انشودة التعظيم
فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.“(لوقا46:1-56)
ان الآيات التي ذكرها القديس لوقا في انجيله (لوقا46:1-55) والتي تعرف عامة ب “أنشودة التعظيم” والمترجمة من اللاتينية Magnificat anima mea Dominum (تعظم نفسي الرب)، واستخدمت الكلمة الأولى “تعظم” ولذا عرفت بانشودة التعظيم The Magnificat، وهذا فالكلمة “تعظم” في اليونانية megalunein تعني “تصنع شيئا عظيم او تسبح” وعندما تقول مريم ان نفسها تعظم الرب فهي بهذا تعبّر من كل اعماقها كيف انها ترغب في تسبحة الله وان تفعل ما في وسعها ليتتمجد ويتعظم.
يكشف هذا النشيد مدى الفرح الذي كان في قلب والدة الله، فهي في تواضع تعترف ان كل الأشياء
العظيمة التي نالتها هي من الله وعبّرت عن هذا بفرح عميق لا يوصف. ان الكلمات التى نطقت بها مريم في منزل اليصابات هي تعبير عن ايمانها بالله وانعكاس لما يحمله قلبها من خبرة شخصية مع الله واشعت كلماتها بسر مجد الله وعظمته اللامتناهية. ان انشودة التعظيم هي فعل شكر وتسبيح نحو الله وسلوك قلب لا يعرف الا محبة الله.
هل ترغب حقا في تسبيح الله او ان تجعله عظيما في نفسك؟
اذا كان ذلك فمريم اعطتنا المثال في كيفية ان نعمل هذا في أنشودة التعظيم، ففي الجزء الأول من ذلك النشيد فنفس مريم تعظم الله بسبب تواضعها:
“فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَه”(لوقا46:1-50)ُ.
التواضع يتضمن رؤية الحقيقة عن النفس ومريم أظهرت هذه الفضيلة بطرق كثيرة وملحوظة في
أنشودتها. أولا فهي اعترفت بحقيقة مهمتها الفريدة والموكولة اليها والبركات الغير عادية التي نالتها ولم تنكر او بخست ما الذي صنعه الرب في حياتها، ففي الحقيقة الله صنع أشياء عظيمة لها ولذا فتعزي كل شيئ الي الله وتقول “كل الأجيال ستطوبني” بسبب ما صنعه الرب وبسبب
تواضعها.
ولكن مريم في نفس الوقت تعرف في اعمافها ان كل تلك البركات في حياتها ليست بعمل منها فهي لم تصبح “ممتلئة نعمة” وأم المسيّا و”مباركة في النساء” من خلال جهد خاص منها او بسبب بعض مواهب فطرية روحية فمريم تعترف بضعفها وانشودتها تبين ان كل ذلك جاء بنعمة من الله. لاحظ كيف ان كل شيئ تقوله عن نفسها في تلك الآيات مرتبطة بالله فهي لا تطلب ان تظهر نفسها ولكن لتعظم الرب (لوقا 46:1). لقد رأت نفسها ليس إلا آمة صنيعة الرب وخادمة للرب (doules) (لوقا48:1)، ولكن الله جاء كمخلص لها ونظر الي تواضعها (48:1)، فهو الله الذي صنع العظائم لها (49:1).
انه يوجد فرق كبير بين التواضع اللفظي بكلمات والتواضع التجريبي فمن السهل لأي فرد ان يقول “انا ضعيف، انا خاطئ، انا اريد الله في حياتي”، ولكن مختلف تماما ان يختبر في حياة الشخص حقيقة انه ضعيف او كيف ان شخص يعتمد على الله كلية. لقد قال يسوع:” لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا”(يوحنا5:15)، فالشخص المتواضع يعرف في الحقيقة كيف ان هذه المقولة ماذا تعني ويعرف انها ليست فقط قاعدة روحية أساسية ولكنها خبرة شخصية يعيشها ويتحقق منها الفرد فهو لا يقدر بدون الله ان يفعل شيئا. ان مريم تعرفت على هذه الحقيقة للحالة البشرية وفهمت كيف انها صغيرة في الحقيقة امام عظمة الرب وعرفت انها لا شيئ من نفسها وانها تعتمد بالكامل على الرب. وهكذا أظهرت مريم تعليم المسيح ان التواضع هو ما اظهره يسوع منذ تجسده وطوال خدمته وحتى موته على الصليب وقيامته ولذا قال”وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.“(متى29:11). فقط عندما نكون مقتنعين مثال مريم كيف اننا لا يمكننا ان نفعل أي شيئ صغير بأنفسنا وكيف اننا نعتمد تماما على الله وكيف ان الرب يعمل بطرق عجيبة وعظيمة فينا ويقوينا ويرشدنا لما هو خير لخلاصنا.
نقطة أخرى ملفتة للنظر في انشودة التعظيم هو موضوع المضادات في النصف الأول والثاني من ذلك النشيد:” صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً،
كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ»(لوقا51:1-55).
في الجزء الأول من أنشودة التعظيم نرى مريم قد ركزّت على بركات الله التي منحها لها شخصيا وكيف ان الرب نظر الي تواضعها وصنع أشياء عظيمة لها (لوقا46:1-50). في الجزء الثاني سبّحت مريم الله فيما هو يعمله لأسرائيل شعبه يظهر رحمته لشعبه ومنقذا لهم من ضيقاتهم (لوقا51:1-55). لم ترى مريم ان البركات التي حصلت هي عليها هي شيئ لنفسها فقط ورأت ان عمل الله في حياتها هو مساهمة ومشاركة فيما يريده الله ان يعمله من اجل شعبه. فكما نظر الله الي تواضع مريم (48:1) وصنع أشياء عظيمة لها هكذا سينظر الي كل المتواضعين (52:1) ويخلصهم.
لقد أنشدت مريم العذراء نشيدها هذا كنبيّة ولذا فتعتبر أخر نبيـة فى العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد. وهي تسبحة تبين ان مريم كان ذهنها مملوء من الأسفار المقدسة فهى تشابه تسبحة حنة ام صموئيل النبي (1 صموئيل 1:2-10) “فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا. لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ، وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَلِيمٌ، وَبِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ. قِسِيُّ الْجَبَابِرَةِ انْحَطَمَتْ، وَالضُّعَفَاءُ تَمَنْطَقُوا بِالْبَأْسِ. الشَّبَاعَى آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُبْزِ، وَالْجِيَاعُ كَفُّوا. حَتَّى أَنَّ الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً، وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ الأَرْضِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ. أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ، وَالأَشْرَارُ فِي الظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. مُخَاصِمُو الرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ السَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ، وَيُعْطِي عِزًّا لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ». لكن تسبحة حنة انتظار للمسيا واما تسبحة العذراء مريم فهى فرح بتحقيق هذا الأمل. أيضا تسبحة القديسة مريم تشبه ترنيمة التعظيم لاشعيا النبي “فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالرب..”(اشعيا10:16-11).
ها هى ابنة الناصرة القرية الفقيرة والحقيرة يحبها الله “نظر الى تواضع أمتـِه”. لقد ترك الله كل الخراف وبحث عن خروف واحد وعن درهم واحد وعن مريض واحد فى بركة.ولم تتكلم مريم عن الله باسمه ولكن بصفاته فها هى تدعوه القدير و القدوس و اله الرحمة.
صلاة: يا قديسة مريم ساعديني ان اتضع أمام الله وان اعرف انني لا شيئ بدون نعمته فصلي من أجلي ليملأ الله قلبي بنعمة التواضع حتى أخدمه بكل أمانة وبحب من كل القلب والفكر والإرادة. آمين.
اكرام: حاول اليوم ان تتنازل عن عمل او خدمة قمت به وحدك مع فريق عمل وقدم ذلك العمل باسم الفريق كله حتى ولو كنت انت صاحب الفكرة.
نافذة: يا بتولا أمينة صلي لأجلنا
يتلى سر من اسرار المجد -طلبة العذراء المجيدة-