|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفَرْحَانُ بِبَلِيَّةٍ (أم17: 5) تحذير يبدو لأول وهلة غريب، إذ كيف يفرح أحد ببليَّة؟ الكلمتان متنافرتان. معنى الأولى بحسب الأصل العبري: ”فرحان، مبتهج، سعيد“، والثانية: ”مصيبة، كارثة، ضيق، حزن“، فكيف تتَّفق الكلمتان؟! في الواقع تتَّفق الكلمتان تمامًا مع قلب الإنسان ”النجيس“؛ قلب يهوى الشماتة، يستمتع بمصائب الغير، يشفي غليله ويتلذَّذ بضيق أعدائه، بل وأحيانًا إخوته! لذلك لزم التحذير من هذا الفرح. لكن تعلن باقي الآية إن مثل هذا الشخص ”لاَ يَتَبَرَّأُ“، أي أنه لن يفلت من العقاب، لن يتحرَّر من ذنبه، ويُوقِع الكآبة في نفسه. دعونا من هذا المنطلق نرى ثلاثة أمثلة توضح ذلك، الأول يعلن شدة العقوبة، الثاني سرعة العقوبة، والثالث إشراف الرب نفسه على العقوبة: أولاً: شدَّة العقوبة وهذا ما حدث مع الرب والذين عادوه، أعني اليهود. كان هو الوديع الذي جاء إليهم بكل محبة، وقال: «أمَّا أَنَا فَفِي مَرَضِهِمْ كَانَ لِبَاسِي مِسْحًا. أَذْلَلْتُ بِالصَّوْمِ نَفْسِي ... كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى أُمِّهِ انْحَنَيْتُ حَزِينًا، وَلكِنَّهُمْ فِي ظَلْعِي (عرجي أي سقطتي) فَرِحُوا وَاجْتَمَعُوا» (مز35: 13-15). ما أردأ القلب حين يُجازي عن الخير شرًّا، هل يوجد شيء أبشع من فرحتهم وشماتتهم فيه وهم حوله عند الصليب؟ يفغرون الشفاه ... يتفرسون ببليته ... يشمتون ويشتمون ... يستهزئون بشخص اجتمعت فيه كل معاني الرقة والمحبة، يستمتعون بعذابه وضيقته الشديدة! ولكن لم يمضِ على فرحهم هذا ثلاثة أيام حتى محاه القبر الفارغ، وحل محلَّه قلق ورعب، ولم يتبرؤوا. فما أشد الأهوال التي لحقت بهم ولازمتهم! حين ننظر إلى تاريخ الشعب اليهودي حتى الآن، نعجز عن حصر عقوبة فعلتهم، فقد حصدوها حصادًا مريرًا، شمتت بهم شعوب، تمعَّن الكثيرون في إهانتهم، حلَّت بهم مصائب وكوارث لا حصر لها، وما زال أمامهم أهوال أقصى وأمَّر ستنصب عليهم. ثانيًا: سرعة العقوبة فرح أقطاب الفلسطينيين بسقوط شمشون وأسره؛ فذبحوا ذبائح لداجون إلههم، أكلوا حتى طابت قلوبهم، طلبوه ليلعب لهم، ليفرحوا بحزنه. اجتمعوا معًا في بيتٍ ليستمتعوا بمشاهدته وهو مبتلى، ليتلذذوا بمصيبته. لكن سرعان ما ”أَتَتْ بَلِيَّتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ“ (أم1: 27)؛ انطبقت السماء على رؤوسهم، مات جميع من كانوا في البيت، بالإضافة إلى ثلاث آلاف رجل وامرأة على السطح كانوا ينظرون لعب شمشون، كل من اشترك في تلك الجريمة. إنهم بحق لم يفرحوا إلا للحظة! ثالثًا: إشراف الرب بنفسه فرح أدوم وشمت ببلية إسرائيل أخيه، الأمر الذي ساء في عيني الرب جدًّا، حتى إنه أشار إلى هذا الأمر في أكثر من موضع: «وَلاَ تَشْمَتَ بِبَنِي يَهُوذَا يَوْمَ هَلاَكِهِمْ، وَلاَ تَفْغَرَ فَمَكَ يَوْمَ الضِّيقِ ... كما فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ» (عو12-15)، «اِطْرَبِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ أَدُومَ ... عَلَيْكِ أَيْضًا تَمُرُّ الْكَأْسُ» (مرا4: 21)، «كَمَا فَرِحْتَ عَلَى مِيرَاثِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ خَرِبَ، كَذلِكَ أَفْعَلُ بِك. تَكُونُ خَرَابًا يَا جَبَلَ سَعِيرَ أَنْتَ وَكُلُّ أَدُومَ بِأَجْمَعِهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ» (حز35: 15). هنا نرى الرب بنفسه يوبِّخ أدوم، يحمل القضية محمَل الجَدِّ، بل يبرهن عن ذاته بأنه هو الرب «فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ»، حين يوقع بأدوم جزاءهم، ويحقِّق فيهم ما شمتوا به، ويؤكد أنهم سيحصدون البلايا التي فرحوا لوقوع أخيهم بها من خراب وضيق. سيشربون من الكأس نفسه. ليتنا نرهب؛ فالرب نفسه يشرف ويتمِّم عقاب الفرحين ببلايا الغير، وخاصة الفرحين ببلايا إخوتهم! حذار من هذا الفرح! واسمع صوت الحكمة محذِّرة «الْفَرِحِينَ بِفَعْلِ السُّوءِ، الْمُبْتَهِجِينَ بِأَكَاذِيبِ الشَّرِّ» (أم2: 14). نجِّ نفسك وتبرَّأ منهم قبلما ينطبق عليك القول: ”لاَ يَتَبَرَّأُ“. ولنطلب من الله أن يُغيِّر قلوبنا، فالشماتة ليست خاضعة كلية لإرادتنا، بل هي رغبة قلبنا الشرير، نابعة من داخلنا. ليت قلوبنا تتشبَّه بقلب داود الذي حزن على موت عدوه شاول الذي اضطهده بلا سبب، طارده وكدَّر حياته، أذاقه طعم التشرُّد. لكن في النهاية نرى داود باكيًا نائحًا على موت شاول، والذي كان عقابًا من الله له (2صم1: 11، 12)! حقًّا إنه رجل بحسب قلب الله. |
16 - 10 - 2017, 11:45 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: الفَرْحَانُ بِبَلِيَّةٍ
ليت قلوبنا تتشبَّه بقلب داود الذي حزن على موت عدوه شاول الذي اضطهده بلا سبب، طارده وكدَّر حياته، أذاقه طعم التشرُّد. لكن في النهاية نرى داود باكيًا نائحًا على موت شاول، والذي كان عقابًا من الله له (2صم1: 11، 12)! حقًّا إنه رجل بحسب قلب الله. ربنا يفرح قلبك |
||||
17 - 10 - 2017, 10:01 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الفَرْحَانُ بِبَلِيَّةٍ
شكرا على المرور |
||||