|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس كيرلس الأورشليمي الروح القدس الواحد؛ المعزي، الذي تحدث في الأنبياء "وأما من جهة المواهب الروحية أيها الإخوة، فلست أريد أن تجهلوا... فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح الواحد" (1 كو 12: 1، 4). 1. بالحقيقة إننا نحتاج إلى نعمة الروحانية لكي نتحدث عن الروح القدس، لا لكي نفي الموضوع حقه، فإن هذا مستحيل، بل حتى إذا ما تحدثنا بكلمات الكتاب المقدس نكمل مقالنا بغير خطرٍ. لأنه بالحقيقة أمر مخيف ما جاء في الأناجيل أن المخلص تحدث بوضوح قائلًا: "من قال كلمة على الروح القدس، فلن يُغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي" (مت 12: 32). يسود الخوف من أن يسقط أحد تحت هذا الحكم، إن تحدث بما لا يليق بخصوص الروح عن جهل أو وقار مزعوم. إن ديان الأحياء والأموات -يسوع المسيح- قد أوضح أنه ليس عنده غفران، لذلك فمن يخطئ أي رجاء يكون له؟! 2. إذن يليق بنا أن تعمل فينا نعمة يسوع المسيح نفسه حتى لا ننطق بعيب. كما يجب عليكم أن تسمعوا بتمييز، لأن التمييز لازم ليس فقط للمتكلين، بل وللسامعين أيضًا، لئلا يسمعوا شيئًا ويفهمون شيئًا آخر خطأ. إننا لا نتكلم عن الروح القدس إلاّ بما هو مكتوب، وأما ما هو غير مكتوب فلا ننشغل به. الروح القدس نفسه تكلم في الكتب. وقد تكلم عن نفسه قدر مسرته أو قدر استطاعتنا في الأخذ. لنتكلم بما قالته الكتب، أما ما لم تقله، فلا نجسر أن نقوله. 3. يوجد روح قدس واحد وحيد، المعزي. وكما يوجد الله الآب واحد وليس أب آخر، وكما يوجد ابن واحد وحيد كلمة الله الذي ليس له أخ، هكذا يوجد روح قدس واحد وليس هناك ثان مساوٍ له في الكرامة. الروح القدس قوة غاية القدرة، (أقنوم)(12) إلهي لا يُستقصى، فهو حيّ عاقل. مقدس كل ما خلقه الله خلال الابن. إنه ينير أرواح الأبرار. كان في الأنبياء وفي رسل العهد الجديد. ممقوتين هم الذين يفصلون عمل الروح القدس (في العهدين)! إنه يوجد الله واحد، الآب رب العهد القديم والجديد، ورب واحد يسوع المسيح الذي تنبأ عنه العهد القديم، وجاء في العهد الجديد، وروح قدس واحد كرز بالمسيح خلال الأنبياء، وحينما جاء المسيح نزل وأعلنه! 4. ليته لا يفصل أحد بين العهد القديم والعهد الجديد. لا تسمحوا لأحد أن يقول أن الروح القدس في الماضي شيء، وفي الحاضر شيء آخر، لأنه بهذا يخطئ إلى الروح القدس ذاته، الذي يُكرَّم مع الآب والابن، ويُذكر كأحد الثالوث القدوس عند العماد المقدس. إذ قال ابن الله الوحيد للرسل بوضوح: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن، والروح القدس" (مت 28: 19). رجاؤنا هو في الآب والابن والروح القدس. نحن لا نكرز بثلاثة آلهة. ليبكم أتباع مرقيون، فإننا نكرز بالروح القدس خلال ابن وحيد، نكرز بالله الواحد. الإيمان غير منقسم، والعبادة غير منفصلة. نحن لا نفصل الثالوث القدوس كالبعض، ولا نعمل مثل سابيليوس تشويشًا، لكننا بحسب التقوى نعرف أبًا واحدًا أرسل ابنه ليخلصنا. نعرف ابنًا واحدًا وعد أن يرسل لنا المعزي من عند الآب. نعرف الروح القدس تكلم في الأنبياء، وحلّ على الرسل في يوم البنطقستي على شكل ألسنة نار، هنا في أورشليم في كنيسة الرسل العليا، إذ لنا في كل شيءٍ امتيازات عظمى مختارة. هنا جاء المسيح من السماء، وهنا حلّ الروح القدس على الرسل، وبالحق كان لائقًا جدًا أن نعظ هنا عن المسيح والجلجثة في الجلجثة، وكان يليق أن نتحدث عن الروح القدس في الكنيسة العليا (التي حلّ فيها الروح على التلاميذ). ومع ذلك فإذ يشترك الذي حلّ هناك، فيمجد ذاك الذي صلب هنا. فإننا هنا أيضًا (في كنيسة الجلجثة) نتحدث عن ذاك الذي حلّ هناك، لأن عبادتهما غير منفصلة. 5. نتكلم الآن عن بعض الأمور الخاصة بالروح القدس، لا لنوضح طبيعته كما هي، هذا مستحيل، وإنما نتحدث عن أخطاء البعض بخصوصه، حتى لا نسقط فيها عن جهلٍ، ولكي نغلق طريق الخطأ، فنسير في الطريق الملوكي. فإن كررنا بعض عبارات الهراطقة بقصد الحذر، فإن أقوالهم ترتد على رؤوسهم، ولا نكون نحن الذين نتكلم أو أنتم الذين تسمعون مخطئين. 6. لأن الهراطقة، الذين هم أنجس من كل شيء قد سنوا ألسنتهم (مز 140: 3) ضد الروح القدس أيضًا، إذ تجاسروا ونطقوا بأشياء مملوءة نفاقًا كما كتب إيريناؤس المفسر في توصياته ضد الهراطقة. إذ تجاسر البعض فادعوا أنهم هم أنفسهم الروح القدس. من هؤلاء سيمون الساحر المذكور في سفر الأعمال، لأنه حين طُرد أخذ ينادي بهذه التعاليم. وأيضًا الغنوصيون أناس منافقون تكلموا بأشياء أخرى على الروح، وأتباع فالنتيان الأشرار يقولون بأشياء أخرى، وأيضًا ماني النجس تجرأ وقال إنه البارقليط المرسل من المسيح. آخرون ادعوا أن الروح في الأنبياء يختلف عنه في العهد الجديد. حقًا إن خطأهم أو تجديفهم عظيم. لذلك أمقتوا هؤلاء، واهربوا من المجدفين على الروح القدس، الذين ليس لهم غفران. لأنه أية صداقة تكون لكم مع من لا رجاء فيهم، يا من ستتعمدون من الروح القدس؟! إن كان من يلتصق بلصٍ ويوافقه يتعرض للعقوبة، فأي رجاء لمن يخطئ ضد الروح القدس؟! 7. لتمقتوا أيضًا أتباع مرقيون الذين يفصلون بين أقوال العهد القديم والعهد الجديد، لأن مرقيون أعظم المنافقين زعم أولًا وجود ثلاثة آلهة، وإذ عرف أن في العهد الجديد شهادات الأنبياء عن المسيح ترك الشهادات المأخوذة من العهد القديم حتى ترك الملك (المسيح) بغير شهادة. امقتوا الغنوصيين السابق ذكرهم، الذين يدعون العلم وهم مملوءون جهلًا، إذ تجاسروا وقالوا أشياء كهذه ضد الروح القدس لا أجسر أن أكررها. 8. لتبغضوا الكاتفرجيانس(13) ورئيس عصابتهم في الشر "مونتانيوس" وابنتيه المزعومتين ماكسيمالا وبرلسكيلا. لأن مونتانيوس هذا الذي فقد عقله كان مجنونًا بحق... إذ تجاسر وادعى أنه هو نفسه الروح القدس. ذاك الرجل البائس، المملوء من كل نجاسة ودعارة، لأنه يكفي التلميح إلى هذا من أجل النسوة الحاضرات (إذ لا يليق ذكر فضائحه أمامهن). فإذ امتلك ببيوزا Pepuza القرية الصغيرة جدًا في فريجيا دعاها كذبًا بـ"أورشليم"، وكان يقطع حناجر الأطفال الصغار البائسين ويقدمها كطعامٍ دنسٍ لما يسمونه "أسرار"... ومع كل هذا تجرأ ودعا نفسه الروح القدس، هذا الذي كان مملوء نفاقًا وقسوة بلا إنسانية وهو مدان بحكمٍ لا ينُقض. 9. وكما سبق أن قلنا إنه قد تلاه "ماني" الكافر، هذا الذي جمع كل شرور الهرطقات. هذا الذي يمثل هوة الدمار الدنيئة، جامعًا مبادئ كل الهراطقة، وعمل وعلَّم بأخطاء جديدة، وقد تجاسر ودعا نفسه "المعزي" الذي وعد المسيح أن يرسله. لكن المسيح حين وعد الرسل قال لهم: "فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو 24: 49). هل يتجاسر أحد فيقول إنهم لم يمتلئوا على الفور من الروح القدس؟ بل أكثر من هذا مكتوب "حينئذ وضعا الأيادي عليهم، فقبلوا الروح القدس" (أع 8: 17). ألم يكن هذا قبل مجيء "ماني"؟ نعم قبله بمئات السنين حين نزل الروح القدس في يوم البنطقستي! 10. لماذا دُين سيمون الساحر؟ أليس لأنه أتى للرسل قائلًا: "أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان حتى أي من وضعت عليه يديّ يقبل الروح القدس؟!" (أع 8: 19) لأنه لم يقل "أعطياني أنا أيضًا شركة الروح القدس" بل "هذا السلطان" هل يمكن بيع ما لا يمكن بيعه... لقد قدم مالًا لمن ليس لهم مقتنيات، مع أنه رأى الناس يقدمون ثمن الأشياء المباعة، ويضعونها عند أرجل الرسل، إذ لم يأخذ في اعتباره أن هؤلاء الذين وطأوا تحت أقدامهم الثروة المقدمة لإعالة الفقراء ما كان محتملًا أن يعطوا قوة الروح القدس بالرشوة. لكن ماذا قالوا لسيمون؟ "لتكن فضتك معك للهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم" (أع 8: 20)، لأنك صرت يهوذا الثاني، إذ ظننت أن تشتري نعمة الروح بالفضة. فإن كان سيمون يهلك لأنه رغب في أخذ القوة بثمن، فماذا يكون فجور ماني الذي ادعى أنه الروح القدس؟! لنكره هؤلاء (الهراطقة) المستحقين للكراهية، ولنبتعد عن هؤلاء الذين يبتعد الرب عنهم، ولنقل نحن أيضًا بكل شجاعةٍ إلى الله عن الهراطقة، "ألاّ أبغض مبغضيك يا رب وأمقت مقاوميك؟!" (مز 139: 21) لأنه توجد عداوة حقة، إذ مكتوب "سأضع عداوة بينك وبين نسلها" (تك 3: 15)، لأن الصداقة مع الحيّة تصنع عداوة مع الله وتوجد موتًا! 11. يكفينا هذا بخصوص الخارجين، ولنرجع إلى الأسفار المقدسة لنشرب مياهًا من أحواضنا ومن آبارنا النابعة (راجع أم 5: 15). لنشرب من مياه حيَّة تنبع إلى حياة أبدية (راجع يو 4: 14). إذ قال المخلص "هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو 7: 38، 39). لاحظوا ماذا قال، "الذي يؤمن بي كما قال الكتاب (مرجعًا إياكم إلى العهد القديم) تجري من بطنه أنهار ماء حي". ليست أنهارًا تُلمس بالحواس، وتروي الأرض بأشواكها وأشجارها، بل أيضًا تُحضر الأرواح إلى النور. وفي موضع آخر يقول: "الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية"، نوع جديد من الماء، ماء حيّ، ينبع للمستحقين. 12. ولماذا دعا نعمة الروح ماءً؟ لأن كل الأشياء تقوم على المياه. فبالماء ينبت العشب وكل حيّ. لأن مياه الأمطار تأتي من السماء، تنزل مادة واحدة، لكنها تصير في أشكالٍ كثيرةٍ. عين واحدة تروي كل الفردوس، ومطر واحد ينزل على العالم كله، لكنه يصير أبيض في السوسن، وأحمر في الورود، وأرجوانيًا في الزهور... ويتعدد في أنواع مختلفة... ومع ذلك فطبيعته واحدة، غير مختلفٍ في ذاته، إذ لا يتغير، فيسقط تارة في شكلٍ، ومرة أخرى في مادة أخرى، إنما هو يشكل نفسه حسب تركيب الشيء الذي يستقبله، فيصبح لكل شيء حسبما يتلاءم معه. هكذا الروح القدس هو واحد، طبيعته واحدة لا تتغير لكنه يقسم لكل واحد نعمته كما يريد! وكما أن الشجرة الجافة بعدما ترتوي بالماء تصنع فروعًا، هكذا أيضًا النفس في الخطية إذ بالتوبة تتأهل للروح القدس تنبت عناقيد البرّ. ومع أنه واحد في طبيعته، لكن الفضائل التي تنشأ بإرادة الله في اسم المسيح عديدة، فيؤهل لسان إنسان للحكمة، ويضيء نفس آخر بالتنبؤ، ويعطي آخر سلطانًا لإخراج الشيطان، وآخر يهبه أن يفسر الأسفار المقدسة. ويقوي ضبط النفس في إنسانٍ، ويعلم آخر طريق تقديم الصدقات، وآخر يعلمه الصوم وقمع نفسه، وآخر يعلمه احتقار الجسديات، ويهيئ آخر للاستشهاد. إنه متعدد في أناسٍ مختلفين، أما هو فلن يتغير. وكما هو مكتوب: "ولكن لكل واحدٍ يعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحدٍ يعطي بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة ألسنة، ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحدٍ بمفرده كما يشاء" (1 كو 12: 7-11). 13. وإذ جاءت كلمة "روح" عامة في الكتاب المقدس تحمل معان كثيرة، فهناك خوف من أن يسقط أحد في تشويش عن جهل، غير مدركٍ، أي روح هو المقصود به. من أجل هذا يليق بنا الآن أن نحدد لكم كيف يوضح الكتاب المقدس "الروح القدس". لأنه كما أن هرون يدعى مسيحًا، وهكذا داود وشاول وآخرون، ومع ذلك يوجد مسيح حقيقي واحد، هكذا كما أن اسم" الروح" يدعى به أشياء كثيرة، فبالحق يلزمنا أن نعرف أي منها يدعى على وجه التحديد "الروح القدس". فهناك أشياء كثيرة تدعى أرواح: فالملاك يدعى روحًا، والنفس تدعى روحًا، والريح الذي يهب يدعى روحًا، والفضيلة العظيمة تدعى روحًا، والعادة النجسة تدعى روحًا، والشيطان مقاومنا يدعى روحًا،لهذا كونوا حذرين عند سماعكم هذه الكلمات لئلا يختلط معنى في الآخر، لأن أسماءهم جميعًا مشتركة. فبخصوص نفوسنا يقول الكتاب: "تخرج روحه فيعود إلى ترابه" (مز 146: 4). ويقول ثانية عن نفس الروح: "وجابل روح الإنسان في داخله" (زك 12: 1). وعن الملائكة يقول في سفر المزامير: "الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار" (مز 104: 4). وعن الرياح يقول: "وروح عاصف بها تكسر سفن ترشيش" (مز 48: 7)، وأيضًا "النار والبرد والضباب والروح العاصف" (إش 12: 2). وعن التعليم الصالح يقول الرب نفسه: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63) بدلًا من أن يقول "هو روحي". أما الروح القدس فلا ينطق به اللسان، إنما هو روح حيّ يهب الحكمة في الكلام متحدثًا وواعظًا بنفسه. 14. أتريد أن تعرف كيف يعظ الروح القدس ويتكلم؟ لقد نزل فيلبس بإعلان من الملاك إلى الطريق المؤدي إلى غزة حيث كان الخصيّ آتيًا، فقال الروح لفيلبس: "تقدم ورافق المركبة" (أع 8: 29). انظروا هنا إلى الروح فإنه يكلم واحدًا فيسمعه! أيضًا يقول حزقيال: "وحل على روح الرب وقال لي هكذا قال الرب" (حز 11: 5). وأيضًا "قال الروح القدس" للرسل الذين في أنطاكية: "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13: 2). انظر كيف أنه الروح الحي يفرز ويدعو ويرسل بسلطان! بولس أيضًا قال: "غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلًا: إن وثقًا وشدائد تنتظرني" (أع 20: 23). فإنه مقدس الكنيسة ومعينها، معلمها الروح القدس المعزي، الذي قال عنه المخلص: "سيعلمكم كل شيءٍ" (ولم يقل فقط "سيعلمكم كل شيء" بل قال: "وسيذكركم بكل ما قلته لكم"، لأن تعاليم المخلص هي تعاليم الروح القدس بذاتها). أقول إنه شهد لبولس مقدمًا عما سيصيبه حتى يتقوى قلبه أكثر. أما الآن فقد كلمتكم بهذه الأمور بسبب العبارة "الكلام الذي أكلمكم به هو روح" حتى يمكنكم أن تفهموا هذا لا بكلام الشفتين، بل تفهموا التعاليم الصالحة التي لهذه العبارة. 15. ولكن الخطية أيضًا تسمى روحًا، كما قلت، إنما بمعنى آخر مضاد. فمثلًا يُقال "روح الزنى أضلهم" (هو 4: 12). كذلك اسم "روح" يطلق على الروح النجس "الشيطان" بإضافة كلمة "النجس". إذا يليق بالاسم ما يميزه ويجدد طبيعته. فحينما يتكلم الكتاب عن روح الإنسان يضيف كلمة "الإنسان" إلى "روح". وإذ قصد الرياح يقول "روح عاصف". وإذا قصد الخطية يقول "روح الزنى". وإذا قصد الشيطان يقول "الروح النجس". وبهذا تعرف الروح الذي يتكلم عنه، وحتى لا تظنوا أنه يتكلم عن الروح القدس. حاشا لأن اسم "روح مشترك" في أمور كثيرة. على أي الأحوال كل شيءٍ ليس له جسم يدعى على وجه العموم "روحًا". فإذ لا تحمل الشياطين ذلك الجسم تُدعى أرواحًا. لكن هناك اختلاف عظيم، لأنه حين يدخل روح نجس إنسانًا (ليحفظ الله السامعين وغير الحاضرين أيضًا)، فإنه يأتي كذئبٍ يهجم على خروفٍ، متعطشًا إلى الدماء، ومتأهبًا للإهلاك. مجيئه قاس للغاية، أحاسيسه عنيفة جدًا، يظلم الذهن، هجومهم مملوء ظلمًا، يغتصب ممتلكات الغير، ويستغل بالقوة جسم شخص آخر وإمكانياته كما لو كانت له، فيسقط القائمين (إذ هو منتسب للذين سقطوا من السماء) (لو 10: 18)، ويملأ الإنسان ظلامًا فتكون عينا الإنسان مفتوحتين ولكنه لا يرى. يدفع بهذا الإنسان إلى حافة الموت. حقًا إن الشياطين أعداء للناس إذ يستخدمونهم بحماقة بغير رحمة. 16. مثل هذا ليس الروح القدس، حاشا! إذ أعماله عكس ذلك، فهو يعمل كل شيءٍ للخير وللخلاص. مجيئه لطيف، وحمله خفيف، يضيء عند قدومه أشعة نور المعرفة. يأتي بأحشاء حب حقيقي، إذ يأتي ليخلص ويشفي ويعلم وينذر ويقويّ ويحذر ويضيء العقل. يضيء أولًا العقل الذي يقبله، ثم بعد ذلك عقول الآخرين خلاله. وكما أن الرجل الذي يكون في ظلام ثم ينظر الشمس فجأة تستضيء بصيرته الجسدية ويرى بوضوح أمورًا لم يكن يراها من قبل، هكذا أيضًا من يُمنح له الروح القدس تستضيء روحه ويرى أمورًا فوق مرأى الإنسان، لم يكن يعرفها بجسده على الأرض، لكن تنظر روحه إلى السماوات. يرى مثل إشعياء "السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع" (إش 6: 1). ومثل حزقيال يرى "الذي على رأس الكاروبيم" (حز 10: 1)، ومثل دانيال يرى "ربوات ربوات وألوف ألوف" (دا 12: 10). والإنسان الذي هو صغير جدًا يرى بداية العالم ويعرف نهاية العالم والأوقات التي بينهما، ويرى تسلسل الملوك، أمور لم يتعلمها قط، إنما المنير الحقيقي حاضر معه. يكون في داخل أسوار بيته، لكن قوة معرفته تصل إلى بعيد، فيرى ما يصنعه الآخرون. 17. لم يكن بطرس حاضرًا مع حنانيا وسفيرة حين باعا ممتلكاتهما، لكنه كان حاضرًا بالروح، إذ يقول: "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟" (أع 5: 3) لم يكن بينهما، ولا شاهدهما، لكنه عرف ما قد حدث. "أليس وهو باقٍ كان يبقى لك. ولما بيع ألم يكن في سلطانك. فما بالك وضعت في قلبك هذا الأمر؟!" (أع 5: 4) بطرس عديم العلم (أع 4: 13) عرف خلال نعمة الروح القدس ما لم يعرفه حكماء اليونان. كذلك أيضًا أليشع حين شفى برص نعمان مجانًا أخذ جيحزي المكافأة، أخذ مكافأة عمل آخر. أخذ المال من نعمان، وأخفاه في الظلام، لكن الظلام غير مخفيٍ عن القديسين (مز 139: 12). فلما أتى سأله أليشع، وقال له كما قال بطرس: "قولي لي أبهذا المقدار بعتما الحقل"؟! هكذا تساءل أليشع: من أين أتيت يا جيحزي؟ لم يسأله عن جهل، لكنه في أسفٍ يسأله: "من أين أتيت" (2 مل 5: 25)، من الظلام أتيت، وإلى الظلام تذهب. لقد بعت شفاء الأبرص، يكون البرص ميراثك. كأن أليشع يقول إنني نفذت أمر القائل: "مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا" (مت 10: 8)، لكن أنت بعت هذه النعمة (المجانية). يقول أليشع: "ألم يذهب قلبي معك؟" (2 مل 5: 26) لقد كنت هنا محصورًا بالجسد، لكن الروح الذي أعطاني الرب رأى الأمور البعيدة، وكشف لي بوضوح ما كان يحدث في موضع آخر. انظروا كيف أن الروح القدس ليس فقط ينزع الجهل، بل ويهب المعرفة؟! انظروا كيف ينير أرواح الناس؟! 18. عاش إشعياء منذ حوالي ألف عام ورأى "صهيون مثل مظلة". لقد كانت المدينة قائمة جميلة، بأماكنها العامة، متسربلة بالجلال، ومع ذلك... يتنبأ عمًا يحدث الآن في أيامنا هذه. لاحظوا دقة النبوة، إذ قال: "فبقيت ابنة صهيون كمظلةٍ في كرم، كخيمةٍ في حقل خيار"(14). وها هو الآن يمتلئ المكان بزراعة المقثاة. انظروا كيف يضيء الروح القدس للقديسين. فلا تضلوا إذن إلى أمورٍ أخرى بسبب اشتراك الاسم (أي "الروح")، بل تمسكوا بالمعنى الدقيق. 19. فإذا خطر على ذهنكم وأنتم جالسون هنا فكر عن الطهارة والبتولية، فإن هذا من تعليمه. ألم يحدث أن هربت عذراء وهي على عتبة الزواج؟ ألم يحدث أن رجلًا مشهورًا في البلاط الملكي احتقر الثروة والجاه، بسبب تعليم الروح القدس؟ أما حدث أن شابًا أغلق عينه أمام الجمال وهرب من المنظر، تاركًا النجاسة (حيث عرضت عليه الخطية)؟! قد تسألون: كيف حدث هذا؟ الروح القدس هو علمّ نفس الشاب. العالم يعرض طرقًا كثيرة للطمع، والمسيحيون يرفضون حب الامتلاك. لماذا؟ بسبب تعليم الروح القدس! بالحقيقة مستحق الروح القدس الصالح كل كرامة! بالحقيقة نحن معمدون باسم الآب والابن والروح القدس. فيصارع الإنسان وهو في الجسد شياطين قاسية جدًا. والشيطان الذي لا يخضعه رجال كثيرون بعصًا من حديد يخضعه الإنسان بكلمات الصلاة بقوة الروح القدس الساكن فيه، بل يصير نفس هذا الإنسان المتكل على الروح القدس كنارٍ يحرق العدو غير المنظور. لقد أعطانا الله حليفًا وحارسًا قديرًا، ومعلمًا عظيمًا للكنيسة، وبطلا قويًا لإعانتنا. فلا تخف إذن من الأبالسة، ولا من الشيطان، لأن الذي يحارب عنا أقوى منهم. لنفتح له أبوابنا، إذ يبحث عمن يستحقونه ويفتش عمن يستطيع أن يهبهم مواهبه. إنه يدعى المعزي، لأنه يعزينا ويشجعنا ويعين ضعفنا. "إذ لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، لكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا يُنطق بها" (رو 8: 18)، أي يشفع أمام الله. كثيرًا ما يُزدرى بالإنسان ويُهان ظلمًا من أجل المسيح، ويقترب الاستشهاد منه وتحيط به الآلام من كل جانب، من نارٍ وسيفٍ ووحوشٍ مفترسة وجبٍ، ولكن الروح القدس يهمس له بلطف: "انتظر الرب" (مز 27: 14؛ 37: 34). يا إنسان ما يصيبك الآن قليل، أما المكافأة فعظيمة. احتمل إلى وقتٍ قليلٍ، فتكون مع الملائكة إلى الأبد. "آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو 8: 18). إنه يصوّر له ملكوت السماوات، ويعطيه لمحة عن فردوس النعيم. والشهداء الذين بالضرورة تتجه أنظارهم الجسدية تجاه القضاة، إلاّ أنهم بالروح يتجهون نحو الفردوس، فيحتقرون المتاعب المنظورة. 21. أتريد أن تتأكد أن الشهداء يحملون شهادتهم بقوة الروح القدس؟! يقول المخلص لتلاميذه: "ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو ما تقولون، لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه" (لو 12: 11، 12). يستحيل أن يشهد إنسان كشهيدٍ من أجل المسيح، إلاّ إن شهد الروح القدس؛ لأنه إن كان "لا يستطيع أحد أن يقول عن المسيح رب إلاّ بالروح القدس" (1 كو 12: 3)، فكيف يستطيع أحد أن يبذل حياته من أجل يسوع المسيح إلاّ بالروح القدس؟ 22. بالحقيقة عظيم وكلى القوة في مواهبه وعجيب هو الروح القدس! انظروا كم عدد الجالسين هنا الآن؟! كم نفس حاضرة منا؟! إنه يعمل كما يلائم كل واحد، إذ هو حاضر في الوسط، ينظر إلى طبيعة الكل وإلى عقله وضميره وحديثه وفكره وعقيدته! بالحقيقة قد أطلت الحديث ومع ذلك فهو قليل إذ أسألكم أن تفكروا بعقلٍ مستضيء كم مسيحي يوجد في هذه الأسقفية، وكم عددهم في ولاية فلسطين كلها، ثم انتقلوا بعقولكم إلى الإمبراطورية الرومانية، وبعد هذا فكروا في كل العالم... أسألكم أن تأخذوا في اعتباركم كل أمة، والأساقفة والكهنة والشمامسة والمتوحدين والبتوليين والعلمانيين أيضًا، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. انظروا إلى حارسهم العظيم، وإلى موزع المواهب عليهم. كيف يهب في كل العالم لواحد عفة، ولآخر بتولية دائمة، ولآخر عطاء، ولآخر فقر اختياري، ولآخر قوة إخراج الأرواح المقاومة؟! وكما أن النور بلمسة من إشعاعاته يهب ضياء لكل الأشياء، هكذا يضيء الروح القدس لمن لهم أعين. أما إذا لم يكن أحد قد أخذ نعمة بسبب عماه، فلا يلم الروح، بل يلوم عدم إيمانه هو. 23. لقد رأيتم قدرته في كل العالم. لا تمكثوا بعد على الأرض بل اصعدوا إلى العلا. أقول اصعدوا متأملين حتى في السماء الأولى، وانظروا هناك ربوات كثيرة جدًا من ملائكة لا تُحصى. ارتفعوا بأفكاركم إلى العلو قدر ما تستطيعون وانظروا رؤساء الملائكة. انظروا الأرواح أيضًا، فكروا في الفضائل(15)، تأملوا الرؤساء والقوات والعروش والسلاطين. إن المعزي هو المدبر الإلهي لهذه كلها، وهو المعلم والمقدس لها. يحتاج إليه إيليا وأليشع وإشعياء بين البشر، كما يحتاج إليه ميخائيل وجبرائيل بين الملائكة! ليس في الخليقة من يساويه في الكرامة. لأن كل الطغمات الملائكية وجنودهم مجتمعين معًا ليس لهم كرامة الروح القدس. إن قوة المعزي كلي العظمة تظللهم جميعًا. جميعهم مرسلون للخدمة، أما هو فيفحص حتى أعماق الله. إذ يقول الرسول: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله، لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلاّ روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلاّ روح الله" (1 كو 2: 10، 11). 24. لقد كرز بالمسيح في الأنبياء، وهو الذي عمل في الرسل، وإلى يومنا هذا يختم الأرواح في العماد. حقًا إن الآب يعطي الابن، والابن يشترك مع الروح القدس. لأنه ليس من عندي هذا، بل يسوع نفسه يقول: "كل شيء دُفع إليّ من أبي" (مت 11: 27). كما يقول عن الروح القدس: "وأما متى جاء ذاك روح الحق... ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 13، 14). الآب معطي كل نعمة خلال الابن مع الروح القدس. مواهب الآب ليست إلا مواهب الابن ومواهب الروح القدس. لأنه يوجد خلاص واحد، قوة واحدة، إيمان واحد، إله واحد الآب، ورب واحد ابنه الوحيد، وروح قدس واحد المعزي. يكفى لنا أن نعرف هذا، وليس لكم أن تسألوا بشغفٍ عن طبيعته أو جوهره. لأنه لو كًتب عن هذا لتحدثنا عنه، أما وأنه لم يُكتب عنه، فليس لنا أن نخاطر فيه. إنه يكفي لخلاصنا أن نعرف أنه يوجد آب وابن وروح قدس. 25. لقد نزل الروح القدس على السبعين شيخًا في أيام موسى... وأنا أقول لكم هذا لكي أثبت لكم أنه يعرف كل شيء، ويعمل ما يريد (1 كو 12: 11). لقد اُختير السبعون شيخًا، "فنزل الرب في سحابة وأخذ من الروح الذي على (موسى) وجعل على السبعين رجلًا الشيوخ" (عد 11: 25)، ليس بمعنى أن الروح القدس قد انقسم إنما وزّع نعمته حسب الأوعية وسعة القابلين. لقد كان حاضرًا ثمانية وستون شيخًا فتنبأوا، أما ألداد وميداد فلم يكونا حاضرين، من هنا يظهر أنه ليس موسى واهب العطية، بل الروح هو الذي عمل، إذ ألداد وميداد اللذين دُعيا مع عدم حضورهما في ذلك الوقت تنبآ أيضًا. 26. اندهش يشوع بن نون الذي خلف موسى، فأتى إليه وسأل "ألم تسمع أن ألداد وميداد يتنبآن؟! لقد دُعيا ولم يأتيا يا سيدي موسى اردعهما" (عد 11: 28). أجاب: لا أستطيع أن أردعهما، لأن هذه النعمة من السماء كلا! حاشا لي أن أمنعهما، بل أشكر الله على ذلك. إنني لست أظن أنك قلت هذا عن حسدٍ. هل أنت تغار لي. لأنهما يتنبآن وأنت لا تتنبأ إلى الآن؟! انتظر الوقت المناسب. يا ليت كل شعب الرب يكونون أنبياء حين يجعل الرب روحه عليهم! (عد 11: 29) لقد نطق بهذا متنبأ "حين يجعل الرب روحه عليهم". العبارة تقول: "إذ يجعل الرب" أي يجعله يحل على الكل... إنه سيعطى بسخاء. لقد لمح في السرّ إلى ما كان مزمعًا أن يحدث بيننا في يوم البنطيقستي؟، لأن الروح القدس بنفسه حلّ بيننا. 27. لقد حلّ أيضًا على كل الأبرار والأنبياء: أخنوخ ونوح وآخرين، إبراهيم وإسحق ويعقوب. أما بالنسبة ليوسف فحتى فرعون نفسه شعر أن " فيه روح الله" (تك 41: 38). أما عن موسى والأعمال العجيبة التي عملت بالروح في أيامه فقد سمعتم أكثرها. هذا الروح كان لدى أيوب، هذا الذي كان أكثر الناس احتمالًا للآلام، وهكذا كل القديسين دون أن نكرر أسماءهم. أيضًا أُرسل حين كانت خيمة الاجتماع تُقام، وهو الذي ملأ أصحاب القلوب الحكيمة الذين كانوا مع بصلئيل بالحكمة (خر 31: 1-6). 28. بقوة هذا الروح حكم عثنئيل، كما نقرأ في سفر القضاة (قض 3: 10). وبه ازداد جدعون قوة، وانتصر يفتاح (قض 6: 34، 11: 29)، وقامت دبورة المرأة بالحرب، وصنع شمشون أعمالًا تفوق قدرة البشر، حين كان يعمل بالبرّ، ولم يحزن الروح. أما عن صموئيل وداود فنقرأ عنهم ما جاء في أسفار الملوك بوضوح كيف تنبأوا بالروح القدس وكانوا قادة الأنبياء. فكان صموئيل يدعى بـ"الرائي" (1 صم 9: 9). ويقول داود بوضوح "روح الرب تكلم بي" (2 صم 23: 2). وفي المزامير يقول "وروحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11). وأيضًا "روحك الصالح يهديني في أرض البرّ (مستوية) (مز 10:143). وكما نقرأ في سفر أخبار الأيام الثاني أن عزيا أخذ الروح القدس في زمان الملك آسا (2 أي 15: 1)، ويحزئيل في أيام يهوشفاط (2 أي 20: 14)، وزكريا آخر الذي رجم (2 أي 24: 20، 21). ويقول عزرا "وأعطيتهم روحك الصالح لتعليمهم" (نح 9: 20). أما عن إيليا الذي اختطف وأليشع، فهذان الملهمان صانعي العجائب، من الواضح أنهما كانا مملوئين من الروح القدس، دون أن نقول عنهما هذا. 29. هكذا إذا اطلع أحد على جميع كتب الأنبياء الاثني عشر وغيرهم فسيجد شهادات كثيرة بخصوص الروح القدس. فيقول ميخا في شخص الله: "سأصنع قوة بواسطة روح الرب"(16). ويوئيل يصرخ: "ويكون بعد ذلك -يقول الرب- إني أسكب روحي على كل بشر (جسد)" (يوئيل 2: 28)... ويقول حجي: "لأني معكم يقول رب الجنود"، "وروحي قائم في وسطكم" (حجى 2: 4، 5). كذلك زكريا: "لكن اقبلوا كلامي وفرائضي التي أوصيت بها عبيدي الأنبياء بروحي" (زك 1: 6)، وعبارات أخرى. 30. ويقول إشعياء بصوته العظيم: "ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والقوة (التقوى)، ويملأه روح مخافة الرب" (إش 11: 2). مظهرًا أن الروح واحد غير منقسم لكن أنواعه متنوعة. وأيضًا يقول: "يعقوب عبدي... وضعت روحي عليه" (إش 44: 1؛ 42: 1). وأيضًا: "اسكب روحي على نسلك" (إش 44: 3). وأيضًا: "والآن السيد الرب أرسلني وروحه (أرسلني)" (إش 48: 16). وأيضًا: "أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب، روحي الذي عليك وكلامي الذي وضعته في فمك" (إش 49: 21).... وفي شكايته ضد اليهود يقول: "ولكنهم تمردوا وأحزنوا روحه القدس" (إش 63: 10)، "أين الذي جعل في وسطهم روحه القدوس؟!" (إش 63: 11) وحزقيال أيضًا: (إن كنتم لم تتعبوا بعد من الاستماع) فإنه يقول "وحل عليّ روح الرب وقال لي قل هكذا قال الرب" (حز 11: 5). لكن يجب أن تفهم الكلمات "حل عليّ" بطريقة صالحة أي تعني "بمحبة"، فكما وقع يعقوب على عنق يوسف حين وجده. هكذا أيضًا في الأناجيل حين رأى الآب المحب ابنه الذي عاد من ضلاله "تحنن وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو 15: 20). وجاء في حزقيال "وحملني روح وجاء بي في الرؤيا بروح الله إلى أرض الكلدانيين إلى المسبيين" (حز 11: 24). وشواهد أخرى سبق لكم أن سمعتموها في الحديث عن العماد. "وأرش عليكم ماء طاهرًا..." (حز 36: 25)، "وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم" (حز 36: 26). وأيضًا "كانت على يد الرب فأخرجني بروح الرب" (حز 37: 1). 31. لقد اكتست روح دانيال بالحكمة، فأصبح هذا الصغير قاضيًا للشيوخ. لقد دينت سوسنة العفيفة كزانية، ولم يكن من يدافع عنها، لأنه من يقدر أن يخلصها من الحكام (قاضيي إسرائيل الشريرين)؟! لقد سيقت إلى الموت، وتُركت للجلادين، لكن المعزي معينها كان حاضرًا. الروح الذي يقدس كل الخليقة العاقلة. يقول الروح لدانيال اقترب إلى هنا، فمع أنك صغير، لكنك تدين الشيوخ الملوثين بخطايا الشباب، لأنه مكتوب: "أشرق الله الروح القدس على فتى صغير" (سوسنة 45). ومع ذلك (إذ نعبر سريعًا فنقول) أُنقذت السيدة العفيفة بعبارة دانيال. إننا نقدم هذه الشهادة إذ لا يوجد وقت للشرح. نبوخذ نصر أيضًا عرف أن الروح القدس في دانيال، إذ يقول له: "يا بلشاصر كبير المجوس (السحرة)، من حيث إنني أعلم أن فيك روح الله القدوس" (دا 4: 9). لقد نطق بالحق ولم يكذب، لأن بالحق كان معه الروح القدس، ولم يكن كبير سحرة بل لم يكن ساحرًا، بل بالروح القدس كان حكيمًا، إذ فسّر له رؤيا التمثال التي لم يعرفها الذي رآها نفسه، إذ يقول له: أخبرني بالرؤيا التي لا أعرفها أنا الذي رأيتها (إذ رأيتها ولم أذكرها). إنكم ترون قوة الروح القدس، فإن الأمر الذي لم يعرفه من رآه، عرفه بالروح من لم يره، وفسره. 32. بالحقيقة يسهل جدًا عليّ أن أجمع شهادات كثيرة جدًا من العهد القديم عن الروح القدس، وألقيها عليكم بتوسع أكثر، لكن لضيق الوقت، إذ هو محدد نكتفي بما أوردته من العهد القديم، وحسب مسرة الله نستمر في المقال عينه بخصوص الشهادات التي من العهد الجديد. ليحسبكم إله السلام جميعًا مستحقين لعطاياه السمائية الروحية بربنا يسوع المسيح ومحبة الروح، الذي له المجد والقوة إلى أبد الأبد. آمين. |
|