|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حوار مع نبوخذنصَّر: "حينئذٍ أمر نبوخذنصَّر بغضبٍ وغيظٍ بإحضار شدرخ وميشخ وعبدنغو. أتوا بهؤلاء الرجال قُدام الملك. أجاب نبوخذنصَّر وقال لهم: تعمدَّا يا شدرخ وميشخ وعبدنغو لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبت. إن كنتم الآن مُستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف إلى أن تَخُرُّوا وتسجدوا للتمثال الذي عملته. إن لم تسجدوا ففي تلك الساعة تُلقون في وسط أتون النار المتقدة. من هو الإله الذي يُنقذكم من يدي؟" [13-15]. ليس شيء يثير أصحاب السلاطين مثل الشعور بأن سلطانهم مُحتقر. أنهم يطلبون طاعة الكل لأوامرهم حتى وإن كانت غير عادلة. إذ هدأ قليلًا أعطاهم فرصة أخيرة لإنقاذ حياتهم، إن سجدوا للتمثال مرة واحدة! ما يشغله ليس السجود للتمثال أم عدمه بل تحديهم لسلطانه، لهذا سخر بإلههم، وأنه لا يقدر أن يخلصهم من يده. "فأجاب شدرخ وميشخ وعبدنغو وقالوا للملك: يا نبوخذنصَّر لا يلزمنا أن نُجيبك عن هذا. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبدهُ يستطيع أن يُنجينا من أتون النار المتقدة، وأن يُنقذنا من يدك أيها الملك. وإلاَّ فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبتهُ" [16-18]. يتحدث العلامة ترتليانعن الطاعة للملوك والرؤساء (رو 13: 1؛ 1 بط 2: 13-14) في كل شيء فيما عدا ما يمس الإيمان، قائلًا: [لهذا السبب أيضًا وُضع الثلاثة اخوة كمثالٍ سابق لنا، هؤلاء الذين كانوا مطيعين لنبوخذنصَّر في الأمور الأخرى، وبكل إصرار رفضوا تكريم التمثال ]. كان يمكن للفتية أن يجدوا لهم أعذارًا يبررون بها السجود للتمثال منها: أ. كانوا صغارًا في السن، ومسبيِّين. ب. كانوا تحت سلطان ملكٍ عنيف. ج. كان الملك صاحب سلطان مطلق، خاصة عليهم كأسرى حرب. مطلوب منهم السجود ولو مرة واحدة دون منعهم من عبادة الله. د. قدمت كل أنواع الموسيقى للتأثير عليهم. ه. دخل الملك نفسه الذي وهبهم النعم التي يعيشون فيها في القصر معهم في الحوار وصار يهددهم. و. كانوا في أرض غريبة، معرضين بسهولة للاتهام. وفي الغربة ما أسهل تطبيق المثل القائل: "حينما تكون في روما اصنع ما يفعله الرومان When in Rome do as the Romans do." ز. عبد سلفاؤهم في أورشليم وكل يهوذا وإسرائيل الأوثان حتى في داخل هيكل الرب عينه، كما جاء في إرميا وحزقيال، ودون ضغط خارجي بينما أصر هؤلاء الغرباء ألاَّ يسجدوا لتمثالٍ في أرض غريبة. ح. برفضهم السجود للأوثان يتعرضون للموت فيفقدون كل فرصة للقيام بأي دور للعمل لحساب شعبهم. هذا مقياس بشري بحت رفضه الشبان بروح الإيمان، واثقين في الله الذي يعمل لخيرهم وقادر أن ينقذهم إن شاء ذلك. كان الأتون من الطوب الأحمر له فوهة من فوق، كما كان له باب جانبي من خلاله رأى الملك الفتية ومعهم الشبيه بابن الآلهة. في الحوار تحدى الملك نبوخذنصَّر إلههم، أما هم فتحدوا الموت من أجل أمانتهم لله. لقد آمنوا أن إلههم قادر أن يُخلصهم، وإن لم يخلصهم من النار الزمنية فلا يعني هذا خيانتهم له. لم يبالوا بتهديدات الملك معتمدين في مثابرتهم على إيمانهم الحيّ: أ. آمنوا أن الله قادر أن يخلصهم، وهو الحارس لحياتهم، وأنه لن يسمح بموتهم إن كان في ذلك نفع لهم. ب. آمنوا أنه إن سمح لهم بالموت يقبلون ذلك بشجاعة، مقدمين حياتهم ذبيحة حب لله. بهذا يُحسب هؤلاء الفتية شهداء، لأنهم شهدوا للحق الإلهي، مقدمين حياتهم ثمنًا للشهادة، بغض النظر إن كانوا يقتلون أو ينقذهم الرب من الموت. وكما يقول القديس أغسطينوس إن الاستشهاد لا يتحقق بوسيلة الموت، وإنما بحالة المؤمن. فالاستشهاد يقوم على مبدأين: الأول الإيمان بالله كحافظ لحياتنا وقائدها إلى حيث يريد، والثاني انفتاح باب في السماء أمام أعيننا لنرى المجد المُعد لنا، متطلعين إلى حياتنا هنا كفترة عبور مؤقتة. * تطلعوا إلى إيمانهم! أنهم يقولون: إننا نؤمن أنه قادر أن يُخلصنا، ولكن إن منعته خطايانا فإننا نؤمن بالذي لا يُريد أن يسلمنا (للموت الأبدي). لسنا نؤمن بهذه الحياة بل بالحياة العتيدة. ولسنا نؤمن به لكي نهرب من الحرق هنا، وإنما لكي لا نهرب من العبور من هذه النار فنسقط في نارٍ أخرى. إذن لتفعل ما تريد، أعدد أتونك، بحرارته هذه وبناره، فإنه لتنقيتنا. القديس جيروم ربما يتساءل البعض: لماذا لم يُشتكَ ضدّ دانيال أنه لم يسجد للتمثال؟الإجابة على ذلك هي: أولًا: ربما كان دانيال في إرسالية خارج المنطقة. ثانيًا: ربما خشي المشتكون أن يقف الملك ضدهم، لأنهم يعلمون تقديره لدانيال، وكيف سجد له، لذلك أرادوا التركيز على الثلاثة فتية بكونهم معينين لدانيال، ولعلهم كان في خطتهم أن يشتكونه بعد الخلاص من هؤلاء الفتية. ثالثًا: ربما لم يُطلب من دانيال ذلك، لأن الملك شعر بأن دانيال نفسه ينبغي له السجود، فهو أعظم من التمثال أو في درجته. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|