. مرتبطة بالقانون أيضًا. ونحن نريد هذه الحرية الدينية المنضبطة. وعملنا كرجال دين هو أن نشرح الخير للناس لمنعهم عن الشر، دون أن نرغم أحدًا.
فالحرية الدينية هي علاقة بين الإنسان والله. علاقة يحكمها الضمير، وعلاقة تتعلق بالقلب من الداخل. فالكتاب المقدس يقول "يا ابني" أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي". فالله يريد لقلب الإنسان أن يكون قلبًا طاهرًا. وكل خير يأتي عن طريق الإرغام لا اجر له على الإطلاق. أننا نريد أن نعيش أحرارًا مع الله. حرية يربطنا فيه الحب والإيمان. نحب بعضنا البعض.
والسلام سلام مع الله، وسلام مع الناس، وسلام داخل النفس مع الضمير. حيث يقول الكتاب: "لا سلام قال الرب للأشرار". (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا).
فالإنسان الذي يعيش في الخطيئة ويعصى الله يفقد سلامه مع الله، ويفقد سلام ضميره، ويفقد راحة قلبه.
نشكركم على هذا المؤتمر، ونرجو أن يعيش كلنا في سلام مع بعضنا البعض. نتعاون في نشر الخير ونرتبط باستمرار مع بعضنا البعض برباط الحب والسلام.