أود أن أرفع راية الخطر حول الاندفاع الحماسي للخدمة من جانب أشخاص لم يعرفوا الرب بعد، وليس لهم علاقة حقيقية معه·
لقد امتلأت الكنائس بالأنشطة، وصارت - بالنسبة للبعض - مجالاً لتحقيق الذات، واستعراض المهارات لكل مَن يريد أن يقول: "أنا هنا"، شابًا كان أم فتاة· وتحت شعار "الخدمة" يتزاحم الكثيرون، كلٌّ يبحث عن مكانٍ لنفسه وليس عن مكانٍ للمسيح·
إن كثيرين من الشباب لهم علاقة بالأنشطة الروحية، وليس لهم علاقة حيّة مباشرة مع الله· ومع الوقت يُتقنون هذه الأنشطة من حيث الأداء والممارسة الشكلية، ويظنّون أنهم يقدِّمون خدمة ناجحة للرب· وقد تحظى هذه الأنشطة بإعجاب ومديح الناس، وهذا يزيد من الشعور بالإنجاز، والانتماء، والترفيه، والترويح عن النفس، وتنفيث الطاقات الكامنة في الداخل· كل هذا دون أن يكون لهم علاقة صحيحة أو اختبار حقيقي مع الرب!
وهذه الممارسات التي لها القالب الديني، وما تحققه من أهداف نفسية للشاب أو الفتاة، ليست عيبًا في حدِّ ذاتها· وهي على أي حال أفضل كثيرًا من أن تُوجَّه الطاقات في الشرور مع شباب العالم· ولكن العيب هو أن نُسمّي هذه "خدمة للرب"·
والخطر يكمن في أن هذه الممارسات التي لها الشكل الروحي، ستصبح مُخدِرًا لضمير مَن يمارسها· والشيطان سيخدعه بأنه ليس مؤمِنًا فقط، بل خادمًا وقائدًا ناجحًا في الأوساط الروحية· ويصبح من الصعب للغاية إقناعه بأنه خاطي ويحتاج إلى التوبة ورجوع حقيقي إلى الله، وأن يبدأ من جديد ناسيًا كل ما مضى· وعليه أن يتضع وينكسر ويشعر بفساده الداخلي، ويدرك أنه لا يمكن أن يُمثِّل على الله؛ فيرفض نفسه في التراب والرماد·
لقد تقابل الرب مع نيقوديموس، وكان رئيسًا لليهود، وشيخًا موقَّرًا، ومعلَِّمًا جليلاً للناموس· ومع هذه المكانة الدينية، قال له يسوع: «ينبغي أن تُلدوا من فوق» (يوحنا3: 7)·
إن صورة التقوى والتدين الظاهري وكثرة النشاط والحماس والجهد المبذول لأداء هذه الأنواع من الخدمات، هي نوع من الأسلوب الدفاعي الذي يقوم به الشخص ليستر حالته العارية أمام الله، أو ليكفِّر عن شرور يفعلها في الخفاء· لكن الله يكره هذا الأسلوب، ولا يطيق الإثم والاعتكاف، ويحذِّر من العروج بين الفرقتين· وفي يوم قادم سيأتون قائلين: «أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرِّح لهم إني لم أعرفكم قط» (متى7: 22 ،23)·
إن هذه الأنشطة الشكلية والتي من خلالها يحقِّق الشاب ذاته، ويُشبع هوايته، لا تحتاج إلى شركة مع الله ولا إلى عمق كتابي· فهي تعتمد بالأكثر على الأناقة واللباقة والرشاقة والجاذبية وقوة الشخصية وخفة الروح والذكاء الاجتماعي ونبرات ال ومهارة الأداء والقدرة على انتزاع إعجاب الآخرين· وكل هذه المقوِّمات الإنسانية يمكن أن تتوفر في إنسان لا يعرف الله ولم يوُلد من فوق· إنها أنواع من الفنون في الإطار الديني الذي يلقى قبولاً متزايدًا من الجماهير، وقد أخذ صورًا متعدِّدة متخصِّصة، لكل تخصص منها فريق· وهو يُؤدَّى بطاقة نفسية وحماس جسدي في كثير من الأحيان· وفي هذه الحالة هو بعيد عن مفهوم الخدمة يقية المرضية لدى الله، والتي تنبع بالضرورة من علاقة حية مع الله، وتعتمد على روح الله·
إن العلاقة الصحيحة مع الله تبدأ بالتوبة والرجوع إلى الله، والإيمان الذي يتبعه تغيير حقيقي وجذري في كيان الشخص يشمل الأفكار والاهتمامات والرغبات والدوافع والأهداف وأسلوب الكلام والتصرفات والعادات والمعاشرات· لقد امتلك هذا الشخص حياة جديدة هي حياة المسيح، وطبيعة جديدة هي طبيعة الله، وسكن فيه روح الله· وصار إنسانًا جديدًا يختلف تمامًا عن الإنسان الطبيعي الذي لا يعرف الله·
وهذه العلاقة التي بدأت بالتوبة والرجوع، تجعله يوميًا يعيش في محضر الله، يقف أمامه، يشعر بوجوده، يتلامس روحيًا معه، يتكئ على صدره، يشعر بالحب والانتماء إليه، يستمع إليه ويتكلم معه، يحب الكتاب ويحب الاختلاء مع الله· يشتاق أن يعرفه أكثر وينمو في معرفته· لا يستطيع أن يستغني أو يستقل عنه· يشعر بالاحتياج المستمر له· يستند عليه ويثق فيه· يبدأ يومه معه، ويحكي معه خلال اليوم كأفضل رفيق، ويختم اليوم معه، ويستمتع بابتسامة رضاه عن هذا اليوم· يفحص نفسه كل يوم ويخاف أن يجرح مشاعره· وإذا حدث يسرع الخُطى لكي يعترف بخطئه ويدين نفسه طالبًا المعونة لكي يُحفَظ من الذلل· إنه يحبه ويشتاق إن يخدمه خدمة مرضية بخشوع وتقوى·
وهذا هو الأساس الصحيح للخدمة الصحيحة