|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل الزقاق الممتلئ خمرًا: 12 « فَتَقُولُ لَهُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: كُلُّ زِقّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا. فَيَقُولُونَ لَكَ: أَمَا نَعْرِفُ مَعْرِفَةً أَنَّ كُلَّ زِقّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا؟ 13 فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَمْلأُ كُلَّ سُكَّانِ هذِهِ الأَرْضِ وَالْمُلُوكَ الْجَالِسِينَ لِدَاوُدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَالْكَهَنَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ سُكْرًا. 14 وَأُحَطِّمُهُمُ الْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ، الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ مَعًا، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَتَرَأَّفُ وَلاَ أَرْحَمُ مِنْ إِهْلاَكِهِمْ». "هكذا قال الرب إله إسرائيل: كل زقٍ يمتلئ خمرًا..." [12]. رأينا في [تفسير إرميا إر 12: 6] أن الكل كانوا يسخرون بإرميا، ينادون وراءه بصوت عالٍ (أو يسخرون به قائلين: يا ممتلئ سكرًا). هذا هو منطق العالم أن كلمة الرب أو الوصية هي أفيون الشعوب، كما ادعى الشيوعيون... أو أن السلوك بالروح هو سُكر أو هروب من الواقع العملي، ولم يدركوا أن الخطية هي المسكر الذي يحطم عقل الإنسان ويفقده وعيه، فيثور ضد إخوته، بل أحيانًا ضد الوالدين أو الأبناء. الخطية خاطئة جدًا، تحطم وتهلك... لهذا حينما يقول الرب: "لا أشفق ولا أترآف ولا أرحم من إهلاكهم" [14]؛ إنما يعني أنه يسلمهم إلى شهوة قلوبهم، ويتركهم لإرادتهم الشريرة فيتحطمون، لأن الله يقدس الحرية الإنسانية ولا يُلزم أحدًا بالشركة معه. وكما يقول الرسول بولس: "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم واظلم قلبهم الغبي... لذلك أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم" (رو 1: 21-24). يشبّه حال الشعب بالزق الذي امتلأ خمرًا، وقد سبق لنا الحديث عن الخمر في الكتاب المقدس بكونه رمزًا لفرح الروح القدس الذي يملأ حياة الكنيسة ويبهج قلب كل عضو مقدس في جسد السيد المسيح، غير أن الخمر هنا لا يشير إلى فرح الروح القدس، وإنما إلى فاعلية الخطية في حياة الجماعة كما في قلب الإنسان. فكما يُشار إلى السيد المسيح بالأسد الخارج من سبط يهوذا بكونه الملك الذي يخلص شعبه هكذا يُشبه إبليس بالأسد من أجل شراسته وطبيعته المفترسة، هكذا الخمر يشير إلى ثمر الروح القدس المفرح كما إلى ثمر الخطايا المحطم. "فتقول لهم هذه الكلمات، هكذا قال الرب إله إسرائيل: "كل زقٍ يمتلئ خمرًا، فيقولون لك أما تعرف معرفة أن كل زقٍ يمتلئ خمرًا؟!" [12]. يفضل البعض الترجمة السبعينية: "وإن قالوا لك: أما تعرف..." عوض: "فيقولون لك". وللعلامة أوريجينوس تعليق جميل على هذه العبارات، إذ يقول: ["فيقولون لك: هل نحن جاهلون حتى لا نعرف أن كل زقٍ يمتلئ خمرًا؟" إذا كان هؤلاء الناس قد أجابوا هكذا متمسكين بالحرف، ومتظاهرين أنهم يعرفون أن كل زقٍ يمتلئ خمرًا، فهم في ذلك مخطئون، لأنه ليس صحيحًا أن "كل زقٍ يمتلئ خمرًا". توجد زقاق تكون مملوءة زيتًا أو أي سائلٍ آخر، ويوجد منها أيضًا ما تزال فارغة. إذًا هم مخطئون، ومع ذلك يجيبون: "هل نحن جاهلون حتى لا نعرف أن كل زقٍ يمتلئ خمرًا". سنشرح هذه الإجابة كالآتي: إن كان يوجد بين الزقاق واحد يمكن أن ُيقال عنه إنه زق جيد سُيملأ بخمر تناسب جودته، وهكذا الزق الفاسد ُيملأ بخمر تناسب فساده. نجد في الكتاب المقدس أمثلة عن أنواع الخمر المختلفة، فعن الخمور الرديئة الفاسدة يقول: "لأن من جفنة سدوم جفنتهم، ومن كروم عمورة عنبهم، عنب سم، ولهم عناقيد مرارة، خمرهم حمة الثعابين وسم الأصلال القاتل" (تث 32: 32-33). وعن الخمور الجيدة يقول: "يا لكأسك رّيًا" (مز 23: 5). كما تدعونا الحكمة للشرب من كأسها، قائلة: "هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" (أم 9: 5). يوجد إذًا خمر سدوم ويوجد أيضًا خمر الحكمة. ُيقال كذلك: "كان لحبيبي كرم على أكَمة خصبة" (إش 5: 1). الكرم الذي يزرعه الله يسمى كرمة سورق (إر 2: 21) لأنها كرمة مختارة وجميلة المنظر. ويوجد أيضًا كرمة عند المصريين ضربها الله، إذ قيل: "أهلك بالبرد كرومهم، وجميزهم بالصقيع" (مز 77: 47). تأمل إذن، أن كل الناس في استطاعتهم الآن أن يمتلئوا بالخمر، من أجل ذلك أسميهم زقًا، وأقول أن الشرير منهم يمتلئ بخمر كرمة سدوم، وخمر المصريين، وخمر أعداء إسرائيل، بينما البار منهم بخمرٍ من كرمة سورق، وبالخمر التي ُكتب عنها "يا لكأسك رّيًا". يمكننا أيضًا أن نطبق هذه الكلمات على الرذيلة والفضيلة حتى نفهم أن كل زقٍ يمتلئ خمرًا، لكن ينبغي أيضًا أن نعرف ما هي عواقب الرذيلة وعواقب الفضيلة: عقوبات للرذيلة، وبركات ووعود للفضيلة! لنوضح الآن من خلال كلمات الكتاب المقدس كيف أن العقوبات وأيضًا الوعود يشار إليها بالخمر: يقول الرب لإرميا: "خذ كأس خمر هذا السخط من يدي واسقِ جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم إياها، فيشربوا ويترنحوا ويسقطوا" (إر 25: 15-16). أشار هنا إلى العقاب بخمر السخط. وإذا أردت أن ترى أيضًا كأس البركة التي يشربها الأبرار، يمكننا أن نكتفي بكلام سفر الحكمة: "اشربوا الخمر إلى أعددتها لكم". تأمل أيضًا السيد المسيح حينما صعد في عيد الفصح إلى العلية الكبيرة المعدة ليحتفل بالعيد مع تلاميذه، وأعطاهم كأس الخمر قائلًا لهم: "اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا، اصنعوا هذا لذكري"، ثم قال أيضًا: "وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (مت 26: 37). لاحظ إذًا أن الوعد هو "كأس العهد الجديد"، والعقاب هو "كأس خمر السخط"، حيث يشرب كل واحدٍ بما يتناسب مع أعماله سواء الصالحة أو الشريرة. "كل زقٍ" سواء كان جيدًا أو فاسدًا سوف يمتلئ بالخمر التي تناسب طبيعته]. يرى البعض أن المثل الشعبي: "كل زقٍ يمتلئ خمرًا" [12] يعني أن مملكة يهوذا كالزق لا عمل له إلا أن يمتلئ بخمر غضب الله! هنا الخطورة، حيث يفقد الإنسان كل رسالة إيجابية خيّرة ليصير كأنه جاء إلى العالم ليحمل الغضب الإلهي، وليحطم الواحد الآخر! بمعنى آخر ليست الخطية أمرًا عارضًا في حياته، إنما هي أمر حيوي وأساسي، تشغل كل فكره وأحاسيسه وتملك على قلبه وكل أعضاء جسده، وتسيطر على تصرفاته الخفية والظاهرة. ماذا في داخل الكأس؟ "هأنذا أملأ كل سكان هذه الأرض والملوك الجالسين لداود على كرسيه والكهنة والأنبياء وكل سكان أورشليم سكرًا. وأحطمهم الواحد على أخيه، الآباء والأبناء معًا يقول الرب" [13-14]. صار الرؤساء والشعب كزقاقٍ مملوء خمرًا، عوض أن يُستخدم للفرح صار للسكر. اقتناهم الله ليكونوا شعبًا خاصًا به، يُنسبون إليه وهو إليهم، مصدر فخرٍ ومجدٍ [11]، لكنهم صاروا سكرى بالغضب الإلهي، لا يصلحون إلا للدمار. لعله يقصد بالخمر الجيد الناموس، والجماعة كزقاق امتلأ بمعرفة الناموس، لكن رياءهم أفسد مفاهيمهم للناموس. فالناموس جيد، هم أساءوا استخدامه فصار لهم خمر غضب الله عوض خمر الناموس المفرح، إذ سقطوا في الكبرياء وهلكوا. يرى البعض أن كلمة "زقاق" في العبرية "nebel" تقارب من كلمة "جاهل" أو "ضيق الأفق" nabal. وكأن المثل اليهودي "إن كل زقاق يمتلئ" يشير إلى أن الملوك والكهنة والأنبياء الكذبة مع الشعب قد صاروا أغبياء يمتلئون من خمر غضب الله. لعل أخطر ما في الأمر أنه ليس فقط صارت القيادات الدينية والمدنية مثلًا سيئًا أمام الشعب إنما صار الآباء يسقون أبناءهم مسكرًا، فيقدمون لهم السُكر عوض التعقل، ويفقد الآباء كرامتهم وتعقلهم حتى في نظر أبنائهم. هذا بالنسبة للسُكر بواسطة خمور هذا العالم، فماذا إن أسكروهم بخمر غضب الله؟! في داخل الكأس ثمر الخطية أو العقاب الإلهي عن الخطية بكونه ثمرًا طبيعيًا، هذه يشربها الخطاة بلا محاباة، إن كان الإنسان ملكًا أو كاهنًا أو نبيًا أو واحدًا من الشعب. مركز الإنسان أو عمله الزمني أو الكنسي لن يعفيه من المسئولية، بل يُخضعه بالأكثر إلى ضرباتٍ أشد. وكما قال الرب: "من يعرف كثيرًا يُضرب أكثر". ويعلق العلامة أوريجينوس على النص الذي بين أيدينا قائلًا: [بسبب الخطاة الموجودين في أورشليم في ذلك الوقت وفي اليهودية، يوضح إرميا ما هو نوع الخمر الذي يملأ الله به الزقاق أي الخطاة... الله الذي يعاقب لا يشفق على أحدٍ، حتى إذا أخطأ النبي يُملأ بجميع تلك التهديدات التي ذُكرت، لن ينقذه من العقاب اسم "نبي". أيضًا ليس من يُدعى كاهنًا ويبدو أن له درجة أعظم وأعلى من الشعب يمكنه أن ينال اشفاقًا من الله حتى لا يعاقبه فيها على خطاياه. إذا أخطأ أحد من بين الكهنة -أقصد الكهنة المسيحيين- أو من بين اللاويين الذين يقودون الشعب - أقصد بهم الشمامسة - فإنه يُعَاقَب. لكن توجد أيضًا بركات خاصة بالكهنة يمكننا أن نراها بنعمة الرب عندما نقرأ سفر العدد، حيث تُذكَر هذه البركات فيه. "كل سكان هذه الأرض والملوك الجالسين لداود على كرسيه والكهنة والأنبياء وكل سكان أورشليم" يقول الرب أنه يملأهم سكرًا، وسوف "أحطمهم الواحد على أخيه الآباء والأبناء معًا يقول الرب". لنفهم هذا أيضًا هكذا: أن الله يُجَمِّع الأبرار ويُفَرِّق (يحطم) الخطاة. لم يفرق الله الناس حينما كانوا يعيشون في المشرق (تك 10: 30)، أما عندما ارتحلوا عن المشرق وتحولوا عنه، وقال بعضهم لبعض: "هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه بالسماء" (تك 11: 4) قال الله عنهم: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم"، فتبلبلت ألسنتهم وتبددوا على وجه كل الأرض (تك 11: 9). هكذا أيضًا بالنسبة لشعب إسرائيل، طالما كانوا لا يخطئون كانوا متجمعين في اليهودية، لكن إذ بدءوا يخطئون تفرقوا وتبددوا كل واحدٍ منهم في مكان من الأرض. يلزمنا أن نعلم أنه يحدث شيء مماثل بالنسبة لنا جميعًا. توجد كنيسة في السماء حيث جبل صهيون ومدينة الله الحيّ، أورشليم السمائية، هناك يجتمع كل المختارين والمطوبين في شركة بعضهم مع بعض، بينما يحصل الخطاة على عقابٍ إضافي يتمثل في عدم وجودهم مع بعضهم البعض. إني أعرف ملوكًا في هذا العالم يحبون استخدام "النفي إلى الجزر" كعقابٍ، وحينما يخطئ إنسان في مملكتهم، يقومون أيضًا بنفي عائلته إمعانًا في عذابه وعذابها، وفي النفي يقومون بتفريق وتشتيت أفراد العائلة: الزوجة في مكان، والابن في مكان، والابن الآخر في مكان، حتى أنه في وسط الكارثة، لا تستطيع الأم أن تطمئن على ابنها، ولا يستطيع الأخ أن ينعم بصحبة أخيه. لك أن تتخيل شيئًا كهذا بالنسبة للأشرار. يجب عليك أيها الخاطى أن تذوق هذه المرارة الشديدة الآن التي يوقعها الله بك، حتى ترتد عن طريقك فتخلص. ونفس الشيء بالنسبة لك أيضًا، فإنك لا تعاقب خادمك أو ابنك لمجرد رغبتك في ايذائه، وإنما لتصلحه من خلال الآلام، هكذا يقوم الله بإصلاح الخطاة الذين لا يرجعون من أنفسهم، بتوقيع الآلام عليهم، وإلا لما تابوا ولا رجعوا، وبالتالي أيضأ لما شُفوا. هذه الضربات التي تحل بنا هي نافعة لتعليمنا، كما يقول الكتاب: "بلا توقف بالألم والسوط سوف تتعلمين يا أورشليم"، كذلك فإن التفريق (التبديد) يزيد من القيمة التعليمية للألم، عندما نفرق الذين نعاقبهم كل واحدٍ بعيدًا عن الآخر لا يوجدون مجتمعين، لأنهم إذا اجتمعوا مع بعضهم تضعف قوة الألم من خلال كلمات التعزية التي يتبادلونها ليخففوا آلام بعضهم البعض. إذا كان يجب إضافة مبررٍ آخر للتفريق، إلى جانب ما سبق شرحه، فإليك أيضًا السبب: حينما يجتمع الأشرار معًا، لا يفكرون إلا في الشر ويعملون دائمًا على زيادته، وكذلك أيضًا الأبرار حينما يجتمعون لا يفكرون إلا في الخير. إذًا فإن نيّات الأشرار وأهدافهم التي تتشدد وتتقوى بوجودهم معًا تذوب وتتحطم حينما يتفرقون ويتشتتون. لذلك فإن الله في عطفه ورفقه بالخطاة يعمل على تفريقهم عن بعض حتى يقل شرهم ويتلاشى بدلًا من أن ينمو ويكثر]. كأس التأديب: "لا اشفق ولا أترآف ولا أرحم من اهلاكهم" [14]. تعثر بعض الهراطقة مثل الغنوسيين من هذه العبارة وأمثالها قائلين: "كيف يقول الرب هكذا: "لا أشفق، ولا أترآف، ولا أرحم" ونقول عنه أنه رحوم؟ يجيب العلامة أوريجينوس معلنًا عن أهمية التأديب حتى وإن بدى قاسيًا: [يعتمد الهراطقة على تلك الكلمات ويستندون عليها ليقولوا: انظروا ما يقوله خالق العالم ورب الأنبياء عن نفسه، فكيف يمكن إذًا أن يكون إلهًا صالحًا؟ إنني آخذ هنا مثلًا للقاضي الذي لا يشغل فكره إلا الصالح العام، وبالتالي يطبق القانون دون اشفاق على المخطئ، يعاقبه حتى يحمي باقي المجتمع. يمكنني بهذا المثال أن أوضح بطريقة مقنعة، أن الله في اشفاقه على البشرية كلها يرفض أن يشفق على عضوٍ واحدٍ من أعضاء الجسد في سبيل اشفاقه على الجسد كله. نفترض أن قاضيًا حدد لنفسه مهمة إقرار السلام للشعب الخاضع لقضائه وأن يحافظ على مصالحهم؛ حضر أمامه في المحكمة قاتل حسن المظهر وملامحه جذابة، وجاءت والدة هذا القاتل إلى القاضي تستعطفه وتسأله أن يشفق على ابنها ويرحم شيخوختها، وطلبت زوجة القاتل أيضًا الرحمة، كذلك أبناؤه التفوا كلهم حول القاضي يترجوه من أجل أبيهم... ما هو النافع للصالح العام؟ هل يرحمه القاضي أم لا؟ أجيب أنه إذا رحمه القاضي سيعود إلى خطئه؛ أما إذا لم يرحمه فإن القاتل يموت ويصبح المجتمع في حالة أفضل. نفس الشيء يقال بالنسبة لله: فإنه لو أشفق على الخاطئ ورحمه وذهب في إشفاقه هذا إلى درجة عدم معاقبته على خطئه، فمن من الناس لا يندفع في طريق الشر؟! مَن مِن الخطاة لن يزيد في شره ويتحول إلى الأسوأ؟ يمكننا أن نرى أشياءً مماثلة تحدث في الكنائس، فمثلًا إنسان يخطئ ثم يطلب أن يتناول من الأسرار المقدسة بعد ارتكابه الخطأ، إذا أشفقنا عليه سريعًا، بهذا نحث الشعب كله على فعل الشر وتزيد أخطاء الآخرين؛ لكن إذا عرف القاضي (الكاهن) مقدار الخسارة التي تلحق بالشعب في حالة السماح لهذا الشخص بالتناول والتساهل معه في خطئه، يجب عليه طرد هذا الخاطئ، ليس على سبيل الوحشية أو عدم الإحساس، وإنما لأنه يهتم به، ويهتم أيضًا بكل الشعب قبل أن يهتم به كفردٍ واحدٍ. إذًا فهو يطرد الفرد ليخلص الجماعة. أنظر أيضًا إلى الطبيب ولاحظ كيف إنه لو أشفق على المريض ولم يستخدم معه المشرط في الوقت المناسب، لو أشفق عليه ولم يعالجه بأنواع الأدوية الكاوية حتى يُجَنّبِه الآلام المصاحبة لهذه الأنواع من العلاج، كيف يتفاقم المرض وتزيد خطورته عن ذي قبل. أما إذا تقدم الطبيب في جرأة ولجأ إلى الاستئصال أو إلى الكي، ففي هذه الحالة يمنح المريض الشفاء، رغم أن المظهر الخارجي يوحي بأنه يرفض أن يشفق وأن يرحم المريض بتعرضه لكل هذه الآلام. كذلك الله، فإنه لا يمارس سلطة لمصلحة إنسانٍ واحدٍ، وإنما لصالح العالم أجمع. يدير ما في السموات وما على الأرض وما في كل مكان. يعمل لمصلحة كل العالم وجميع الكائنات؛ ويعتني أيضًا بمصلحة الفرد بشرط ألا تتعارض وألا تكون على حساب مصلحة الجماعة. من أجل ذلك أُعدت النار الأبدية وأعدت أيضًا جهنم والظلمات الخارجية، ليس لأجل الإنسان المعَاقَب وحده، بل ولمصلحة الجميع. إذا أردت أن أذكر لك مثالًا من الكتاب المقدس يشهد أن معاقبة الخطاة من أجل نفع الآخرين وتعليمهم، حتى ولو كنا يائسين من شفاء هؤلاء الخطاة أنفسهم، فإليك ما يقوله سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق" (أم 19: 25). لم يقل أن الذي يُضرَب هو الذي يتذكى ويعود إلى عقله بسبب الضربات، إنما الأحمق بسبب الضربات الواقعة على المستهزئ يكف عن التمادي في حماقته ويصير عاقلًا. يتغير حينما يرى عقاب الآخرين. وكما أن سقوط إسرائيل كان فيه خلاص الأمم، كذلك أيضًا فإن عقاب البعض يكون فيه خلاص الآخرين. من أجل ذلك يقول الله في صلاحه: "لا أشفق ولا أترأف ولا أرحم من إهلاكهم"]. ما هو الارتباط بين المثلين: المنطقة التي طُمرت والزق المملوء خمرًا؟ كلاهما فسدا، ولا يُمكن بعد استخدامهما، الأول يشير إلى الكبرياء محطم الإنسان، والثاني إلى السُكر بالخطية وعدم التعقل الروحي أو مراجعة النفس والتوبة... هذا ما يسببه كبرياء الإنسان وتشامخه، إذ يظن في نفسه حكيمًا وهو مخمور! لعله استخدم المثلين ليشير بالأول إلى جحد النفس لعمل السيد المسيح وبالثاني جحدها روحه القدوس. إن كان السيد المسيح يُشار إليه بالصخرة (1 كو 10: 4) والروح القدس بالسُكر الروحي (أع 2: 13-21)، عوض المسيح الصخرة يختبئ الإنسان في صخور هذا العالم فيصير كالمنطقة الفاسدة، وعوض السُكر بروح الرب يمتلئ بخمر غضب الله! |
|