* من علامات القديسين أن يخفوا ما صنعوه من أعمال صالحة، لئلا يجلبوا على أنفسهم السقوط في الافتخار. لذلك يقول الحق: "احترزوا من أن تصنعوا برّكم قدام الناس لكي ينظروكم" (مت 1:6). هكذا أيضًا إذ وهب نورًا للأعميين الجالسين على الطريق أمرهما قائلًا: "انظرا، لا يعلم أحد" (مت 30:9). وقد قيل عنهما إنهما "خرجا وأشاعاه في تلك الأرض كلها"... يليق بهما أن يختفيا لتحقيق هدفٍ ما، وأن يعلنا ذلك عن ضرورة.
ليكن اختفاؤهما لأجل حفظ نفسيهما، وليكن إعلانهما لأجل نفع الآخرين. لهذا كُتب: "لا يوقدون سراجًا، ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 15:5-16). توجد أوقات يلتزم فيها قديسون أن يمارسوا أعمالًا صالحة حتى في حضور زملائهم المخلوقين، أو يقولوا لهم عما يفعلونه، ولكن ليس بهدف أن يتمجدوا بهذه الأعمال، بل يتمجد أبوهم الذي في السماوات... لهذا يتجنب الكارزون الصالحون الكرامة، ومع ذلك يرغبون في أن يُكرموا لكي يقتدي الآخرون بهم.
بنفس الطريقة بالتأكيد عندما كان يتكلم الرسول بولس مع تلاميذه كان يهرب من الكرامة، ومع ذلك يُظهر كيف يستحق أن يُكرم جدًا. إذ قال لأهل تسالونيكي: "لسنا نطلب مجدًا من الناس، لا منكم، ولا من غيركم، مع أننا قادرون أن نكون في وقارٍ كرسل المسيح، بل كنا مترفقين في وسطكم" (1 تس 6:2-7). مرة أخرى في رسالته إلى أهل كورنثوس إذ تجنب الكرامة يقول: "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح" (2 كو 5:4)... لهذا أظهر بطريقة مدهشة نعمة التواضع، وطلب فيض من المنفعة، كمن يعلن عن نفسه أنه خادم تلاميذه، ويبرهن أنه أفضل من أعدائه.