|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وحدة السفر: يرى بعض النقاد إن سفري صموئيل الأول وصموئيل الثاني قد كررا الحديث عن بعض الأحداث، فقال بعضهما بأنهما جاءا تجميعًا لمصدرين ، أحدهما مصدر مبكر Early Source يحبذ النظام الملكي، والآخر مصدر متأخرLate Source كتب في عصر السبي أو ما بعد السبي يُضاد النظام الملكي ويحمل جانبًا وعظيًا أكثر منه تاريخيًا، حيث ظهرت مساوئ النظام الملكي وفساده. بلغ بالبعض أن قسم عبارة واحدة إلى شطرين، ينسبون جزءًا منها للمصدر المبكر والآخر للمتأخر. كما نادى فريق آخر بأن السفرين جاءا عن ثلاثة مصادر أو أكثر. وإنني أذكر هنا كلمات القديس أغسطينوس القائل: [بأن المصاعب التي يثيرها البعض عن الكتاب المقدس تدفعنا بالأكثر إلى التمتع بأعماق جديدة خلال دراستنا للكتاب المقدس]. قدم Oesterley and Robinson وغيرهما عرضًا لأهم الأحداث التي ركز عليها النقاد بكونها تكررت في السفرين ، وسأقدم ردّ بعض الدارسين إلى ذلك: 1. تأسيس النظام الملكي في مجموعة معادية للنظام الملكي (مثل 1 صم 8؛ 10: 17-25)، وأخرى محبذة للنظام الملكي (مثل 1 صم 9: 1-16؛ 11: 1-15). إذا رجعنا إلى النصوص لا نجد تعارضًا بينها بل انسجامًا، إذ يلاحظ الآتي: أ. في (1 صم 8) استاء صموئيل النبي من طلب الشعب إقامة ملك لهم، وهذا أمر طبيعي، إذ يعني هذا الطلب الآتي: I. نكرانًا لخدمة صموئيل النبي الذي عاش بينهم باذلًا ومحبًا. لقد انحرف أولاده لكنه لم يلزمهم بقبولهم قضاة لهم، وكان يليق بهم أن ينتظروا عمل الله الذي يقيم لهم قاضيًا يخلصهم كما حدث قبلًا معهم. II. تجاهلًا لعمل الله المستمر معهم في عصر القضاة، فكان يليق بهم أن ينسبوا الفشل لا إلى نظام الحكم الإلهي Theocaratical System (بطلب النظام الملكي Monarchy) بل إلى انحرافهم عن الله وفسادهم الروحي. III. رغبتهم في التشبه بالأمم (1 صم 8: 5)، مهتمين بالمظاهر الخارجية. أما نسبة مثل هذا النص إلى مصدر متأخر كُتب أثناء السبي أو بعده حيث ظهرت مساوئ النظام الملكي وأنه لم يُكتب في أيام صموئيل النبي، فيرد عليه بأن الشعب كان قد احتك بالأمم والشعوب المجاورة، وإن كانوا قد طلبوا أن يكون لهم ملك مثل سائر الشعوب لكنهم شعروا كيف تئن هذه الشعوب من نير الملوك الطغاة المستغلين لشعوبهم، فقد عانى آباؤهم أيضًا من مرارة الاستعباد على يد الفراعنة. أما ما هو أهم من ذلك فهو أن النقاد في كتاباتهم تجاهلوا العنصر الإلهي أو الوحي، لذا ينسبون بعض الأسفار إلى عصور متأخرة عن كتابتها لمجرد إشارتها إلى أحداث مستقبلية، حاسبين أن الكاتب لا بُد أن يكون معاصرًا أو لاحقًا للأحداث، إذ لا يقبلون قدرة الوحي عن الحديث عن أمور مستقبلية خلال النبوة. هنا نجد صموئيل النبي يعارض طلب الشعب على الله، وفي صراحة يعلن استياءه من الطلب، وبالرغم من استجابة الطلب إلا إن الله كشف لصموئيل عما سيحدث من مساوئ للملوك القادمين، وقد نقل صموئيل هذه الصورة بأمانة للشعب. إذن استياء صموئيل وحديثه الذي يبدو معاديًا للنظام الملكي لا ينسب لعصر السبي أو ما بعد السبي كما يدعي بعض النقاد إنما هو حديث نبوي فيه يكشف النبي عما سيحل بهم من جور الملوك. ب. أما بالنسبة للنصوص التي تبدو محبذة للنظام الملكي، مثل قول الرب لصموئيل النبي: "غدًا في مثل الآن أُرسل لك رجلًا من أرض بنيامين، فامسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل فيخلص شعبي من يد الفلسطينيين، لأني نظرت إلى شعبي لأن صراخهم قد جاء إليّ" (1 صم 9: 16)، فلا يعني هذا تناقضًا للعبارات أو النصوص السابقة؛ إنما هذه هي طبيعة الله الصالحة إنه يراعي الحرية البشرية، خاصة إن كان الطلب جماعيًا. لقد أعطاهم سؤل قلبهم، مستخدمًا بصلاحه شرهم للخير. هذا ما سبق أن فعله مع أخوة يوسف حيث استخدم بيعهم لأخيهم عبدًا فرصة لإقامة النبتة الأولى لشعبه في مصر. لقد عزّى قلب نبيَّه صموئيل قائلًا له: "لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم"(1 صم 8: 7)، وفي نفس الوقت قال له: "فالآن أسمع لصوتهم" (1 صم 8: 9). 2. أصل المثل "أشاول أيضًا من الأنبياء؟!". قيل هذا المثل حين حلّ روح الرب على شاول وتنبأ بين الأنبياء يوم مسحه ملكًا (1 صم 10: 11)، وأيضًا حين طارد داود إلى نابوت حيث كان يسكن صموئيل، إذ تنبأ أمام صموئيل وداود بعد أن خلع ثيابه (الخارجية) وانطرح عريانًا النهار كله والليل كله (1 صم 19: 24). لقد ادعى Welhausen أن النص الثاني وليد عصر متأخر مبغض للملكية، إذ يظهر شاول في صورة مزرية يستمتع بها صموئيل وداود. يُرد على ذلك بأن المثل قيل في المرة الأولى عند مسحه لأن الله أعطاه قلبًا آخر (1 صم 10: 9)، وصار المثل بين عارفيه بكونه لم يدخل مدرسة الأنبياء ولم يتوقع أحد نواله نعمة النبوة كعطية إلهية، فصارت مثلًا في حدود ضيقة بين عارفيه وأصدقائهم (1 صم 10: 11-12). أما تكرارها في المرة الثانية بعد زيغان قلبه فهو أمر طبيعي لشخص مثل شاول عُرف بتقلبه المستمر وانفعالاته القوية المتغيرة، كما يظهر في معاملاته مع داود، تارة يبكي أمامه ويمدحه وأخرى يصوب الرمح ضده ليعود فيقيم معه عهدًا ثم ينقصه... لقد رأى صموئيل وداود فثارت فيه ذكريات كثيرة هزت نفسه فترنح، وخلع ثوبه الخارجي ليهذ في النبوة... هنا يتكرر المثل الذي بدأ يُشاع ليتثبت أكثر، إذ تنبأ شاول الذي سبق فانحرف مقاومًا الحق. أما صموئيل وداود فلم ينظرا إليه بهزء كما ظن Welhausen. 3. يدعى بعض النقاد أن مبايعة شاول في المصفاة (1 صم 10: 17-27) جاءت عن مصدر متأخر مقاوم للنظام الملكي بينما تجديد المملكة في الجلجال (1 صم 11: 14) جاء عن مصدر مبكر محبذ للنظام الملكي. يُرد على ذلك بأنه كان لزامًا على صموئيل النبي عند مبايعته لشاول في المصفاة أن يبرز أن الله استجاب لطلب الشعب وأعطاهم سؤل قلبهم بالرغم من رفضهم لملكه، مبرزًا صلاح الله ومعاملاته الرقيقة مع الإنسان. أما في الجلجال إذ صارت غلبة على الأعداء وقد رفض شاول قتل بني بليعال (من شعبه) لأنهم رفضوا قبلًا قائلًا: "لا يُقتل أحد في هذا اليوم، لأنه في هذا اليوم صنع الرب خلاصًا في إسرائيل" (1 صم 11: 13)، لهذا كان لائقًا أن يُمدح شاول وتجدد مملكته ويكون فرح وسط الشعب. هنا نود تأكيد أن صموئيل النبي لم يهدف إلى مقاومة نظام سياسي معين أو تحبيذه إنما كان يرفض كل فساد داخلي وكل علاج مقنّع يحمل مظهرًا خارجيًا دون إصلاح روحي داخلي. حين كان شاول يسلك حسب الوصية امتداحه صموئيل النبي علانية وحين انحرف صار يوبخه في شجاعة وبصراحة. هذا ونجد صموئيل مسح داود وكان سندًا له حتى النهاية. 4. أورد السفر قصتين متشابهتين بخصوص سماحة داود النبي عندما سقط شاول مطارده بين يديه (1 صم 24، 26). ويلاحظ أن القصتين تمثلان واقعتين مختلفتين: أ. تكرارهما أمر طبيعي لما عاناه شاول من مرض نفسي، فكان متقلب المزاج، فبعد أن رفع شاول صوته وبكى معلنًا لداود: "أنت أبر مني لأنك جازيتنني خيرًا وأنا جازيتك شرًا" (1 صم 24: 17) عاد ليُطارد مرة أخرى. ب. في المرة الأولى (1 صم 24) أبلغ الزيفيون شاول عن موقعه في تل حخيلة إذ كانوا أعداء له، أما في المرة الثانية (1 صم 26) ففعلوا ذلك خوفًا من الانتقام. ج. مع وجود تشابه في القصتين مثل تقدير رجال شاول ب 3000 حارس، لأنهم حرسه المرافق له، فإن القصتين تكشفان عن مناسبتين مختلفتين: أ. في الأولى كان شاول في كهف نهارًا، أما في الثانية فكان في معسكر ليلًا. ب. في الأولى هرب داود مسرعًا، أما في الثانية التجأ إلى الفلسطينيين لأن داود النبي فقد الثقة تمامًا في شاول بعد تكرار الأمر، (هكذا يؤكد حدوث الأمر مرتين). لكي لا أطيل الحديث فإنني سأعرض للأحداث التي أوردها النقاد بكونها متكررة في دراستنا لصلب السفر وتفسير ذلك. هنا أود أن أكرر ما ذكره بعض الدارسين الذين فندوا آراء هؤلاء النقاد، وهو: أ. أن العمل ليس وليد مصدرين - واحد لاحق وآخر سابق، إنما هو عمل مترابط يحمل هدفًا واضحًا بعرض رائع منسجم معًا . ب. لم يُوضع السفران بهدف تاريخي بل بقصد الكشف عن خطة الله ومعاملاته مع شعبه، لذا جاءت الأحداث الواردة فيهما ليست دائمًا مرتبة على أساس زمني. ج. أجمعت الآراء أن سفري صموئيل الأول والثاني امتازا باللغة العبرية الفصحى التي تدل على أن الوقت الذي كتب فيه كان العصر الذهبي للأدب العبري. فلو كان السفران أجزاء متناثرة من عصور مختلفة لما حملت هذا الطابع الأدبي الرائع. د. يقول Driver إن السفر حوى بعض عبارات شائعة الاستعمال في ذلك الوقت (العصر المبكر) مثل: "حية هي نفسك"، "بنو بليعال"، "رب الجنود"، "وهكذا يعمل الرب وهكذا يزيد"، "مبارك أنت من يهوه (الله)" إلخ... |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|