|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اسْمَعُوا سَمَاعًا رَعْدَ صَوْتِهِ، وَالدَّوِيَّ الْخَارِجَ مِنْ فَمِهِ [2]. "اسمعوا سماعًا" يكرر كلمة السماع مرتين، ويشبِّه كلماته بعاصفة رعد وبرق، وكأنها قصف مستمر على بيته، وبرق يضيء أمام العيون، فليس لأيوب ومن معه عذر، إنما يلزمهم أن ينصتوا بكل مشاعرهم. وقد بقيت العاصفة مستمرة حتى تكلم الرب نفسه من السماء مع أيوب. كثيرًا ما يرتبط حديث الرب مع شعبه أو مؤمنيه بالعاصفة، وكما يقول المرتل: "إله المجد أرعد... صوت الرب يزلزل البرية، يزلزل الرب برية قادش" (مز 29: 3، 8). "الله في العاصفة"، لا في الطبيعة فقط، وإنما في عاصفة النفس الداخلية أيضًا؛ إنه في أعماقنا يعلن عن ذاته خلال العواصف التي تجتاح طبيعتنا الداخلية. جاء كلمة الله ليدخل النفس ويثير فيها ثورة داخلية ضد الشر ليحطم فينا الإنسان العتيق ويهبنا الإنسان الجديد. حتمًا كان آدم وحواء يترقبان بفرحٍ صوت الله الذي يقدم ماشيًا في الجنة، لكن بعد سقوطهما في الخطية صار صوت الرب الإله موضع خوفٍ ورعبٍ لهما، متى سمعاه كانا يختبئان من وجه الرب (تك 3: 8). بسبب ارتباطنا بالأرضيات صرنا نسمع صوته في العاصفة وخلال الرعد، "أرعد الرب من السماوات، والعلي أعطى صوته" (2 صم 22: 14). عندما استلم موسى النبي الناموس، قيل: "وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق، والجبل يدخن، ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد" (خر 20: 18؛ راجع خر 19: 16). ويقول المرتل: "صوت رعدك في الزوبعة، البروق أضاءت المسكونة، ارتعدت ورجفت الأرض (مز 77: 18، راجع مز 97: 4، 135: 7). كما قيل: "إذا أعطى قولًا" تكون كثرة مياه في السماوات، ويصعد السحاب من أقاصي الأرض، صنع بروقًا للمطر، وأخرج الريح من خزائنه (إر 10: 13، 16). * حقق الكتاب بهذا القول (خر 29: 18-19) إنه ليس للمخلوقات طاقة لسماع صوت الخالق. وإذا سمعوه يكادون أن يموتوا من خوفه، لهذا أنعم علينا بالتجسد في آخر الزمان، حتى يمكن لبني البشر أن يسمعوا صوته ولا يموتوا(1321). القديس مار أفرام السرياني * تقف َالسماء برعدةٍ، فهي تضعف حتى تصير كلا شيء أمام عظمتك، ولكن الرحم استقبلك واحتواك وحمل مجدك. القديس مار يعقوب السروجي * يليق بنا أن نلاحظ أنه قيل عن صوت الله إنه يُسمع لا في فرحٍ، بل في رعدةٍ. بالتأكيد كل خاطي يفكر فقط في الأمور الأرضية، ويحمل قلبًا غارقًا في أفكار سفلية، متى تلامس فجأة بوحي النعمة الإلهية يدرك فوق كل شيء أن كل أفعاله يعاقبها الديان الأبدي. لذلك فإن صوت الرب في البداية يكون في رعدة، ليتحول بعد ذلك إلى العذوبة...إذن يمكننا أن نفهم من رعد صوته قوة الخوف، ومن صوت فمه عذوبة التعزية. فإن الذين يملأهم الروح القدس يحذرهم من أفعالهم الأرضية، وبعد ذلك يعزيهم بالرجاء في السماويات، وذلك لكي ما يفرحوا مؤخرًا بالأكثر في يقين المكافأة بقدر ما كانوا في خوفٍ حين كانوا يتطلعون إلى العقوبات وحدها. يقول بولس: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: يا أبا الآب" (رو 8: 15)... ها أنتم ترون رعدة الاهتداء قد تحولت إلى قوة، يعاقبون خطاياهم بالندامة، ويصعدون حتى إلى ممارسة الحكم، ليقبلوا هذه القوة من الله، هذه التي كانوا يرتعبون منها عند يديه. البابا غريغوريوس (الكبير) يقول المرتل: "صوت الرب يحطم الأرز، الرب يكسر أرز لبنان" (مز 29: 5).صوت الرب في الرعد، غالبًا ما يكسر شجر الأرز، حتى أرز لبنان أقوى أنواعه وأكثرها صلابة. رياح العاصفة تقتلعه أحيانا بجذوره، وتحطم قممه العالية المتشامخة، فتنبطح أرضًا. تمثل هذه الأشجار النفوس المتشامخة المعتدة بذاتها، فقد جاء صوت الرب أو كلمة الله المتجسد ليدخل بهذه النفوس إلى حياة التواضع خلال حزن التوبة. وقد اختار الله ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء (1 كو 27:1)، لكي يتمتعوا هم أيضًا بذاك الذي صار بذاك القدير الذي من أجلهم صار في صورة ضعف. * "صوت الرب يحطم الأرز". بالتوبة يكسر الرب أولئك الذين يمجدون ذواتهم بشرف أصلهم الزمني، والذين يقفون في خجل حينما يختار أدنياء هذا العالم ليُطهر فيهم قوته الإلهية. القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|