|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة للتوبة: 15 اِسْمَعُوا وَاصْغَوْا. لاَ تَتَعَظَّمُوا لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ. 16 أَعْطُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ مَجْدًا قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ظَلاَمًا، وَقَبْلَمَا تَعْثُرُ أَرْجُلُكُمْ عَلَى جِبَالِ الْعَتَمَةِ، فَتَنْتَظِرُونَ نُورًا فَيَجْعَلُهُ ظِلَّ مَوْتٍ، وَيَجَعْلُهُ ظَلاَمًا دَامِسًا. 17 وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا ذلِكَ، فَإِنَّ نَفْسِي تَبْكِي فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةً مِنْ أَجْلِ الْكِبْرِيَاءِ، وَتَبْكِي عَيْنَيَّ بُكَاءً وَتَذْرِفُ الدُّمُوعَ، لأَنَّهُ قَدْ سُبِيَ قَطِيعُ الرَّبِّ. 18 قُلْ لِلْمَلِكِ وَلِلْمَلِكَةِ: «اتَّضِعَا وَاجْلِسَا، لأَنَّهُ قَدْ هَبَطَ عَنْ رَأْسَيْكُمَا تَاجُ مَجْدِكُمَا». 19 أُغْلِقَتْ مُدُنُ الْجَنُوبِ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. سُبِيَتْ يَهُوذَا كُلُّهَا. سُبِيَتْ بِالتَّمَامِ. 20 اِرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْمُقْبِلِينَ مِنَ الشِّمَالِ. أَيْنَ الْقَطِيعُ الَّذِي أُعْطِيَ لَكِ، غَنَمُ مَجْدِكِ؟ 21 مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ، وَقَدْ عَلَّمْتِهِمْ عَلَى نَفْسِكِ قُوَّادًا لِلرِّيَاسَةِ؟ أَمَا تَأْخُذُكِ الأَوْجَاعُ كَامْرَأَةٍ مَاخِضٍ؟ "اسمعوا واصغوا، لا تتعظموا لأن الرب تكلم" [15]. إذ يتكلم الرب يليق بيهوذا أن يحمل الأذن المختونة، فيسمع ويصغي لله بروح الطاعة، لا أن يتجاهل صوت الرب في كبرياءٍ وعصيانٍ.هكذا يكشف النبي عن خطورة الكبرياء، فإنه لا يعود يصير مصدرًا للفرح أو الشبع، بل للبكاء والحزن [17] بسبب ما يجره من دمار. يعلق العلامة أوريجينوس قائلًا: [يريدهم أن يسمعوا وأن يصغوا (يميلوا بآذانهم)، لا يكفيه أن يسمعوا فقط أو أن يصغوا فقط. كما يأمرهم ألا يتعظموا، يعلمهم ما يجب أن يفعلوه. ما هو إذًا السماع؟ وما هو الإصغاء...؟ "اصغوا": أي تَقبَّلوا الكلام في آذانكم؛ و"اسمعوا": أي تقبلوا الكلام في أذهانكم. بما أنه توجد في الكتاب المقدس بعض الكلمات الغامضة والأسرار الخفية كما توجد أيضًا بعضها ظاهر وبسيط في فهمه، أظن أنه بالنسبة للكلمات الغامضة قيل: "اسمعوا"، وللبسيطة قيل "اصغوا". بعد أن نكون قد سمعنا وأصغينا، يوصينا قائلًا: "لا تتعظموا"لأن "كل من يرفع نفسه يتضع" (لو 14: 11، 18: 14). حينما يقول المخلص لنا: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29)، يعلمنا ألا نتعظم. لأنه إلى جانب شرور الناس الكثيرة، فإن هذه الخطية (التعاظم) منتشرة بيننا: تارة نتعظم ونتفاخر بدونأي سبب، وتارة من أجل شيء لا يستحق أي تعظم بالمرة، وتارة من أجل أن ما فعلناه يستحق بعض التعظيم، حتى في ذلك تعظمنا يصير مؤذيًا لنا... يوجد أناس يفتخرون بكونهم أبناء حكام وفي قدرتهم إنزال بعض الكهنة من درجاتهم الكهنوتية، مثل هؤلاء يتعظمون ويفتخرون من أجل أمور تافهة لا طائل من ورائها، وبالتالي لا يوجد أدنى سبب لتعظمهم هذا. ويوجد من يفتخرون بأن لهم سلطان على إعدام الناس، ويفتخرون بأنهم قد حصلوا على ما يسمونه "ترقية" تمكنهم من الإحاطة برؤوس الناس. مجد هؤلاء الناس يكون في خزيهم (في 3: 19). آخرون يفتخرون بغناهم، ليس الغنى الحقيقي، بل الأرضي. وغيرهم يفتخرون لأن لهم منزل جميل مثلًا، أو أراضٍ شاسعة. كل تلك الأشياء لا تستحق حتى أن تكون موضع اعتبار، ولا يليق بنا أن نفتخر بأي شيء منها. لكن يبدو لي بالنسبة لنا أننا نتعظم ونفتخر بأننا حكماء، أو أننا منذ عشرة سنوات مثلًا لم نقترب من الملذات الجسدية والشهوات، أو لم نقترب منها منذ الطفولة؛ أيضًا بحمل القيود في أيدينا من أجل السيد المسيح، هذه الأشياء تدعو للتفاخر بحق. لكن حتى هذه الأشياء أيضًا، إذا حكَّمنا عقلنا بالحق، نجد أنه ليس لنا أن نتعظم أو نتفاخر بها. كان لبولس موضوع به يتعظم، أي رؤيته مناظر الرب وإعلاناته (2 كو 12: 1) ورؤى (أع 16: 10)، وعمل قوات وعجائب (رو 15: 19) واحتمال الآلام من أجل المسيح، ومن أجل الكنائس التي أسسها في غيرته لبناء كنيسة في كل موضع حيث لم يكن اسم المسيح معروفًا (رو 15: 20). كل هذه تمثل موضوعًا للتعظم. بحسب الأشياء الخارجية الظاهرة التي تدعو للفخر، يبدو افتخار بولس الرسول أمرًا طبيعيًا بالنسبة للناس؛ مع ذلك بما أنه من الخطر عليه أن يتفاخر حتى بتلك الأشياء، فإن الآب في رحمته، كما أعطاه تلك الرؤى، أعطاه أيضًا على سبيل الرأفة به، ملاك الشيطان ليلطمه لئلا يرتفع. من أجل هذا تضرع بولس إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقه، فأجابه الله: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" (2 كو 12: 7-9). إذًا يجب علينا ألا نتعظم ولا نتفاخر بشيء، لأن الكبرياء يصاحبه السقوط، كما يقول الكتاب: "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18)]. يطالبنا ألا نتعظم بل نعطي لله مجدًا حتى لا نتعثر على جبال الظلمة... لنمجد الله لا بالكلمات بل بالحياة العملية، بالسلوك المتواضع في غير كبرياء، وبالحياة المقدسة المنيرة بالرب، فلا يكون للظلمة موضع فينا، ولا نتعثر! بالاتضاع الذي هو اتكال حقيقي على الله نكون جبالًا منيرة لا مظلمة. يقول العلامة أوريجينوس: [لنرى ماذا يوصينا الله أن نفعل: "اعطوا الرب إلهكم مجدًا قبل أن يجعل ظلامًا، وقبلما تعثر أرجلكم على جبال العتمة فتنتظرون نورًا". يريد أن من يعطي الرب مجدًا، يعطيه في وجود النور، لأن مجد الرب لا يمكن أن يُعلن حينما يأتي الظلام... "اعملوا ما دام النور فيكم". النور موجود فيك، طالما تحمل في داخلك السيد المسيح الذي قال عن نفسه "أنا هو نور العالم". طالما هذا النور موجود فيك اعطِ إذًا مجدًا للرب؛ لكن اعلم أن الظلام يمكن أن يأتي، يجب ألا تنتظر حتى يحل هذا الظلام، بل اعطِ مجدًا للرب قبل مجيئه. ربما يمكننا أن نفهم بوضوح هذا الموضوع إذا استعنا بكلام السيد المسيح: "اعملوا ما دام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل"؛ يقصد بالنهار وقتنا الحاضر، وبالظلام والليل انتهاء العالم وفناءه بسبب عقاب الأشرار. يقول عاموس النبي: "ويل للذين يشتهون يوم الرب. لماذا لكم يوم الرب هو ظلام لا نور؟!" (عا 5: 18). إذا عرفت كيف يكون الحزن والشقاء عند هلاك العالم، سيصيب الحزن تقريبًا معظم الجنس البشري الذين ُيعَاقَبون على خطاياهم، عندئذ تعرف أن الجو يصير معتمًا ومظلمًا فلا يستطيع أحد أن يمجد الله. لأن الله أوصى الأبرار قائلًا: "اذهب يا شعبي. ادخل إلى بيتك، واغلق عليك بابك، اختبئ قليلًا أو كثيرًا حتى ينتهي حمو غضبي". لنلاحظ أيضًا في تلك الكلمات أن الرب يقول: "قليلًا أو كثيرًا"، قليل بالنسبة لله، لكنه ليس كذلك بالنسبة للإنسان. كما يجب أن نعلم أيضًا أن الأشياء تكون قليلة وكثيرة بالنسبة للمخلوقات. آخذ مثالًا على هذا: بالنسبة للحيوانات قد تكون كمية الطعام قليلة إذا ما قيست بحجم أجسامهم أو كبيرة بالنسبة لقدرتهم على الأكل. كذلك ما يبدو قليلًا بالنسبة للإنسان البالغ يكون كثيرًا بالنسبة للطفل. هكذا كل زمان الحياة الإنسانية، حتى بالنسبة لشيخٍ مُسنٍ، ما هي إلا فترة قصيرة بالنسبة للعصر الحالي. نفس الشيء في علاقتنا بالله، فإن ما هو قليل بالنسبة لله يكون في نظرنا وبالنسبة لنا كثيرًا، والقليل عنده يماثل عصرًا بأكمله عندنا. "اعطوا الرب إلهكم مجدًا". كيف يمكننا أن نعطي الرب إلهنا مجدًا؟ لا نعطي الرب إلهنا مجدًا بمجرد ترديدنا بعض الكلمات والأصوات، إنما إذا أردنا تمجيده، فلنمجده بأعمالنا. مجده بضبط النفس، مجده بعمل الخير، بالحق، بالشجاعة والصبر والاحتمال، مجد الله بالقداسة وكافة الفضائل الأخرى... الإنسان البار يمجد الله، والشرير يهين الله؛ وذلك كما في حالة نبوخذ نصر، فلقد هدم هيكل الرب ودنسه، وبتعديه للناموس أهان الله، كما يقول الرسول]. ما هي جبال العتمة التي تعثرت فيها أرجلهم؟ لقد شبه الله الأشرار بمنطقة الكتان التي فسدت، وبالزق الممتلئ خمرًا، وهنا يتحدث عنهم كجبال مظلمة. سبق فرأينا في سفر حزقيال أن الله يدعو شعبه "جبال إسرائيل"، الجبال التي بلقائها مع الله استنارت به نور العالم، والآن إذ تعظمت في عينيّ نفسها صارت جبالًا مظلمة، لأنها اعتزلت عن سرّ استنارتها. يميز العلامة أوريجينوس بين جبال العتمة والجبال المقدسة في حديثه عن بلعام، إذ يقول إن بالاق قد جاء به إلى جبال الفتور، إلى خداعات الشياطين، لكن الرب نقله إلى جبال الله، إلى قمة الجبال (رأس الصخور عد 23: 9)، وإلى التلال المقدسة؛ هناك يرى شعب الله، ويدرك أسراره، [لأن إسرائيل (الروحي) يقع على الجبال المرتفعة وعلى التلال العالية،أي يعيش حياة فاضلة وصعبة، حيث لا نستطيع بسهولة أن نكون جديرين بالتطلع إليها أو إدراكها، ما لم نتسلق المرتفعات وقمم المعرفة، لهذا لم يلعنه الله. إن حياته عالية ومرتفعة، وليست دنيئة أو منحطة. لكن يبدو لي أن الله لا يقول هذا عن إسرائيل حسب الجسد، بل عن ذاك الذي يسير في الأرض وسيرته في السموات (في 3: 20)]. ["اعطوا الرب إلهكم مجدًا قبل أن يجعل ظلامًا وقبلما تعثر أرجلكم على جبال العتمة". توجد جبال معتمة وجبال مضيئة، لكن بما أن النوعين هم جبال، فالاثنان أيضًا مرتفعان. تتمثل الجبال المضيئة في ملائكة الله والقديسين، والأنبياء، وموسى "الخادم" ورسل السيد المسيح، كل هؤلاء الجبال مضيئة، وأعتقد أن هذه هي التي كُتب عنها في المزامير: "أساساته في الجبال المقدسة". ما هي الجبال المعتمة؟ الذين يقيمون مرتفعات ضد معرفة الرب (2 كو 10: 5). الشيطان جبل معتم، ورؤساء هذا العالم المُجَنَّدون للتدمير والاهلاك أيضًا جبال معتمة؛ وحينما قال الرب لتلاميذه: "لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل" يقصد به جبلًا معتمًا وهو الشيطان. لأنه حينما أثيرت المناقشة بين السيد المسيح وبين تلاميذه بخصوص الشيطان الذي كان في الصبي، وحينما سأل التلاميذ المخلص قائلين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه"؟ أجابهم: "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل - أي لهذا الشيطان الذي تتناقشون بخصوصه - انتقل من هنا إلى هناك فينتقل". انتقل من "هنا"،أي من هذا الصبي، "إلى هناك" أي إلى مكانه الطبيعي في الهاوية. إذًا الذين يتعثرون لا يتعثرون على الجبال المضيئة إنما على جبال العتمة حينما يذهبون مع الشيطان وملائكته. "فتنتظرون نورًا"؛ إذا ما أعطيتم الرب إلهكم مجدًا قبل أن يجعل ظلامًا وقبلما تعثر أرجلكم على جبال العتمة. مما لا شك فيه، حتى إن حَلَّ الظلام، تنتظرون نورًا، هذا النور يصحبكم. قد يقول أحد الحاضرين: حتى هؤلاء الذين تعثر أرجلهم على جبال العتمة ينتظرون نور رحمة الرب بجانب تلك الجبال المعتمة. هذا أيضًا هو تفسير الكلمات: "فتنتظرون نورًا"]. بكى إرميا النبي شعبه الذي اختار بكبريائه الظلمة طريقًا له، إذ يقول: "اعطوا الرب إلهكم مجدًا قبل أن يجعل ظلامًا، وقبلما تعثر أرجلكم على جبال العتمة، فتنتظرون نورًا، فيجعله ظل موتٍ، ويجعله ظلامًا دامسًا؛ وإن لم تسمعوا ذلك فإن نفسي تبكي في أماكن مستترة من أجل الكبرياء، وتبكي عينيَّ بكاءً، وتذرف الدموع، لأنه قد سُبي قطيع الرب" [16-17]. يقصد بظل الموت Sal-mawet في العهد القديم الظلام الشديد، وتترجم أحيانًا "الظل العميق" كما في (مز 23: 4). يدخل إرميا إلى أماكن مستترة متضعة ليقدم الدموع من أجل قطيع الرب الساقط تحت سبي إبليس... إن كان قلبهم قد أصيب بالعمى فلا يدركون أنهم ينحدرون إلى الظلمة، إذا بقلب إرميا يتمزق حزنًا عليهم. أدرك إرميا النبي أنه لم يبقَ أمام القلب المُصاب بعمى الكبرياء إلا بصيص من النور، يتبدد حتمًا إن أصر القلب على عجرفته، فيصير في الظلمة يتخبط وليس من منقذٍ بعد! لقد جاءت اللحظات الحاسمة والخطيرة بعدها لا ينفع الندم! كان يليق بهم وقد انحرفوا إلى طريق الظلمة، أن يرجعوا إلى الرب يطلبونه نورًا لهم. لكنهم عوض التوبة نصبوا فخاخًا في الظلام يصطادون بها نفوس الأبرار، فإذا بهم يسقطون هم فيها. هذه هي خبرة داود النبي الطويلة مع شاول الملك الذي سيطرت مملكة البغضة ضد داود على قلبه، فكرس بقية أيام حياته وكل قدراته وإمكانياته بل وإمكانيات مشيريه لهدم داود وقتله، فإذا به ُيلقى بنفسه في الهاوية، ويزداد داود مجدًا وبهاءً أمام الله والناس. المعنى الحرفي للأماكن المستترة هو أن إرميا اضطر إلى الاختفاء من وجه الملك الذي رفض حكمة الرب. ما هذه الأماكن المستترة إلا أحشاء السيد المسيح محب البشر، ففيه إذ تدخل النفس لا تكف عن ذرف الدموع من أجل خلاص كل العالم! لقد دخل الرسول بولس هذه الأماكن المستترة إذ يقول: "لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة لا لكي تحزنوا، بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم" (2 كو 2: 4). يرى العلامة أوريجينوسأن إرميا يبكي في أماكن مستترة، فقد خبأ الرؤساء والقيادات النبوات التي تشهد للسيد المسيح، فصار الناس في ظلمة عوض النور. كما يقول: ["وإن لم تسمعوا بطريقة مستترة، ستبكي أنفسكم أمام الشدة". من بين الذين يسمعون، يوجد من يسمعون بطريقة مستترة ويوجد من لا يسمعون بطريقة مستترة. ما هو إذًا السمع بطريقة مستترة إلا ما تقوله الآية: "بل نتكلم بحكمة الله في سر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا" (1 كو 2: 7). عندما اسمع الناموس، إما اسمعه بطريقة مستترة أو لا اسمعه بطريقة مستترة. فاليهودي مثلًا لا يسمعه بطريقة مستترة؛ لهذا يُختتن بطريقة ظاهرية، غير عالمٍ أن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانًا" (رو 2: 28)، أما الذي يسمع ويفهم الختان بطريقة مستترة فيكون مختتنًا في الخفاء". وإذا كان اليهود قد قتلوا السيد المسيح قديمًا، وهم مسئولون حتى يومنا هذا عن موته، فإن هذا حدث لأنهم لم يسمعوا الناموس ولا الأنبياء بطريقة مستترة. كذلك أيضًا بالنسبة لموضوع حفظ السبت، توجد بعض النساء حتى يومنا هذا لا تسمعن كلام الله بطريقة مستترة فهن لا يفعلن أي شيء في يوم السبت، كما لو كان السيد المسيح لم يأتِ إلينا ليحملنا من حرفية الناموس إلى كمال الإنجيل. لذلك حينما نقرأ الناموس والأنبياء نحذر لئلا نقع تحت عاقبة النبوة التي تقول: "وإن لم تسمعوا بطريقة مستترة ستبكي نفسكم أمام الشدة". إذا قرأنا أمثال السيد المسيح الموجودة في الإنجيل أمام إنسان من خارج الكنيسة لا يسمع بطريقة مستترة، لكن إن كان السامع هو أحد الرسل أو أحد أبناء الكنيسة، فإنه يقترب من السيد المسيح ويسأله ويتناقش معه حول غموض المثل، فيقوم السيد المسيح بتفسير المثل له: فيصبح هذا المستمع من السامعين بطريقة مستترة وبالتالي لن تبكي نفسه. لماذا لم يقل الرب: "ستبكون إن لم تسمعوا بطريقة مستترة" وإنما قال: نفسكم سوف تبكي"؟ يوجد بكاء خاص بالنفوس وحدها. لعل السيد المسيح أوضح لنا هذا النوع من البكاء حينما قال: "هناك يكون البكاء" وأيضًا: "ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون" (لو 6: 25). يتحدث عن البكاء الذي يهددنا به النبي هنا حينما يقول: "إن لم تسمعوا بطريقة مستترة ستبكي نفسكم أمام الشدة"، لأنه حينما تأتي عليكم الشدة ستبكون و"ستذرف عيونكم الدموع لأنه قد سُبي قطيع الرب"... ]. يرى العلامة أوريجينوس في العبارة "إن لم تسمعوا في الخفاء" [17] أن مجد الإنسان خفي، معطيًا مثالًا لذلك موسى النبي الذي كان يغطي وجهه ببرقع إذ تمجد. ويقول داود النبي: "أظهرت ليغوامض حكمتك" (مز 50). أما وقد بكى إرميا بمرارة على قطيع الرب الذي يسقط تحت السبي، فإنه يقدم مرثاة على الملك الشاب والملكة أمه، فإنهما لن يخلصان من هذا المرّ، ولا يهربان منه. "قل للملك وللملكة: اتضعا واجلسا، لأنه قد هبط على رأسيكما تاج مجدكما، أُغلقت مدن الجنوب، وليس من يفتح. سُبيت يهوذا كلها، ُسبيت بالتمام" [18-19]. يشير العددان [18-19] إلى سبي الملك الشاب يهوياقين إلى بابل عام 598-597 ق.م. جاء في (2 مل 24: 8-17) ومعه أمه الملكة نحوشتا (2 مل 24: 8، 15)، حيث عانت يهوذا المتكبرة من صفعة قوية، وضاع رجاؤها. جاءت هذه المرثاة قصيرة تناسب الملك الذي لم يدم مُلكه سوى ثلاثة شهور . كان في الثامنة عشرة من عمره عند موت والده يهوياقيم، ولكن بعد ثلاثة شهور سُبي إلى بابل. بعد سنوات (سنة 562 ق.م.) حُرر لكن لم يُسمح له بالعودة إلى بلاده (إر 52: 31-34؛ 2 مل 25: 27-30). سقط التاج عن رأسيهما وضاع من بين أيديهما المُلك. واضح هنا أنه كان للملكة الأم دور رئيسي في إدارة المملكة في يهوذا، وكان لها سلطانها في أيام الملك آسا حتى تخلَّص منها (1 مل 15: 13). حين حلَّت الكارثة لم يجد الملك وأيضًا الملكة لهما ملجأ في منطقة الجنوب أو مدن نجبNegeb(القسم الجنوبي من يهوذا) المعروفة بخصوبتها ومدنها الكثيرة، لأن جيوش الغازين عزلت أورشليم عن مدن الجنوب حتى لا يجد سكان أورشليم مجالًا للهروب؛ أو لأن هذه المدن إذ أدركت الخطر الذي حلّ بأورشليم أغلقت أبوابها وخشت أن تفتحها حتى لقيادات يهوذا عند هروبهم. من الجانب التاريخي هددت آدوم مدن نجب ألا تقبل اللاجئين من أورشليم حتى يملك الغازون تمامًا. فعلت هذا إما لمصلحتها الشخصية حيث أرادت خراب يهوذا، أو لحساب البابليين، وقد وُجدت نقوش تؤكد ذلك. يرى البعض أن هذه المدن كانت مخازنًا للملك، لذلك حاصرها الأعداء لمنع وصول مئونة إلى أورشليم أثناء حصارها. يصور النبي ما حلَّ بأورشليم بواسطة بابل: "ارفعوا أعينكم وانظروا المقبلين من الشمال. أين القطيع الذي أُعطى لك، غنم مجدك؟ ماذا تقولين حين يعاقبك وقد علّمتهم على نفسك قوادًا للرياسة؟ أما تأخذك الأوجاع كامرأة ماخض؟" [20-21]. بعد تقديمه مرثاة على ما حلَّ بالملك وأمه الملكة بدأ يتحدث عن أورشليم كراعية وحارسة لقطيعها الممجد، فقد صارت بلا قوة لتحمي شعبها، قطيع الرب! يطالبها أن ترفع عينيها لترى أين قطيعها، فقد أُقتيد إلى السبي، وُتركت أورشليم خرابًا. عوض الاهتمام بقطيع الرب أقامت بشرها من البابليين قوادًا للرئاسة، يفترسون حملانها! صارت كامرأة ماخض، لا تلد ابنًا أو ابنة تفرح به أو بها، إنما تلد قيادات من الأعداء تحطم شعبها! عوض أن تلد حملًا تحتضنه تلد ذئبًا يفترس بنيها!! أو كما قيل في هوشع: "أفرايم تطير كرامتهم كطائر من الولادة ومن البطن ومن الحبل" (هو 9: 11)،أي صارت أورشليم عقيمة لا تحبل، رحمها بلا ثمر، بلا أبناء! هذه هي مسئوليتها! إنها لم تعد بالراعية ولا الحارسة لخراف الرب بل بشرها تقدم لهم ذئابًا تفترسهم! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
فهي دعوة للتوبة والاعتراف لله، وبالتالي الالتصاق به |
دعوة للتوبة لإعداد مجيء الرب |
طول أناة الله هى دعوة للتوبة |
دعوة للتوبة والصوم والصلاة |
دعوة للتوبة للراهب كاراس المحرقي |