|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
داود في مغارة عدلام: كان من الصعب على داود الذي خلص شعبه من الأعداء أن يبقى خارج وطنه كمن هو خارج عن القانون، خاصة أن الله سمح أن يثور أهل جت عليه ليقتلوه، لذا بدأ يتجه نحو يهوذا لكن في شيء من التخوف. لقد جاء إلى مغارة بالقرب من مدينة عدلام الكنعانية القديمة، واختبأ فيها حتى أتاه والده وإخوته كما اجتمع إليه كثير من المتضايقين ليجدوا فيه رجاءً. "عدلام"كلمة عبرية تعني "ملجأ"، سكنها الكنعانيون في أيام يعقوب (تك 38: 1-2). وهي إحدى المدن التي كانت من نصيب سبط يهوذا، يُشار إليها بين بلدتي يرموت وسوكوه (يش 15: 35). يرى البعض أنها عين الماء الحديثة، كانت تدعى "عيد الماء"، تقع على بعد حوالي 12 ميلًا جنوب غربي بيت لحم، في وادي إيله. لا تزال هناك نحو 15 مغارة هائلة تسمى مغاير عيد الماء، من بينها مغارة وادي قريطون بجوار بيت لحم، وهي المغارة التي سكنها داود ورجاله، إذ يبلغ حوالي 160 مترًا. يرى البعض أن موقف داود في المغارة وبعد ذلك في وعر حارث [5] يرمز لموقف رب المجد حين جاء إلى مغارة هذا العالم متجسدًا: أ. كان شاول الملك المرفوض يسيطر على الشعب، رمزًا لرئيس العالم - الشيطان - وقد ملك على قلوب الكثيرين (يو 14: 30). ب. كان مُلك داود مخفيًا بالرغم من مسحه بالدهن المقدس، ومملكة رب المجد يسوع أيضًا مخفية في القلوب لا يدركها إلا من آمن به وخضع له. ج. التف حول الملك المتضايقون والذين عليهم دين وكل مرّ النفس، هكذا اجتمع حول السيد المسيح المتألمون والخطاة المذنبون والعشارين والزناة ليجدوا فيه وفاءً لدينهم وتجديدًا لطبيعتهم وعذوبة في العشرة معه. د. كان رجاء من هم حول أن يروه ملكًا، ونحن ننتظر مجيء الرب ليملك إلى الأبد. ه. إذ جاءه أبياثار بن أخيمالك يروي عليه قصته الأليمة احتضنه، هكذا ينتظر رب المجد كل نفس هاربة تلجأ إليه ليحفظها آمنة [23]. ز. جاء داود إلى المغارة يختفي فيها، وجاء السيد المسيح كلمة الله مخفيًا بناسوته. إذ هرب داود من شاول إلى مغارة عدلام وضع مذهبة (مز 57)، جاء فيها: "ارحمني يا الله ارحمني لأنه بك احتمت نفسي، وبظل جناحيك احتمى إلى أن تعبر المصائب. أصرخ إلى الله العلّي، الله المحامي عني. يُرسل من السماء ويخلصني. عيّر الذي يتهمني (يطأ عليّ). سلاه.." (مز 57). لقد هرب داود من وجه شاول إلى مغارة ليختبئ فيها، وكان ذلك رمزًا لما صنعه السيد المسيح كما يقول القديس أغسطينوس: [ماذا يعني الاختباء في مغارة؟ اختباء في أرض. لأن من يهرب إلى مغارة، يتغطى بأرض كي لا يُرى. أما يسوع فقد حمل أرضًا، تقبل جسدًا مأخوذًا من الأرض، فيه أخفى نفسه بكونه الله."لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 8)... لقد فعل ذلك ليهرب (يسوع) من وجه شاول في مغارة. يمكن أن تفهم المغارة كمكان سفلي في الأرض. بالتأكيد كما هو واضح وأكيد للكل، أن جسده وُضع في قبر منحوت في صخرة. هذا القبر هو المغارة التي فيها هرب من وجه شاول. فقد اضطهده اليهود حتى عندما وضع (جسده) في مغارة... حتى عندما مات وهو معلق على الصليب طعنوه بحرية (يو 19: 34). لكن عندما كُفن وتم تجنيزه وضع في مغارة فلم يعودوا قادرين على عمل شيء للجسد. وإذ قام الرب من المغارة بلا ضرر ولا فساد من ذلك الموضع الذي هرب إليه من وجه شاول، خافيًا نفسه من الأشرار الذين رُمز إليهم بشاول، أعلن نفسه لأعضائه... إذ لمسه أعضائه -الرسل- بعد قيامته وآمنوا (لو 24: 39)؛ إذ أدركوا أن اضطهاد شاول لم ينفع (المضطهدين)]. يقول القديس جيروم: [ترمز المغارة للعالم لأن نوره ضئيل جدًا إن قورن بنور العالم المقبل، ومع هذا فبمجيء الرب إلى العالم أناره بكونه هو النور]؛ [كما دخل داود المغارة هاربًا من شاول، هكذا جاء الرب إلى العالم واحتمل اضطهاد ]. ليتنا نحن أيضًا إذ تمررت نفوسنا خلال حكم شاول، أي سقوطنا تحت سلطان عدو الخير إبليس، نلجأ إلى ابن داود المختبئ في المغارة. نلجأ إليه فقد جاء إلى عالمنا لينيره بمجد لاهوته الخفي، واهبًا إيانا الاستنارة الداخلية عوض الظلمة، مقدمًا لنا الحياة الجديدة عوض الموت الذي ملك علينا. لنلجأ إلى مسيحنا فقد دخل مغارة طبيعتنا كي لا نرتعب منه، بل نجده قريبًا منا، حالًا في وسطنا بل في داخلنا ليجدد طبيعتنا فيه ويقدسها ويمجدها ببهاء مجده. لندخل إلى ابن داود في المغارة لنجد حوله النفوس المضطهده والمُرّة النفس، هذا هو طريق الملكوت والمجد أن نشارك المتألمين آلامهم، نقبل سكني المغارة المظلمة لتدخل بنا إلى بهاء الملكوت الداخلي. لا خلاصي خارج الباب والضيق والطريق الكرب مادام مسيحنا يجتاز خلالهما. أخيرًا حوّل داود هذه الطاقات التي كانت تبدو شاردة ومقاومة لكي تصير لبنيان مملكته الجديدة بعدما تحطمت مملكة شاول. لنتقدم إلى ابن داود بطاقاتنا التي نظنها أحيانًا محطمة لنا - من عواطف ومشاعر وأحاسيس ومواهب وقدرات - لكي يتسلمها في المغارة ويقدسها بروحه القدوس فتصير طاقات بنّاءة لحساب ملكوته الجديد. أما عدد الرجال الذين تجمعوا حول داود ليكون رئيسًا عليهم فكان نحو أربعمائة، هذا الرقم أيضًا يحمل معنى رمزيًا. فإن رقم 100 يشير إلى كمال عدد المؤمنين أما رقم 4 فتشير إلى العالم بجهاته الأربع وإلى الجسد المأخوذ من التراب أي من الأرض (4 جهات الأرض). وكأننا إذ نلتقي بمسيحنا المتجسد، في المغارة، يتحول العالم كما كالجسد إلى بركة لنا، فلا نرى في العالم شيئًا غير صالح ولا أيضًا في الجسد، فإنه خليقة الله الصالحة. يقول القديس أكليمندس الإسكندري: ["الله يحب كل ما خلقه"، الله لا يبغض شيئًا، ولا يحمل عداوة ضد شيء ما]. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|