“الله ينوَّر” والأسباب
الحقيقة، هناك سببان رئيسيان لهذه المعضلة البشرية، تكلم الرسول بولس عن واحد منها، حين أعلن أن «إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة أنجيل مجد المسيح» (2كورنثوس4:4)، فللشيطان الخدَّاع تكتيك مع البشر في قمة الدهاء، فهو لا يمنع عنهم أن يعرفوا الله أو يسمعوا عنه، أو حتى يتناولوه في أقوالهم المتداولة (راجع: على باب الله، البقاء لله، الله اعلم...)، ولا يضيره كثرة النهضات والمؤتمرات والكتابات، ولكنه يعمل على “إعماء” ذهنهم، فيمنع النور الإلهي أن يخترق البقع المظلمة في حياتهم، فالشيطان يقبل أي شيء غير أن “الله ينور” ذهن الإنسان!!
السبب الثاني كان في الإنسان نفسه، فهو يعلم جيدًا أن الله يرى الخطية في أي مكان وفي أي وضع (مزمور139: 12)، وهو يغضب بسببها لأنها ضد طبيعته (1يوحنا1: 5)، ولكن في نفس الوقت يحلو للإنسان فِعل الخطية والتمتع بلذتها الموسمية بعيدًا عن الله؛ ولذلك اختار بإرادته أن يبقي ذهنه مظلمًا، بل أن يتوحد ويتكيف مع هذه الظلمة «أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة» (يوحنا3: 19)، فالإنسان الطبيعي يقبل أي شيء من الله غير أن “الله ينوَّر” ذهنه، لأنه وقتها سيكتشف مدى ظلامه وخرابه.
ونتيجة لهذين السببين، أصبح الجزء الأكبر من البشر - وخاصة المسيحيين - عارفين دارسين، حاضرين مواظبين، حافظين “مسمَّعين”، ولكنهم - مع إبليس- مانعين أن “الله ينوَّر” الذهن والقلب والحياة، وأصبحوا في ظلمتهم العقلية ماكثين مستريحين مظلمين!!